الولادة بين العالمين العربي والغربي، لِمَ لا يتوجب علينا الوقوع في فخ المقارنة بين هذا وذاك؟



الاء السعودي
2019 / 6 / 9

البارحة، وقعت عيني على صورة تداولها صاحبها على انها ساخرة او مضحكة، ولكنه لم تكن كذلك، بل كانت تعكس ضحالة عقله وسذاجة حكمه ومقارنته، يقارن بها ام أوروبية بكامل رشاقتها وأم عربية سمينة الجسد شاحبة الوجه بعد خروج كليهما من غرفة الولادة، وأرفق تعليقا :"لا اعرف لماذا لا تكن نساؤنا بهذا الجمال حين يخرجن من غرف الولادة لا ان يكن كالأشباح او وجوه الزومبي، انا لن اتزوج كي لا ارتعب من هذا المنظر المريع الذي سينتظرني"! والتعليقات على هذه المقارنة الغبية تمجد وتبجل رأيه، والنكات والتعليقات القميئة مثيرة للشفقة على شخوصها! ونساء ايضا قد دخلن على الخط وأخذن يتهكمن على ذلك وكأنهن لم ولن يقعن في تجربة كهذه ابدا! هل يحوي ذلك ما هو حقا يثير السخرية!! هل من نكات خفية يتضمنها رد كهذا!! لست ادري ما السبب الحقيقي الذي يدفع الرجال او حتى بعض النساء للسخرية من هيئة وحال الأُم التي تنجب في بلادنا ويقارنونها بحال مثيلاتها في الشمال الامريكي او اوروبا!! بل ويهمون بتغوطهم الفكري برفع بعض الصور لأمهات حوامل في اوروبا، وكيف انهن يتمكن من ممارسة الرياضة والرقص وهن في اشهرهن الحمل الاخيرة بينما هيئة الحامل هنا في بلادنا كأنها "فيل في اشهر حياته الاخيرة"!! لماذا هذا التهكم والسخرية المثيرة حقا للشفقة والجالبة للذل والمهانة!! يا الهي!! بل حتى بعض النساء ايضا لم يلبثن وان رأين مجالا للمقارنة كهذه وشرعن بالسخرية ايضا واصطففن ضمن صفوف الحمقى والاوباش وفارغي العقول!! وأبداً الامر ليس بمضحك حقا او مثير للسخرية بالصورة التي تتهكم فيها على نساء التي امك هي من ضمنهن والذي كان امر انجابك ايها الاحمق اصعب ما قد يكون!! لتخرج انت آخراً وتجلس على مؤخرتك وتحتضن هاتفك وتبدا بمقارنتك الوقحة!!
الم تسال نفسك لم ما تفوق نسبته 99٪ من حالات الوفيات التي تحدث بسبب مضاعفات الحمل والولادة هي في بلداننا النامية؟ الم تسال نفسك عن الحقوق التي تحصل عليها الام الحامل والخدمات التي يقدمها المجتمع لها من ضمنها الإشراف الطبي المجاني في دول كثيرة وحقوق الطفل المادية كذلك؟ هي لم تلد في بلاد راتب الأبوين لا يكفي حتى لشراء نصف ما يحتاجه الطفل خلال شهر واحد!!
انتَ ماذا تقارن؟ تقارن نساءنا اللواتي يلدن تحت وطأة العذابات بشتى أنواعها بمثيلاتهن المحاطات بكل ظروف الكرامة؟! فتاتك بالغرب يا عزيزي تنجب بإبرة مخدرة حتى لا تتعرض لألام المخاض!! هناك بامكانها ممارسة الرياضة بإشراف طبي وفِي اي مكان واي زمان، هذا غير جلسات البخار والاسترخاء والفحوص الطبية المستمرة!! اخبرني يا عزيزي، ماذا ستكون ردة فعلك اذا رأيت بالصدفة امرأة حاملا تركض بالشارع؟! هل ستتقبل الامر؟! ام ان نظراتك لها ستكون استحقارا وابتذالا ورداءة؟!
المراة الحامل هناك تكون محاطة بالعناية الكاملة، وقد أنتظمت على اخذ حمامات ساخنة قبل وبعد ولادتها برعاية المشفى الذي تلد فيه!! ايضا فريق التمريض هناك يبدأ بالتدليك الطبي المنتظم لجميع أطرافها خلال ايام حملها الاخيرة حتى يسهل من عملية الولادة!! ولم ترقد طوال الليل غارقة في بحر دمائها على سرير جلدي قذر ومتسخ تحت نافذة مفتوحة دون غطاء تواجه كل المخاوف!! تلد تحت صراخ الممرضات واسلوبهن المستفز!! تلد وهي تضع بالحسبان اخطاءنا الطبية وادويتنا المغشوشة ومختبراتنا البدائية!! تلد في غرفة باردة وذات اضاءة خفيفة ومواء القطط ونباح الكلاب رفيقها بالليل الطويل!! وَيَا حبيبي اذا كان الطبيب الذي يشرف على الولادة ليس له اية خبرة!! ستكون بالنسبة له تجربة مثيرة وأخطاؤها ستفيده لاحقا!! ثم تاني انت بعد كل ذلك وتضحك بتفاهم وتسخر من المراة الحامل في بلادك!! التي هي ومثيلاتها يحبلن في أسوأ الظروف!! ويلدن في أسوأ الظروف!! منذ حملها وهي تقف وتمضي اطول الاوقات في المسح والتنظيف وغسل الصحون والأواني وغسيل وكي الملابس وتحضير الغداء والعشاء للزوج الذي ربما لم ولن يقدر كل ذلك!! لا احد يراعي، يشعر او يهتم!! مطحونة من الجميع والتوتر يغلب عليها دائما!! ثم تريد منها ان تنهي ولادتها وتضع المكياج وتبتسم لك وكأن الام المخاض والولادة هي ليست اكثر من "نكشة دبوس"!! تريد منها أن تخرج من المشفى وهي تنتعل حذاءا بكعبٍ عال وسروال ضيق وتطلق شعرها وتضع مكياجا وتضحك وتقف بكل قواها وأنوثتها وشموخها!!
كيف سنتمكن من ان نحقق الانصاف في مجتمعنا، ونحن حتى لا ننصف نساءنا!! وكيف سنفعل ونشرع بذلك، وعدو المراة في احيان كثيرة، هي المراة!! ولكن لا بأس، فالرحلة صوب التغيير طويلة، والمجتمع غامر داخل عقود من التضليل!! في انتظار ان يطفو فوقها يوما ما..!