رسالة إلى المرأة في يومها العالمي ..



حسن الزهراوي
2019 / 3 / 13

اليوم هو يومك العالمي أيتها المرأة ..
يوم المرأة .. إنها مناسبة أممية جميلة لنجدّد لكِ الولاء والحبّ ولنذكركِ بمكانتكِ ونبلكِ وأفضالك .. وقديما قال شيخنا الصوفي ابن عربي "ما لا يؤنث لا يعول عليه".
تذكرنا رمزية المناسبة بانكسارات وإخفاقات المرأة في وضعها المغبون .. بالقهر الذي يطالها في مجتمعاتنا الشرقية الأبيسية "البطريقية" التي يحتكر فيها الرجل كل السّلط حتى غطاء السرير يحتكره لنفسه .. تذكرنا هذه المناسبة الرمزية بغباوتنا بتناقضاتنا بقداستنا الزائفة .. بكمنجات الأخلاق التي نردّدها في منابرنا ونحن ننحر الجسد من وريده إلى وريده .. تذكرنا بشرق الرماد .. وشرق الغبار .. وشرق السبايا .. وشرق النخاسة والعبيد والزنوج التي أقمناها على تخوم بغداد وما حولها .. شرق لا تفتح فيه النساء فمهنّ وعيونهنّ ولا يتحدثن عن حقوقهنّ ووضعهنّ الرث الخليق بالرثاء كما لو أن شهريار السفّاح اللّعين قد قطع لسانهنّ جميعا ..
أيتها النساء تحدثن أصالة عن أنفسكنّ .. أدخلنّ المكتبات .. لا تدعن الرجال يتحدثون باسمكنّ .. الرجال إقطاعيون وافيوداليون بالفطرة .. انتهازيون بالفطرة .. خوانون بالفطرة .. إنهم لم يتوانوا إلا في توسيع رقعة الأقنان والسبايا والحريم والإيماء .. واحتكار جميع السلط .. فاسحبي أيتها المرأة بساطكِ تحته وتمرّدي على امبراطوريته.. وكسّري عباءة التقاليد الرثة .. عباءة الظلاّم الذي يحاصركِ .. تخلصي من الكليتشيهات المضروبة في خصركِ كمسامير مسمومة .. أنتِ لست خصلات شعر مصفوفة فحسب .. أنتِ لست قارورات ماكياج وأحمر شفاه باذخ أو رخيص تشترينه من أقرب دكان.. أنتِ لست مِرآة زجاجية نائمة في حقيبتك الجلدية بين ركام الكليتشهات .. أنتِ لستِ خصرا مترعا .. أنتِ لستِ نهدا ملثما .. أنتِ لست عورة .. أنت كيان واع .. أنت موقف .. أنت ذات فاعلة ..وعقل مسؤول .. أنتِ الخصوبة والأنوثة والبداية والنهاية وأمنا الأرض التي تطعمنا أنثى.. والشمس التي تدفئ قلوبنا الباردة أنثى ...
هل تعلمين أيتها المرأة أن تراث فقهنا المتعبة كتبه .. فقهنا المرهق تُدرج الكثير منها عقود نكاح النساء مع عقود بيع الدواب والبضائع والمتاع .. هل تعلمين أنهم ميزوا بين بول الحرة والعبدة.. إن معظم فقهنا كان مشبعا بنظرة ذكورية أبوية .. تأثر الفقهاء بنظرة مجتمعاتهم للمرأة وقاسوا على ذلك ما قاسوا من أحكام ..
عجبا لنا كيف نهين المرأة ونعاملها ككبسولات تافهة على حاشية الرفوف وقد ولد الإنسان من بطن امرأة وحينما يبكي يأويه حضن امرأة .. وحينما يعشق ويحب يكون في قلب امرأة .. نحن الرجال بدونكن لا شيء .. فلماذا لا نهديكنّ الورد كل صباح ؟؟ لماذا لا نهديكنّ البسمات كل مساء؟؟ ونحمد السماء على هذه الهدية المقدسة بدل هذا التوحش الأغبر الذي يغشى منازلنا الغائمة ويعشش فيها حدّ التخمة ..
بدل هذا العنف الذي يسكن أحاسيسنا وبيوتنا ومعتقلاتنا الزوجية .. علينا أن نؤمن بكن كالثلج في نصوعه وبياضه كالماء حينما ينكسر بين الأصابع .
لا تكوني امرأة شرقية ، تافهة ، كوني نزقة ، ثوري على وضعك المنكود، كسري كل الأغلال التي تؤذيك ، تعلّمي ، تعلّمي ، تعلّمي، خلدي نفسك ، ادخلي المكتبة ، امرأة لا تقرأ ، لا خير فيها .. ولا يعول عليها ..
هل تعلمين يا أيتها النساء أن فقيها مغربيا سوسيا اسمه ابن عرضون -وأغلب ظني أن أغلبكن لا يعرفنه- أفتى في القرن 16 الميلادي فتوى مضيئة قلما نجد لها مثيلا في تراثنا الفقهي المتشنج المتعب ..
أفتى بأن الفتاة يجوز لها أن تتمرد حتى على سلطة أسرتها لتتعلم وهو صاحب "الكد والسعاية" الاجتهاد الفقهي الذي لن يجد طريقه إلى مدونة الأسرة إلا في بداية الألفية الثانية .. هذه الفتاوى المضيئة نحتاجها .. نحتاج أن نستعيرها مثل هذا التنوير لنرد على الخطابات النكوصية المتزمة التي تحجر على العقل وترفض كل اجتهاد بل تخافه ..
تعلمي أيتها المرأة ، أيتها المرأة القروية على وجه الخصوصي لتكوني في زمن أعور لا يؤمن سوى بالرداءة والتفاهة ..