الحشد الشعبي ..وفائزة احمد ..ووجع المستنصرية



اسماعيل موسى حميدي
2019 / 4 / 23

فائزة احمد..والحشد الشعبي ..ووجع المستنصرية
د.اسماعيل موسى حميدي
كان لي صديق اعتز به كثيرا ايام دراسة البكالوريوس،عندما كنت في كلية التربية وهو في كلية الاداب ،وحقيقة كان شخصا قيميا متزنا عصاميا ،وأينما يحل تشار إليه الاصابع مهابة واحتراما لطبيعة السجايا التي تحملها سرائره ،ولكن من سوء حظه ان وقع في حب احدى الطالبات الغانيات في الكلية ،وهي الاخرى ايضا انسانة محترمة ومميزة جدا، وكانت بين الاثنين متشابهات كثيرة جعلت الكل يشعر بانهما متطابقان في المعاني النفسية والاخلاقية، ورغم مشاعره الدافقة تجاهها الا انه لم يلتق بها الا مرات محدودة وفي العلن وتحت اضواء الاحترام.
وحقيقة كانت تربطني بالاثنين علاقة اخوة واحترام عالية
وكانت هذه الفتاة قليلة الكلام والاختلاط، وهي لاترتدي الحجاب بحسب البيئة الاجتماعية التي تنتمي اليها وكان والدها يعمل سفيرا في احدى الدول كما كان يشاع عنها،وكانت مثالا كبيرا لكل الطالبات في اختيار الاتكيتات وانتقاء الموضة وقصات الشعر وتناسق الالوان، واغلب الطالبات يقلدنها حتى في مشيتها وطريقة كلامها ،لا تتكلم الا عندما تسأل ، ولا تستاء من منغصيها ،ونالت نصف شخصيتها بصمتها،وهي قارئة جيدة للكتاب ولديها ثقافة ادبية عالية، ورغم كل ذلك الا انني كنت المس بداخلها قسوة وعنادا غريبين .
وحصل ان تقدم لها هذا الشخص ،ولكن لم يوفقا بسبب الانتماء القيمي الاجتماعي لكل منهما، وربما اعتباراتها المدنية جعلتها ترفض الطبيعة الاجتماعية لهذا الشخص من عادات ولباس وغيرها، وهذا كان محور التقاطع الذي قطع وصال الامل في الارتباط بينهما.
وعلى مايبدو ان هذا الشخص احبها حبا غريبا ،وكان يكتفي برؤيتها خلسة كل يوم بجلوسه في باحة الحديقة الامامية للكلية نهاية الدوام، وهو بذلك جسد كل وشائج الحب النقي وضروبه العذرية. اما هي فلم يكن أي شيء باديا عليها وتحتفظ فقط بشخصيتها الاعتبارية القوية.ويبدو انها كانت تعيش معه خيلاء الروايات.
واستمرت هذه الحكاية ثلاث سنوات،وكان يتقدم لخطبتها مع نهاية كل عام دراسي
وهي تتظاهر بالتردد لا الرفض ، ولكن وبعد ان وصل هو الى باب مسدود وقطعت وصال الامل بينهما بسبب عنادها، وفي نهاية المرحلة الرابعة ارتبط هذا الشخص بفتاة تقربه واعلن خطوبته في الكلية ،ولكن ما ان سمعت هي بهذا الخبر الذي كان مفزعا لها ،حتى بان عليها الضعف والتقهقر امام نفسها وعنادها وتلاشت ركائز القوة التي كانت تتكأ عليها ،ولانه قريب مني فقد حصل ان طلبت هي ان اتحدث معه عن انها متنازلة عن كل شروطها وراضية به وبكل ما سيملي عليها من شروط ،مقابل المعاودة لخطبتها.
وانا بدوري اديت الامانة واخبرته بما قالت لي بالحرف الواحد،ولكن تفاجأت من ردة فعله لان هذا الكلام نزل عليه كالصاعقة واضطرب وتشوش وتلعثم ،وعلى مايبدو انه وجد نفسه بين نارين ، بين اختيار من يحبها وبين خيانة من ارتبط بها ، على اثر ذلك انقطع اسبوعا كاملا عن الكلية ، وبعد ذلك عاود الى الدوام وآثار التفكير بادية على وجهه البالي ومقلتيه الغائرتين ، وقال لي ، اخبرها انني لا استطيع اهانة من أكرمني، فالامر ليس متعلق بفتاة ارتبطت بها انما الامر متعلق بعائلة كاملة ومجتمع وعشيرة وقيم واخلاق انتمي لها،وقال لي ،قل لها بان اهلنا علمونا كيف نموت من اجل ان تحيا اخلاقنا.
وانا ايضا بدوري نقلت كلامه لها ،وعندما هي سمعت ذلك ايضا اضطربت وتلاشى عنادها المنشود وعلى اثر ما سمعت انقطعت هي الاخرى عن الكلية ايام عدة وبعدها جاءت الي وقالت لي احملك امانة ان توصلها له، واعطتني ظرفا ، وبعد ان استلمت الامانة منها وفي نفس الليلة سولت لي نفسي ان افتح الظرف كي اعرف ما به، ليس بدافع الفضول انما لانني اعرف ان زميلي مشاعره لاتقوى اكثر مما هي عليه ،وعندما فتحت الظرف وجدت فيه( سيدي )،ما دفعني في اليوم الثاني ان اشغله في احدى المكاتب قرب الجامعة وذلك لعدم اقتنائي الحاسبة وقتها ، وعندما شغلت هذا السيدي وجدت فيه اغنية بكرة تعرف للمطربة "فائزة احمد".ولكن اكتفيت بالاحتفاظ بهذا السيدي عندي ولم اعطه لزميلي لاني اعرف بانه سوف يحمله مالا احب ان يكون له وانا محتفظ بهذا السيدي لحد اليوم.
تخرجنا من الجامعة وذهبت ايام واتت اخرى وذاب الكل في صفوف الحياة،وكان زميلي هذا يتردد علي الى الكلية بين فينة واخرى في السنوات الاولى من التخرج، وفي كل مرة يلتقي بي يسألني عنها وتغرورق عيناه عندما يتذكرها ويكرر علي نفس السؤال ويقول ماذا قالت لك عني اخر مرة ، وانا لم اخبره بهذه الامانة ابدا وما دار بيننا.واؤكد له بانها كانت طبيعية جدا.
وبعد سبع سنوات من التخرج رأيتها ذات مرة عن طريق الصدفة وعن بعد جالسة في احد المتنزهات على دجلة وهي تنظر الى الماء وبيدها كتاب ،دون ان اكلمها.
الذي آلمني كثيرا هي اخبار وصلتني مؤخرا عن هذا الشخص ،فهو استشهد بعد انتمائه لصفوف الحشد الشعبي في تلبية فتوى الجهاد... اما هي فقد وصلتني اخبار عنها بانها عازفة عن الزواج الى اليوم.