كلارا زيتكن والحركة النسائية الاشتراكية الدولية



رعد موسى الجبوري
2022 / 7 / 6

هنا ترجمة بحث قُدم من قبل غزيلا نوتس الى مؤتمر علمي بمناسبة مرور 150 عام على ولادة كلارا زيتكن في 6 تموز (يوليو) 2007 في برلين تحت عنوان:
كلارا زيتكن في زمنها، حقائق جديدة، معارف، تقييمات
قامت بتنظيمه مؤسسة روزا لوكسمبورغ
دفعني لهذه الترجمة المعلومات القيمة والجديدة عن بدايات الحركة النسوية والتي وددت مشاركتها مع الجمهور العربي المهتم.
رعد موسى الجبوري

كلارا زيتكن والحركة النسائية الاشتراكية الدولية
ولدت كلارا زيتكن (1857-1933) ,لعائلة باسم ايسنر Eißner ، كانت ابنة لمعلم قرية اسمه غوتفريد وزوجته جوزفين ايسنر، والتي تنتمي بالفعل إلى جمعية النساء الألمانيات، وكانت سياسية، منظرة، مربية، واشتراكية ماركسية، صحفية، ومسالمة وأكثر من ذلك بكثير. وقبل كل شيء ، كانت مؤسِّسة الحركة النسائية البروليتارية الدولية. في 5 تموز (يوليو) 2019 ، وسيبلغ عمرها 162عامًا. لم تكن كلارا زيتكن راضية عن الإصلاحات ، بل ناضلت من أجل الثورة. في بداية تشريع قانون منع التنظيمات الاشتراكية في المانيا (1878-1890) اصبحت عام 1878 عضوا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني، في وقت كان لا يسمح للنساء بتنظيم انفسهن في بروسيا وأماكن أخرى في ألمانيا. ووفقاً لقانون الجمعيات البروسي ، لم يُسمح لـ "النساء والطلاب والمتدربين" بالعمل في منظمة سياسية أو بتنظيم أنفسهم. لكن في ساكسونيا ، حيث عاشت كلارا زيتكين ، كان ذلك ممكنا.
في عام 1908 تم تطبيق قانون للجمعيات على نطاق الإمبراطورية الالمانية بكاملها ، والذي سمح أيضا للنساء والطلاب والمتدربين بممارسة النشاط السياسي.
"لا يمكنني التصرف ضد قناعاتي" ، بهذه الجملة لم تعلن انضمامها للحزب الاشتراكي فقط. ولكنها وضعت خطا فاصلا بينها وبين عائلتها ومعلمتها وصديقتها أوغستا شميدت ، التي كانت ، مثل أمها ، تنتمي إلى الحركة النسائية البرجوازية.
سنوات تعلم مهمة في المنفى
في سنوات المنفى (1882-1890) حصلت كلارا على المعارف التي احتاجتها لاحقا لقيادة الحركة النسائية الدولية. فقد مرت بفيينا و زيوريخ خلال هجرتها نتيجة قوانين منع الحركات الاشتراكية في المانيا إلى باريس التي كانت مركز الحركة الاشتراكية الدولية آنذاك. وهناك التقت في عام 1883 بشريك عمرها لاحقا والمطارد ايضا أوسيب زيتكين ، وكان نجار ، وناشط اشتراكي ، وبالتالي كان في نظر أمها "بلا قيمة" لذلك. في عام 1883 ، ولدت ابنها مكسيم و كذلك كوستيا في عام 1885 ، والذين سكنت معهم في غرفة صغيرة في مونتمارتير ، في ظروف فقيرة وسيئة جدا. هنا التقت كلارا زيتكن مع الاشتراكيين البارزين من فرنسا وألمانيا ومع المهاجرين الروس ، وانخرطت في أنشطة سياسية وصحفية وتحريضية. وأصبحت مناضلة اشتراكيًة صلبة واستكملت "دورها كامرأة وأم" و "دورها كمدرس".
على الرغم من معوقات القانون المعادي للاشتراكية في ظل بسمارك ، فقد انتعشت الحركة النسائية البروليتارية بشكل سريع خلال تلك الفترة. ولعبت مجلة " المساواة" تأثير حاسم على مزيد من النهوض للحركة النسوية، ظهرت المجلة بعد سقوط القانون المعادي للاشتراكية عام 1891 وبعد عودة كلارا زتكن إلى ألمانيا تسلمت عام 1892 رئاسة تحريرها. لقد أصبح العمل من أجل الاشتراكية محتوى حياة لزيتكن واصبحت سياسة محترفة. وكانت تقوم بجولات تحريضية وتوعية بشكل مكثف وكانت القاعات تمتلئ دائما بالمستمعين في ندواتها وجولاتها التحريضية. كما واجهت عدة مرات مشاكل مع الشرطة وكانت تحب المؤتمرات الكبيرة والاجتماعات والمؤتمرات والمظاهرات ، وكان ذلك بالنسبة لها دليلاً "على أن الطبقة العاملة كطبقة تنهض ويوقظ وعيها وترغب في تنظيمً نفسها لتوجيه مصالحها بايديها ، والتي هي مصالح المجتمع كله في نفس الوقت" وتم تُرجمة خطاباتها وكتاباتها إلى لغات عديدة.
البرنامج السياسي للحركة النسائية البروليتارية الدولية
خلال تأسيس الأممية الثانية عام 1889 في مؤتمر العمال الدولي في باريس ، وضعت كلارا زيتكين ، البالغة من العمر 32 عامًا انذاك، وكمندوبة لعمال برلين وواحدة من خمس نساء من بين 400 مشارك ، الأسس البراغماتية للحركة النسائية البروليتارية الدولية في كلمتها: " يحتاج الاشتراكيون إلى معرفة أن عمل المرأة أمر ضروري في التنمية الاقتصادية الحالية [...] يجب على الاشتراكيين في المقام الأول أن يعرفوا أن التبعية أو الاستقلال الاجتماعي يقوم على التبعية أو الحرية الاجتماعية ، " كما قالت في ذلك الوقت.
وبالفعل ، قامت النساء في هذا المؤتمر ، ومنهن إيما أرر (1857-1911)، اللواتي عملت معهن بشكل وثيق ولفترة طويلة ، بالترتيبات الاولية لإنشاء حركة نسائية بروليتارية دولية. وطالبن من الأحزاب الاشتراكية، التي كانت غالبا ما تعارض عمل المرأة وتنظيمها، بحجة ان ذلك يسبب بؤس للأسر البروليتارية، من خلال " تخفيض الاجر" واعتبروا المرأة "منافسة قذرة" للرجل، طالبن بالدفاع عن حق المرأة في المشاركة في العمل المدفوع. وكتبت في وقت لاحق أن رفض الرجال المشاركة في الأعمال المنزلية يشكل عقبة رئيسية أمام تنظيم العمال الجماعي. وأعربت عن أملها في إجراء تحسينات فنية وتكنولوجية من شأنها أن تجعل مهمة ربة المنزل أسهل ، وبالطبع طالبت بالمشاركة (الجزئية) في رعاية الأطفال من قبل مؤسسات العامة. لم تكن تؤمن بالمساواة الشكلية البحتة ، ولكن كون المرأة مختلفة فلا يعني ذلك أن تكون قيمتها أقل و ان تحظى باحترام أقل.
وحسب رأيها ، كان الاستقلال الاقتصادي للمرأة الشرط الأساسي للقضاء على اضطهاد المرأة ، ليس في المصنع فقط، بل داخل الأسرة أيضا. ورفضت في البداية الحماية الخاصة للعاملات باعتباره تقييد للحقوق المتساوية. وقام المؤتمر بتأييد مبدأ الأجور المتساوية لنفس الوظيفة ولحماية المرأة في العمل. في وقت لاحق ، غيرت كلارا زيتكن رأيها ، بينما لم يغب عنها هدف الحماية الخاصة . واصبح في رأيها ، أن على كل حركة نسائية جادة ان تصبح حركة نضالية اجتماعية وجزء من الحركة البروليتارية الشاملة. كان هدف جهود كلارا زيتكن وزملائها المناضلين هو المجتمع الاشتراكي، الذي كان من المقرر أن يتحقق في النضال المشترك للعمال. انطلقت زيتكن من العلاقة والرابط الأساسي بين "قضية المرأة" و "المسألة الاجتماعية" وبين "تحرير المرأة" و "تحرر العمل من رأس المال". وكانت قضايا المرأة وحقوق المرأة بالنسبة لها وسيلة لتحقيق غاية، حتى انها (كأمرأة) لها نفس المؤهلات [...] لخوض النضال مع البروليتاريا" وتقوم " مع الرجل بصف واحد بالنضال ضد الطبقة الرأسمالية." ولم تكن تحترم فكرة مجتمع كامل قاعدته من النساء. وكذلك بالنسبة للمفاهيم التي تعتبر "المرأة" كموضوع جماعي مستقل. و قبل كل شيء ، كانت على علم بالخصومات الطبقية التي تستبعدنا "نحن النساء" بدون تميز.
واستبعدت الخصومات الطبقية حتى الدمج المؤقت بل مجرد التعاون مع الحركات النسائية البرجوازية ، كما طالبت ليلى براون. وبذلك لم يكن النضال التحرري للبروليتاريات نضال ضد الرجال من طبقتهم ، بل هو صراع ضد الطبقة الرأسمالية. وكانت كلارا زيتكن مع "انفصال واضح" عن الحركة النسائية البرجوازية، والتي وصفتها بأنها "الشريحة العلوية لعشرة آلاف" واتهمتها بالنفاق والرجعية كما اعتقدت انهن لا يريدن دعم النظام البرجوازي فقط، بل أيضا ومن خلال مساندتهم الخيرية لتحسين ظروف العاملات يهدفون ابقائهن بعيدا عن الصراع الطبقي. بينما كانت الحركة النسائية البروليتارية ثورية بالنسبة لها.
من الجهل وضع زيتكن في قوالب حيث لم تكن تريد هي أن تكون فيها. لم تكن نسوية (feminists) ولا "نسوية يسارية". ولم يكن هذا الأخير معروفا في وقتها. النسويات كانت "البرجوازيات" بالنسبة لها. وانتقدت الاشتراكيات اللواتي اسسن في عام 1873 "نادي النساء والفتيات العماليات" في برلين، وكان اعضاءه من النساء حصرا، لانهم قاموا بعمل مكروه وغير فعال، بالنسبة لها، وهو "فصل النساء عن الرجال". وأعربت عن أسفها "للميول النسوية [...] للقائدات البارزات لحركة برلين" ، اللواتي تأثرن بشكل واضح بـ "الخطابة النسوية".
كانت في البداية تنتقد المطالب بمنح حق تصويت المرأة في الانتخابات ، لأنه "بدون الحرية الاقتصادية ، لا يعد الأمر أكثر من مجرد تغيير ليس له نهج". وبالرغم من انها كانت ترى الحقوق السياسية سلاحاً فعالاً في الكفاح من أجل المساواة الاجتماعية ، ولكنها يجب ان تخدم رفع الاستغلال عن العمال. وعرفت كلارا زيتكن أيضا أن التوافق بين "العمل المهني وعمل الزوجة في الأسرة [...] سوف لن يتحقق بالتأكيد في المجتمع الاشتراكي دون كفاح ونضال شديد للمرأة". بالنسبة لها كانت "مسألة المرأة" "تناقضاً جانبياً" جاء جنباً إلى جنب الحاجة إلى القضاء على التناقض الطبقي.
المؤتمر الاممي الأول للنساء الاشتراكيات
تأسست الحركة النسائية الاشتراكية الدولية (SIW)، في المؤتمر الاممي الأول للنساء الاشتراكيات بقيادة كلارا زيتكن ، الذي عقد في 17 و 19 أغسطس 1907 ، ضمن اطار مؤتمر الاشتراكية الدولية في شتوتجارت والذي عقد في قاعة ليدرهال. وهناك اجتمعت 58 مندوبة من 15 دولة اوربية وغير اوربية، بهدف تنظيم أنفسهن على المستوى الاممي والعالمي، من بينهن اثنا عشر من الاشتراكيات الألمانيات. واندرجت على جدول أعمال المؤتمر، تقارير عن الحركة النسائية الاشتراكية في كل بلد على حدة ، والعلاقات المستقبلية بين الرفاق المنظمين والنضال من أجل حق المرأة في التصويت.
افتتحت أوتيلي بادر (1847-1925)، كأحد الشخصيات المركزيات في حركة النساء الاشتراكيات الالمانيات التي كانت الجهة الداعية لعقد المؤتمر، الدورة في شتوتغارت ليدرهال وقدمت مهام المؤتمر ومنها مهمة تقديم المشورة حول "أفضل السبل [...] التي تساعدنا في التغلب على أكثر الأسلحة التي لا غنى لنا عنها ، وهي حق المرأة في التصويت". وتلت تقرير نساء الحزب الديمقراطي الاشتراكي كما وضحت مفهوم النساء الاشتراكيات الذي "وضعنه" الديموقراطيات الاشتراكيات ، حول تطوير العضوية ، وحول عمل المرأة وعمالة الأطفال ، ومؤسسات التربية والتعليم الديمقراطية الاشتراكية. وكانت تقارير البلدان الأخرى متشابهة. وقد أعربت بعض التقارير بالفعل عن قلقها إزاء الحرب المحتملة والحاجة إلى مقاومتها. وعلقت معظمهن على حق المرأة في التصويت.
كلارا زيتكن ، التي كانت تناصر في خطاباتها ليس حق المرأة في التصويت فقط ، بل وأيضاً حقوق المرأة وزيادة وتحسين حماية النساء العاملات بشكل اكبر، واعتبرت مؤتمر شتوتجارت "أول محاولة" تجريبية لانشاء صلات منظمة بين الاشتراكيات المنظمات من مختلف الدول ، [...] من أجل تحقيق موقف أساسي موحد للحركة النسائية الاشتراكية حول القضايا الرئيسية ، لربطها بشكل أكثر حزما مع الحركة الاشتراكية العامة وبالتالي زيادة قوة ونجاح عملهم ونضالهم ". فصاغت قرار من أجل حق المرأة في التصويت وقدمته الى مؤتمر الاشتراكية الدولية ، الذي عقد أيضاً في شتوتغارت في الفترة من 18 إلى 24 أغسطس 1907.
تعهدت الأحزاب الاشتراكية في جميع البلدان بحملة قوية من أجل إدخال الاقتراع العام غير المقيد. وضرورة تكريس حق المرأة في التصويت في برامج الأحزاب المعنية ، واتفقت على تطوير إجراءات مشتركة بصدد ذلك. كما وأعلنت كلارا زيتكن في شتوتغارت أن البروليتاريات لا يردن رفض الحركة النسوية البرجوازية عند مساهمتهن في النضال من أجل حق الاقتراع العام وسوف لن يحاولن الوقوف امامهن او خلفهن للفوز في مسيرة منفصلة.
كانت الحواجز الطبقية في ذلك الوقت شبه مستعصية ومتوترة وشكلت حاجز فاصل بين الحركة النسائية البرجوازية والبروليتارية. وكانت معظم "الأخوات" البرجوازيات راضيات في الحصول على حق "تصويت نساء محدود" أو "تصويت السيدات" (حسب زيتكن) ولم يكن لديهن ما يدعو للقلق فيما يخص حجب السواد الأعظم من البروليتاريات عن ممارسة حقوقهن السياسية. وكان هناك العديد من النساء من الطبقة المتوسطة الراغبات في الحفاظ على امتيازاتهن، وكن مستعدات لقبول قرار استبعادهن عن السياسة كضرورة ناتجة عن المصير الطبيعي للمرأة ومكانها في بيت زوجها (الخاص).
كلارا زيتكن وحق المرأة في التصويت
بالنسبة لكلارا زيتكن وللحركة النسوية البروليتارية كان مطلب منح المرأة حق التصويت مرتبط بالنقاش العام حول إصلاح نظام الاقتراع العام هو الذي جرى عليه التركيز في جدول الاعمال، بالرغم أن هذا لم يكن هدف الحركة. فعلاقات الملكية الخاصة ورأس المال تبقى كما كانت، وكذلك سوف لن يتم الغاء اضطهاد البروليتاريات تلقائيا عن طريق التصويت. فهل سيكون من المستغرب أن تكون مناصرة العاملات من بين صفوف الرجال العاملين اقل دعما؟ كما أنهم كانوا يخشون استقلالية المرأة ، والتي كن يأملن بها من التصويت: فكتب اوغست بيبل "لقد حان الوقت لأن تعترف الاشتراكية الألمانية في كل مكان بالمصلحة الاساسية للنساء وتعمل لتحقيق تطلعاتهن" والذي كان شخصية رئيسية هامة في الحركة العمالية الألمانية. وقام في عام 1875 بتقديم طلب لمؤتمر غوتا للحزب الاشتراكي الديموقراطي ولكن دون جدوى ، للحصول على حق الاقتراع، السري لجميع المواطنين وحق التصويت للنساء على قدم المساواة مع الجميع. ثم ورد في برنامج غوتا: "حق تصويت وانتخابات عامة ومتساوية ومباشرة مع التصويت السري والإلزامي من قبل جميع المواطنين من سن العشرين". وكان حينها مفهوم المواطنين يشمل الرجال فقط ، وفقط في مؤتمر الحزب في إرفورت عام 1891 اصبح (معظم) الرفاق مقتنعين بأن "العامة والمتساوية" يجب أن تشمل النساء ايضا. وكانت كلارا زيتكن هي التي أوضحت للمندوبين موقف الحركة النسائية البروليتارية ، التي اعتبرت أن قضية الدفاع عن المساواة السياسية للمرأة هي قضية الاشتراكية الديمقراطية. واصبحت الصياغة في برنامج الحزب فيما يتعلق بالاقتراع العام على الشكل التالي: "دون تمييز بسبب الجنس". واصبح من الضروري الان تمرير برنامج الحزب كمبادرة تشريعية في الرايخستاغ الألماني ( البرلمان الالماني). وتحمل أوغست بيبل الكثير من السخرية من رجال الاحزاب جميعا عندما قدم مشروع القانون الى الريخستاغ في عام 1895. وتم رفض الطلب من جميع الأطراف ، باستثناء الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
اصبح انقسام المعسكر الاشتراكي واضحًا
لم تكن التناقضات موجودة فقط بين الحركات النسائية البرجوازية والبروليتارية، فكانت هناك اتجاهات مختلفة بين النساء الاشتراكيات ايضا. فاثناء مؤتمر شتوتغارت بدأ انقسام داخل المعسكر الاشتراكي يتبلور بالفعل، وعلى المستوى الاممي بين اليسار الراديكالي والإتجاه الإصلاحي. فقد وصفت ألكساندرا كولونتاي (1872-1952)، ممثلة حزب العمال الاشتراكي في روسيا، الوضع بهذه الطريقة: " خلال المؤتمر تصارع الجناح اليساري والجناح اليميني في الاممية الاشتراكية، والذي عكس التناقض بين الجناحين في الاممية. كان موقفي بجانب كلارا زيتكن. كانت نقطة الخلاف الأولى هي النضال من أجل حق المرأة في الاقتراع العام. واصبح الاشتراكيون النمساويون مع ليلي براون مستعدين لبعض التنازلات. [...] باسم روسيا ، قمت بتأيد اليسار ضد الانتهازيين. كانت هناك أيضا اختلافات في أشكال العمل بين النساء: أصرت كلارا زيتكن على تشكيل مكتب مركزي دولي ، في حين أن ليلي براون واليمين اكتفوا بتصريحات نظرية حول حقوق المرأة. مرة أخرى، اضطررت الى دعم اليسار." وفي قضية النضال من أجل منح المرأة حق التصويت، كان رأي الحزب الاشتراكي الديموقراطي النمساوي، أنه ليس من الحكمة النضال من اجل حق الاقتراع العام للرجال والنساء في وقت واحد. ولم يتمكنوا من النجاح في هذا الرأي. وبعد أن سحب النمساويين طلبهم ، سحبت النساء الإنجليزيات طلبًهن. وبذلك تم تمرير قرار كلارا زيتكن، مقابل أحد عشر صوتًا معارضا من النمساويين ، السويسريين والإنجليز.
بناء على اقتراح من لويس زايتس (1865-1922) - الذي دعم كلمة روزا لوكسمبورغ (1871-1919) - وبعد بعض النقاش ، تم إنشاء "أمانة نسائية اممية" ، ينبغي ان يرسل إليها رفاق كل بلد تقارير سنوية عن الحركة النسائية في اوطانهم الأم. و تم اختيار ألمانيا كمقر للمكتب المركزي ، كما تم انتخاب كلارا زيتكن سكرتيرة للاممية الاشتراكية النسائية. واحتلت هذه الوظيفة حتى عام 1917. وتم تحديدها بناء على مبدأ "المساواة" حسب اقتراح من لويزي زايتز وإيما إير ، كجهاز دولي لاممية لنساء الاشتراكيات. وبعدها اصبحت النساء تحصل على مجلتها مجاناً لغرض المزيد من التعليم وكمصدر للمعلومات.
"اقرار حق المرأة في التصويت!"
عام 1910 طرحت كلارا زتكن للتصويت، جنبا الى جنب مع كيت دونكر (1871-1953) ورفيقات اخريات على مؤتمر المرأة الاشتراكية الدولية الثاني الذي انعقد في كوبنهاغن يومي 26 و 27 أغسطس، مقترح لإعلان يوم عالمي للمرأة، وهدفه الأول هو التحشيد من اجل الحصول على حق المرأة في التصويت. وافق جميع المئة مندوب من 17 دولة ، بما في ذلك الاثنا عشر من ألمانيا ، بالإجماع على الاقتراح . واكدت كلارا زيتكن في تقريرها عن المؤتمر، زيتكين على أن مسارها يوضح "ما مدى نجاح مؤتمر شتوتجارت ، وما مدى وضوح ودعم الحركة النسائية الاشتراكية الدولية لعملها". وقامت كل من ألكسندرا كولونتي وروزا لوكسمبورغ بدعمها مرة اخرى. و اكدت أن اليوم العالمي المشترك للمرأة – و الذي قيم كوسيلة جديدة للتحريض – سيعزز ويزيد من اساليب الضغط خارج البرلمان. عدا ذلك وضعت على جدول الاعمال مسائل رعاية الأم والطفل وتعليم النساء والأمهات اضافة لتوضيح أسباب الحرب وضرورة النضال من أجل الحفاظ على السلام، مع ذلك القت الحرب العالمية الأولى ظلالها بالفعل ، وبدأت جميع البلدان الصناعية الأوروبية استعدادتها للتسلح. وتم اعادة انتخاب كلارا زيتكين في كوبنهاغن كأمينة للحركة النسوية الاممية.
تحت الشعار النضالي "امنحوا حق الاقتراع للنساء" اشتركت أكثر من مليون امرأة في مسيرة بمناسبة اليوم العالمي الأول للمرأة، في 19 اذار (مارس) 1911 تظاهروا في الشوارع يدعون إلى المساواة الاجتماعية والسياسية للمرأة. كان يوم المرأة عام 1911 بمثابة نجاح كبير. وجاء في التقرير المكتوب من قيادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي عن هذا اليوم "مظاهرة ضخمة الاجتماعي الديمقراطي لمنح المرأة حق التصويت". العديد من اعضاء الحركة النسائية البرجوازية الراديكالية شاركن في هذه الفعالية أو ارسلن رسائل التحية. وبما أن المرأة البرجوازية كانت تدعم الحركة البروليتارية في هذه الحالة ،مما جعل المظاهرة الموحدة ممكنا. كتبت صحيفة "المساواة" في تقرير لها: "كانت فرق للشرطة في الاحياء المجاورة لمكان الفعالية مسلحة بالمسدسات وجاهزة لحالة ثورة وهجوم النساء". وتم عقد اجتماعات في أماكن عديدة من المانيا و تم اعتماد قرارات لمنح المرأة حق التصويت. في دائرة برلين الكبرى وحدها ، تم إحصاء 42 فعالية ، وجميعها حضت بحضور جيد. وقدرت مكاتب المراقبة المدنية عدد المشاركين بـ 30000 - " غالبا رقم منخفض أكثر من النصف" ، حسب "المساواة".
نداء الى النساء الاشتراكيات باعتبارهن "المحافظات على الحياة"
في مواجهة تهديد السلام العالمي الذي تسببت فيه حرب البلقان ، قرر المكتب الاشتراكي الدولي عقد مؤتمر اشتراكي دولي استثنائي في بازل في 24 و 25 نوفمبر 1912. وكان البند الوحيد المطروح للنقاش على جدول أعمال هو الوضع الدولي والعمل المشترك لدرء خطر الحرب الوشيكة: وكتبت كلارا زيتكن في نداء الى النساء "في هذه الارادة الصريحة والمهمة للبروليتاريا العالمية، لايجوز للمرأة الاشتراكية ان تغيب كما هو الحال في الحرب المقدسة ضد الحرب". وقامت كلارا زيتكين بالقاء كلمة في المؤتمر نيابة عن النساء الاشتراكيات في جميع البلدان. وقدمت عرضًا مفصلاً مؤثرا حول الحرب الوشيكة ، ودعت النساء إلى الدفاع عن أنفسهن ضد جريمة الحرب ، طلبت منهن أن يكونوا "حماة للحياة". واضافت انه يجب على الأمهات تربية الأطفال على الاشمئزاز العميق من الحرب. وتبنى المؤتمر بالإجماع بياناً يدعو البروليتاريا إلى استخدام كل الوسائل الفعالة لمنع الحرب.
وأيضا في المؤتمر التحضيري للمؤتمرالثالث المرأة الاشتراكية الدولية في 21 أبريل 1914 في برلين ، تحت شعار"المرأة العاملة والسلام العالمي" طالبت كلارا زتكن ورفيقاتها المناضلات بضرورة اتخاذ إجراءات موحدة ضد العسكرة والحرب. ولكن المؤتمر الذي كان من المزمع عقده بعد المؤتمر الاشتراكي الدولي العاشر في فيينا لم يتم.
وسبب بدء الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914 إلى ظهور حقبة جديدة في تطور الحركة النسائية الدولية. أغلب الأحزاب الاشتراكية في البلدان المتحاربة ً كانت تدافع عن الدولة الرأسمالية البرجوازية ، والتي كانت لفترة قصيرة تسعى لتقويضها. قامت كلارا زتكن في أوائل نوفمبر 1914 بتوجيه نداء الى" النساء الاشتراكيات في جميع البلدان"، تحدثت فيها بقوة ضد الحرب ودعت فيه للسلام بشكل شامل. "إذا قام الرجال بالقتل" ، كما أوضحت ، "فالأمر متروك لنا لنناضل من أجل الحفاظ على الحياة. وإذا كان صمت الرجال، فمن واجبنا مدفعوين بالوفاء لمثلنا، التحدث بصوت عالي". وبالضد كتبت جيرترود بومر، امراءة قيادية في" اتحاد جمعيات النسائية الألمانية "في بداية الحرب العالمية الأولى، أن الجنود دائما يجدون من الحلاوة والاخلاق السامية ان يموتوا من أجل الوطن.
حل الاممية الاشتراكية النسائية
مع بداية الحرب العالمية الأولى ، انحلت الاممية الاشتراكية بأكملها - وبالتالي الحركة النسائية الاشتراكية الاممية أيضا - الى مكوناتها الوطنية. وبذلك تراجع الكقاح من اجل حقوق المرأة بالنسبة للعديد من النساء البروليتانيات ، الى الخلف. والتحقت الكثير من النساء البروليتاريات بالنساء البرجوازيات في بلادهن.، واتبعت العديد من النساء في المانيا دعوة نساء الطبقة الوسطى للعمل على "صيانة الجبهة الداخلية". حتى قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي دعت إلى هذا. وبهذا تعرضواالى نقد قاس ، (ليس فقط) من قبل كلارا زتكن وروزا لوكسمبورغ، فقد كرس هؤلاء معظم قوتهم للنضال ضد الحرب. حاولت زتكن إعادة ترسيخ خيوط الحركة النسائية الدولية التي مزقتها الحرب. أرادت تفعيل عمل النساء الاشتراكيات في جميع أنحاء العالم كمعارضات للحرب. حتى في صحيفة "المساواة" ، تحركت بقوة ضد الحرب ، من أجل هز النساء من جميع أنحاء العالم. بقت كلارا زتكن مع رفاقها الناشطين على مبدأ: " لن نقدم أي رجل ولا فلس لهذا النظام". وحين قامت غالبية كتلة الحزب الاشتراكي الديموقراطي في البرلمان في عام 1913 بالتصويت لصالح زيادة ضريبة الحرب ووافقت وفي 4 آب، وافق 1914 على قروض الحرب، جاء الانقسام في الحزب و عاد من غير الممكن وقف الحركة النسائية الديمقراطية الاشتراكية.
بهدف تنظيم مقاومة ضد الأغلبية الحزبية ، دعت كلارا زيتكين ، بصفتها سكرتيرة الأمانة العامة للاممية النسائية - ضد حظر اللجنة التنفيذية للحزب - مؤتمرًا للمرأة في مارس 1915 لجميع الدول المشاركة في الحرب في برن. ودخل التاريخ كمؤتمر نسائي اشتراكي دولي ضد الحرب. اجتمع 25 مندوبا من ألمانيا وإنجلترا وفرنسا وروسيا وبولندا وإيطاليا وهولندا وسويسرا في هذا التجمع الهام للسلام. وعدا كلارا زيتكن ، شاركت من ألمانيا كل من لور أغنيس ومارثا أرندسي وكيت ديونكر وتوني سندر وبيرتا ثاليمر ومارجريت وينغلس. كان تركيز المؤتمر على حل سلمي بين الاشتراكييات الألمانيات والإنجليزيات ، والذي تم تبنيه بالإجماع بعد بعض النقاشات. كان الهدف من المؤتمر هو إثبات أن النساء، على الأقل، لا يزلن مخلصات للتضامن الاممي ضد الحرب. وكتبت كلارا زيتكين في وقت لاحق " كان المؤتمر عبارة عن عمل قامت به أقلية من الحركة ، وكان مقدمة لتقسيمها الذي لا مناص منه". بسبب الخيانة تم القبض على كلارا زيتكين في رحلة العودة ، وثم تقديم تهمة لها. وبعد موجة من الاحتجاجات والاستنكار وكفالة من قبل الناشر جي. هـ. دبليو. ديتز تم إطلاق سراحها.
المصاعب تزداد مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي
واجهت كلارا زتكن في الأشهر التي تلت ذلك صعوبات متزايدة مع حزبها، لأنها كتبت المزيد المقالات وشاركت في العديد من التظاهرات النسائية ضد الحرب. احتجاجا على سياسة الحرب للحزب الديمقراطي الاشتراكي وموافقته على منح قروض لتمويل الحرب انضمت كلارا زتكن الى مجموعة سبارتاكوس اولا، وفي عام 1917 ساهمت في تأسيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني المستقل (USPD). وبذلك فقدت موقعها كسكرتيرة للمرأة في قيادة الحزب المركزية اضافة لموقعها كرئيسة لجنة تحرير "المساواة". في نوفمبر 1918 تحدثت في ساحة سوق شتوتغارت امام الجمعية الشعبية الثورية ، وتم انتُخابها كممثلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني المستقل في الجمعية العمومية لوضع الدستور في فورتمبيرغ. وتم منحها هناك فرصة إلقاء خطاب في 29 يناير 1919 كأول امرأة في البرلمان الألماني، والتي وصفت فيها الحكومة بالتحريفية وقمع الثورة الاشتراكية. وقامت بتشكيل منظمة نسائية خاصة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني المستقل كما فعلت في مطلع عام 1918/1919 في الحزب الشيوعي الالماني الذي تأسس حينها ، والذي انتقلت اليه زيتكن في عام 1919. وهنا نلزم تانيا بوشنرات بكلامها حين كتبت: "عندما غادرت الحزب الاشتراكي الديموقراطي، بقيت اشتراكية ديمقراطية، كما كانت هي تفهم الاشتراكية الديموقراطية". وفي هذه السنوات والتي تلتها، كانت الشيوعية اليهودية هرتا فالخر (1894-1990) رفيقة درب تثق بها كلارا زتكن والتي كانت تعتمد عليها ليس فقط كسكرتيرة ورفيقة للرحلات الخطرة إلى فرنسا وإيطاليا والاتحاد السوفيتي.
خلال السنوات 1920-1933 - سمح للنساء بالتصويت والترشيح من 1918 - اصبحت كلارا زتكن عضو في مجلس النواب الألماني، على الرغم من أنها كانت نادرا ما تقيم في ألمانيا وعاشت في موسكو بشكل رئيسي. ودعت في خطاباتها لشراكة مصالح بين ألمانيا و الاتحاد السوفييتي وكانت تعمل لمنع أي ثورة مضادة. في أغسطس 1932 شاركت في المؤتمر الدولي لمناهضة الحرب في أمستردام ، مع 2196 مندوبا من 35 دولة ، بما في ذلك 358 امرأة. اعتمد المؤتمر بيانا وقرار "ضد الفاشية في ألمانيا وملاحقة المناضلين المناهضين للفاشية من قبل الحكومة الألمانية"، والذي كان موجها "لجميع شرائح النساء العاملات"، وتم تشكيل لجنة عالمية ضد الحرب، وكانت كلارا زتكن عضوا فيها.
وتألقت كلارا زتكن حين القت، كرئيسة السن، كلمة الافتتاح في الرايخستاغ في 30 آب 1932 ، وكانت حينها مريضة جدا بالفعل، وامام حشد من كبار النازيين وتشويشهم، ودعت الى تشكيل "جبهة موحدة من جميع الشغيلة ضد الفاشية" عابرة لكل الانقسامات السياسية والنقابية والعقائد الدينية والإيديولوجية. للاسف، بقى النداء الموجه إلى " مصير المجتمع العالمي بأسره" و "إلى ملايين النساء المضطهدات" بدون أي تأثير. وبقيت كلارا زيتكن في موسكو، حين استيلاء النازيين على الحكومة في (يناير) كانون الثاني عام 1933 وتوفيت هناك في 20 حزيران ( يونيو) من نفس السنة. لم تتحق رؤيتها: "الهدف هو حقوق الإنسان كحقوق للمرأة" - في جميع أنحاء العالم - حتى اليوم . اليوم العالمي للمرأة ما زال (لا يزال) يحتفل به في 8 أذار (مارس).