تحرير المرأة



مجلة الاشتراكية الثورية
2019 / 3 / 8

إن الثورة الاشتراكية لن تحرر المرآة بشكل تلقائي لأنه حتى بعد الثورة لا شيء يحدث بطريقة أتوماتيكية. فالتاريخ يصنعه البشر، والنضال من اجل القضاء على اضطهاد المرآة يجب أن يستمر حتى ينتصر. ومع ذلك، تبدأ الثورة الاشتراكية عملية القضاء على الاضطهاد المزمن للمرآة وتستكمل هذه العملية في الانتقال للاشتراكية. وسبب ذلك بسيط؛ فالاشتراكية قبل أي شيء آخر هي التحرر الذاتي للطبقة العاملة ونصف الطبقة العاملة من النساء. وبالتالي بدون التحرر الكامل للمرأة يستحيل الحديث عن التحرر الكامل للطبقة العاملة، وبالتالي يستحيل الحديث عن الاشتراكية.

إذن كيف سيتحقق تحرر المرأة؟ قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال يجب التطرق للأسباب الحقيقية لاضطهاد المرأة.

مصدر اضطهاد المرأة يكمن في وضع المرأة في إطار الأسرة والدور الذي تلعبه الأسرة في المجتمع الطبقي عموما وفي المجتمع الرأسمالي على وجه الخصوص.

وبداية فإن وضع المرأة داخل الأسرة ليس كما يدعى منظرو البرجوازية وعلماء الدين وضع “طبيعي” وأبدي، وقد أوضح ماركس وإنجلز أنه نتاج ظهور المجتمع الطبقي وبالتالي ممكن تغييره وأنه في مجتمعات قديمة لم يكن هناك اضطهاد للمرأة.

ولا يمكن إنكار أن النظرة التقليدية للمرأة ودورها قد تغير عبر الثلاثين عاما الماضية وأنه قد حدث تقدم ملموس في فرص المرأة في التعليم والعمل وفي شروط الزواج وأصبح خروج المرأة للعمل سمة أساسية للمجتمع الرأسمالي في أغلب البلدان. ولكن رغم هذا ظل الدور الرئيسي للمرأة كزوجة وأم، وتفسير هذا الوضع المتناقض يكمن في أصل اضطهاد المرأة في المجتمع الرأسمالي.

إن الأسباب في استمرار اضطهاد المرأة ليست بسيطة، وهي تتركز في طبيعة العائلة في ظل الرأسمالية، وهنا يجب التأكيد على أن العائلة قد تغيرت عبر العصور وأن شكل العائلة الحالي هو ذلك المرتبط بالمجتمع الطبقي والنمط الرأسمالي لعملية الإنتاج.

إن دور العائلة الاقتصادي هو إعادة إنتاج قوة العمل للرأسمالية، وتحضير الجيل القادم من العمال هام للغاية لكل المجتمعات ولعله أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى. فكل الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال وتربيتهم موجه نحو ذلك. إن العائلة هي التي تقدم كافة الخدمات (تغذية، رعاية، ..) لأجيال العمال الحاليين والقادمين. ولا يقف دورها عند هذا الحد، بل تلعب العائلة دورها كمؤسسة لإعادة إنتاج قيم المجتمع القائم وتقاليده من خلال تربية النشء حتى يكون هناك جيل جديد من العمال تربى على قبول الأفكار والقيم السائدة في المجتمع البرجوازي.

والرأسمالية تفترض أن جميع العمال –رجالا ونساء- يعيشون داخل أسر، وبالتالي نظام الأجور في ظل الرأسمالية ينال الجميع أجورا أقل من احتياجاتهم.

فالأجور المتدنية للعمال الرجال مبنية على وجودهم ضمن أسر وبالتالي فهم ليسوا ملزمين بدفع تكاليف المعيشة بشكل مباشر على شكل بضائع من السوق، فإعداد الطعام، وغسيل الملابس ورعاية الأطفال يتم كجزء من وجود الأسرة، وهذا يجعل تكاليف إعادة الإنتاج أقل.

تتأثر أجور النساء العاملات كذلك بوجودهن داخل الأسر، فغالبا ما يكون دخل العاملات 60 –75% من دخل العمال الرجال. والتفسير الرئيسي لهذا التفاوت تكمن في افتراض أن العاملات –كأعضاء في أسرة- لديهم مصدر إعالة أخر غير أجورهن. ووجود نساء يفتقدون لمثل هذه الإعالة (العاملات المسئولات عن إعالة أسرهن) لا يدخل ضمن هذه الحسبة.

وبالتالي فالرأسمالية تعتمد على عمل المرأة المدفوع (خارج المنزل) وغير المدفوع (داخل المنزل) الذين يساهما في تحقيق فائض أعلى عبر تخفيض تكلفة إعادة الإنتاج. فوجود المرأة داخل المنزل يمكن الرأسمالية من دفع أجور تفترض أن خدمات المعيشة الرئيسية يتم تقديمها داخل المنزل.

فالطبيعة التنافسية للنظام الرأسمالي تعني أن العائلة هي الأداة الأساسية لإعادة إنتاج قوة العمل، وبالتالي فإن النضال لتحرير المرأة يعني انهاء الاضطهاد الواقع على المرأة في الأسرة، أي أنه متداخل مع النضال للتخلص من النظام الذي ينتج الاستغلال والاضطهاد.

وتكمن أزمة الإصلاحيين في قبولهم الإصلاحات الجزئية الممكنة في إطار النظام القائم، وبالتالي الرضا بأقل من التحرر الكامل والمساواة للمرأة، وحتى تلك الإصلاحات الجزئية ثبت بالواقع الفعلي أنها لا تتحقق في كل الأحوال.

إن النضال من أجل تغيير العالم يؤدي إلى تغيير الأفكار والثوابت لا على مستوى الأفراد فحسب ولكن على مستوى المجتمع ككل. فنضال العمال والفئات المضطهدة جنبا إلى جنب يحملهم إلى قبول لأفكار حول الحرية وتحرر المرأة والاشتراكية معادية لتلك الأفكار السائدة والمسيطرة في المجتمع.

ولعل أعلى نقطة في مثل هذا التغير هو ثورة 1917 في روسيا، فقد استطاعت ثورة العمال والعاملات الروس تحقيق تطورات غير مسبوقة للمرأة.

أولاً بصدور عدد من الإجراءات القانونية الواضحة والمباشرة والتي يمكن أن تتبنها الدولة العمالية بشكل فوري. وتشمل هذه الإجراءات الحق في أجر متساوي وفرص عمل متساوية وإلغاء أي أثر لعدم المساواة القانونية بين الرجال والنساء وتجريم كل أشكال التمييز ضد المرأة، وإباحة الإجهاض، والحق في الطلاق الفوري عند الطلب.

وكذلك عملت الدولة العمالية على تحويل عمل المنزل ورعاية الأطفال بشكل جدي وفعال إلى عمل اجتماعي. ومعنى ذلك خلق شبكة من المطاعم العامة وتوفير المغاسل العامة وخدمات تنظيف المنازل، والعمل توفير رعاية جيدة ودور حضانة للأطفال.

هذه الإجراءات تعطينا المثل لكيفية التغيير في ظل الثورة الاشتراكية المقبلة بالإضافة إلى الإضافات والإبداعات الذي تأتي عبر الثورة ذاتها. وكذلك سيسهم عدد كبير من التغييرات الاجتماعية الأخرى في عملية تحرير المرأة ويسهلها، مثل تغيير مناهج التعليم واستخدام وسائل الإعلام كقوة ضد التمييز بدلا من استخدامها لتشجيع التمييز ضد المرأة في الوقت الراهن.

وبقدر ما تتطور أشكال الحياة الاجتماعية، وهذا محتمل، سيساعد ذلك كثيرا في تحقيق هذه المهام، وعندما تتحقق تتوقف تربية الأطفال عن كونها عبئا وسوء حظ بأي شكل من الأشكال، وتصبح تجربة إيجابية يشارك فيها الرجال والنساء جنبا إلى جنب.

وبالمثل، تصبح مسألة مع من نعيش، وإلى أي مدى، خاضعة تماما للاختيار الشخصي، ولا تتحدد بالضغوط الاقتصادية أو الطقوس الدينية القديمة والعقود الاجتماعية التي تعكس هذه الضغوط (مثل عقد الزواج).

إن التحرر التام للمرأة لن يحدث سوى بالاعتماد على الطبقة الوحيدة القادرة على تغيير المجتمع – الطبقة العاملة- المنظمة من خلال حزب عمالي ثوري يضم الرجال والنساء.