كافيين ذكوري



فاطمة بوشيخة
2019 / 4 / 18

المأساة تزداد حينما تكون مضاعفة و تشتغل بميكانزمات متعددة ،هنا الحديث عن معاناة المرأة في أعالي الجبال المغربية ،الجبال التي لم يصلها الاسقلال بعد ، وماتزال ساكنتها تعيش على هامش الزمن و الجغرافيا او بالأحرى على هامش الحياة ...البؤس الانطولوجي يصبح مضاعفا على المرأة ، فهي من جهة تكتوي بنار الفقر و الهشاشة و التسلط السياسي ، ومن جهة أخرى تكتوي بنار الهيمنة الذكورية ؛التي تختزلها في أبعاد ترفع عنها صفة الإنسانة وتغذو مجرد كتلة أعضاء جسدية ،أو وعاء من لحم يفرغ فيه ما يتم تفريغه .
هنا نجد أولوز كبلدة تقع في الجزء الشمالي من شرق مدينة تارودانت ،مجالا تنكشف فيه هاته الوضعية بجلاء ، هنا حيث تعيش المرأة البؤس بفداحته المطلقة ،الفقر ينخر فيها من كل جانب وتجد نفسها ك"أنا "في مقدمة الدفاع و الهجوم معا ،تستيقظ قبل الكل لتحضر الأكل لكل الكائنات التي ترعاها ،قبل أن تجر حمارتها و تسوقها نحو الحقول وأراضي الزيتون ،سحنتها السمراء شاهدة على حجم خيباتها الحياتية الكبرى وصراعها الوجودي المرير ...هي كائن لا يفرق شيء في نضر المجتمع عن الحمار الذي تسوقه ،هي أيضا تحرث مثله صباح مساء ، والحرث هنا يتخذ صيغا متعددة ويشتغل وفق مجالات تحقُق زمني متعددة أيضا ...هنا في الأولوز تتساوى جميع النساء لا فرق بين امرأة لا تعرف أبجدية الكتابة و القراءة و امرأة موظفة و حاصلة على شواهد عليا ،النساء وفق العقل الاجتماعي" الأولوزي كلهن واحد" ،حقيقة سأواجهها عندما عينت كأستاذة لمادة الفلسفة بالمنطقة وباعتباري أمتلك خلفية معرفية أكاديمية سوسيولوجية فقد التقطت ثلة من المؤشرات الكاشفة لخبايا هذا المجتمع الصغير منذ اليوم الأول وأخرى مع مرور الأيام...هنا الحديث عن المجال العام واستعمالاته الأولوزية وكيف يخضع لاحتكار ذكوري خالص وحتى وان تواجدت فيه المرأة ، فهي تحضر وفق القوانين الاجتماعية السائدة –المقدسة-و الموضوعة حصرا لخذمة المنظور الذكوري. فهي تحضر في هذا المجال في أوقات بعينها و تختفي في أخرى ، و القوانين المؤطر هنا للمجال الأولوزي لا ترتبط بالزمان فقط بل تتعدى ذلك إلى حظر التواجد في أماكن محددة ..على رأسها المقاهي التي تنضاف إلى قائمة المحرمات الثابتة على المرأة الأولوزية او القاطنة بأولوز عموما ،ليكون الكافين المحضر داخلها موجها للرجل فقط مع سبق التخطيط ، ولو حدث أن وطأت قدما امرة هاته المقاهي تصبح قطعا أجيرة جنس وفق التمثل الاجتماعي ،ويتم التشهير بها بمختلف الطرق حتى لو كانت موظفة عابرة تعمل بالمنطقة وتحمل تصورا فكريا مغايرا للسائد ..فالقهوة هنا ليست مجرد مشروب يطرد كسلا موروثا و متجذرا او مشروبا يضفي على النقاشات حول مستجدات البلدة إثارة خاصة ، وإنما هو كاشف سوسيولوجي repérage sociale عن طبيعة الوجود الاجتماعي للمرأة في هذا المجال وكيفية اعتمال مجموعة من العناصر الثقافية داخله ، والتي تضع المرأة عموما في موقع دوني تتجرد عبره من مختلف الحقوق التي تضعها في موقع مساو للرجل ، وتجعل منها كائنا إنسانيا أولا ثم امرأة ثانيا .