اللحظات الحاسمة لجوهر نضال المرأة للمطالبة بالمساواة



عصام الياسري
2019 / 3 / 14



تعود قصة "يوم المرأة" الناجمة عن الازمات الاقتصادية وعدم المساواة بين النساء والرجال إلى منتصف القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين. وكانت اللحظات الحاسمة الأولى لها، مظاهرات وإضربات عمال النسيج والخياطة الذين كانوا قد تعرضوا إلى ظروف وحشية في المصانع في الولايات المتحدة. حيث أقدم الآلاف من عاملات وعمال النسيج في 8 مارس 1908 على الإضراب عن العمل، ونزلوا إلى الشوارع يحملون "الخبز والورود" لمقاومة الظلم والتمييز والمطالبة بتحسين الإجور و ظروف العمل والمعيشة.

في عام 1909، أضرب 20.000 من الخياطين في نيويورك وألقي القبض على الآلاف، ولكن رجال الأعمال اضطروا في النهاية إلى الاستسلام لمطالبهم.. وبمبادرة من الحزب الاشتراكي الأمريكي احتفلت النساء بيوم المرأة الوطني لتكريم كفاح الخياطات. وعلى الرغم من تباين سرد الأحداث التاريخية المختلفة، ألا أن هناك شيء واحد مؤكد: من أن اليوم العالمي للمرأة كان قد ولد وانتقلت الشرارة إلى أوروبا.

تجاوز نجاح اليوم الأول لخروج المرأة خاصة الاشتراكيات، بدعم من الحركات الجماهيرية الديمقراطية والاجتماعية والنقابية في عام 1911، في العديد من الدول سيما الرأسمالية للتأكيد على حق مشاركة المرأة في الانتخاب، كل التوقعات. مما أدى إلى تحول جوهري في نضال المرأة للمطالبة بالمساواة "الاجتماعية والسياسية"، نتيجة للاضطرابات الاقتصادية السائدة في النظام الإنتاجي الرأسمالي. الذي أجبر عشرات الملايين من النساء على العمل تحت ظروف لاإنسانية ووحشية قاسية، وجعل حياة ملايين الأمهات على المحك في ظل إنعدام التأمين الصحي والاجتماعي وإشتداد آفة الفقر. ووضع ربات البيوت امام مواجهة أقسى الواجبات الاجتماعية والمعاشية.

يتم الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في يوم 8 آذار ـ مارس من كل عام بشكل دائم ويُعد تاريخًا مهمًا للنساء حول العالم. ولم يفقد أهميته في العديد من المجالات التي تهم شأن المرأة و"الأمهات"، ونشر الوعي للدفاع عن حق التصويت والإنتخاب والمساواة بين الجنسين. إلا أن هذا الهدف على الرغم من تحقيقه نوعما، ما زال غير كافياً في العديد من بلدان العالم.

في عام 1907 إنعقد المؤتمر الدولي الأول للمرأة الاشتراكية تحت شعار"ليعلن حق المرأة في التصويت". وفي 19 مارس 1911 تم تنظيم أول يوم عالمي للمرأة إذ خرجت ملايين النساء في الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا والدنمارك والنمسا في الشوارع أو في "الجمعيات العامة" يطالبن بالمساواة الاجتماعية والسياسية للجميع. كان الهدف من اختيار هذا التاريخ هو إبراز الطبيعة الثورية لميلاد يوم المرأة، حيث أن 18 مارس كان يوما تذكاريا لثورة 1848 التي دعت اليها المعارضة البرلمانية الألمانية في برلين، للمطالبة بالحقوق وتحقيق الحرية منpreuischen Monarchie "الملكية ـ البروسية" الأمر الذي أدى إلى نزول الجيش للشوارع لمواجهتها. وإثر سقوط مئات القتلى والجرحى إضطر الملك فريدرك فلهلم الرابع IV. Friedrich Wilhelm الى سحب الجيش من برلين.. وتنتمي ألمانيا إلى دائرة صغيرة من تلك الدول التي تم فيها الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لعام 1911. ولعبت الديموقراطيتين الاجتماعيتين اللتين فصلتا عام 1897 من الجامعة بسبب مشاركتهما في مؤتمر نقابات الخياطة ودعمهما لاضراب عمال الموانيء (كلارا زيتكين Clara Zetkinوكيت دانكر Kate Dunker)، دوراً فاعلاً في عملية إنطلاق يوم المرأة العالمي رسمياً.

طالبت كلارا زيتكن في مؤتمر المرأة العالمي الاشتراكي الأول بالاقتراع العام للمرأة بعد تأسيس الاتحاد العالمي لحقوق النساء في عام 1904 في برلين. في 27 آب / أغسطس 1910، قرر 100 مندوب من 17 بلدا في المؤتمر الدولي الثاني للمرأة الاشتراكية في مدينة كوبنهاكن الدنماركية، تقديم ورقة يوم عالمي للمرأة. كان الهدف الرئيسي والمتطلب هو حق المرأة في التصويت. في السنوات التالية، تغير تاريخ يوم المرأة عدة مرات حتى تم إصلاحه ليصبح عام 1921 في يوم 8 مارس.
في ألمانيا، تم الاعتراف بحق المرأة في التصويت عام 1918، تماماً كما، في النمسا وبولندا وروسيا. وشرع الرايخ الألماني قانون انتخابات في يناير 1919، حيث تم انتخاب النساء الألمانيات لأول مرة في التاريخ. وأنتخبت أول امرأة في عام 1906 في فنلندا ليتزامن هذا "مع حق الاقتراع للذكور"، تليها النرويج في عام 1913 والدنمارك وأيسلندا في عام 1915. وفي سويسرا، حتى على المستوى الاتحادي، كان على النساء الانتظار حتى عام 1971. وفي ليختنشتاين، منحت النساء حق التصويت في عام 1984. ومن الجدير بالذكر فقد صوت مجلس النواب في برلين في يناير كانون الثاني 2019 بعد القراءة الثانية لصالح مشروع قانون حكومة الولاية إقرار يوم 8 آذار عطلة رسمية لمقاطعة برلين، فيما أقر مجلس مقاطعة تورينغ Thüringen يوم "الطفل العالمي" عطلة رسمية. بيد أن هناك بلدان يصعب أو يُحجب فيها حق المرأة في التصويت مثل: مملكة بوتان في جنوب آسيا وبروناي الآسيوية والمملكة العربية السعودية.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، جرى حتى الستينات من القرن العشرين محاولات قليلة تطالب القطاع الخاص بالسياسة مواجهة الإنتهاكات التي تتعرض لها المرأة، مثل العنف عندما تقع ضحية الزواج "القسري" والدعارة والاتجار بالنساء والتمييز في أساليب الحياة غير المغايرة للجنس وتشويه الأعضاء التناسلية وجرائم الشرف.. وعلى الرغم من مرور أكثر من 100 عام على اليوم العالمي الأول للمرأة، لا زالت العديد من البلدان التي يسودها أنظمة شمولية متخلفة، تمارس العنف ازاء الحراك النسائي وحقوق الإنسان، كما تتغاضى دور المرأة وتأثيرها في الحياة المجتمعية العامة، ونسي إلى أبعد تقدير جزء كبير من نضال المرأة ودورها التاريخي الهام.

في عام 1977، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو إلى تخصيص يوما في السنة "يوم لحقوق المرأة والسلام العالمي"، يتناول أحداث وموضوعات أولوية مختلفة ذات صلة إجتماعية ووطنية بشؤون المرأة والأمومة والطفل. وفي عام 2019، كان موضوع اليوم العالمي للمرأة في الأمم المتحدة هو "التوازن"Balance for Better الذي يدفع نحو عالم أفضل لتحقيق المساواة الدستورية وإنشاء منصة لحركة نسائية متنوعة ترتكز بقوة على الوعي الاجتماعي والتربوي.

دعونا جميعا المساعدة على نشر الوعي والتوازن نحو الأفضل، لأن هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا الإحتفال بـ 8 آذار من كل عام باعتباره يوم حقوق وإنجازات المرأة. إذ تمكنت عام 1948/1949 بعناد أربع نساء "قانون وسياسة" يعرفن (باسم أمهات القانون الأساسي) من إدراج الحقوق المتساوية، من خمس كلمات رئيسية في الجزء الأساسي من الدستور الألماني"الرجال والنساء متساوون في الحقوق". (الدكتورة إلزابيث زلبيرت Elisabeth Selbert، فريدريكا نادك Friederike Nadig، هيلينا فيبرHelene Weber وهيلينا فيسل Helene Wessel) (المادة 3 الفقرة 2 من الدستور الألماني). وفي عام 1994 استكملت بعد مناقشات طويلة مباديء المساواة في الحقوق في القانون الأساسي بإضافة نص: "تكفل الدولة تشجيع التنفيذ الفعلي للحقوق المتساوية للنساء والرجال، وتعمل من أجل القضاء على العيوب القائمة". فأصبحت سياسة المساواة النشيطة مهمة دستورية منذ ذلك الحين.