الزواج البرجوازي. أقرب الى الدعارة المقنعة !



عمر الماوي
2019 / 8 / 6

" ان اعلان حقوق رسمية وشرعية جديدة للمرأة ليس كافيا ً هناك احتياج ملح لجهود خاصة لضمان تحرر المرأة من التراث المروع لأجيال من الإضطهاد" -فلاديمير لينين.

و رأى كارل ماركس أن سلوك الرجل من المرأة يحدد مقدار انسانيته و اليوم تبدو هذه المجتمعات بعيدة عن طابعها الإنساني بالنظر لما تعاني منه المرأة من اوضاع مزرية فالمرأة في هذه المجتمعات ليست اكثر من جسد مشييء لا ينظر له الا كوسيلة لتفريغ الرغبات و الطاقات المكبوتة لمن اقتنى هذا الجسد نظير ما قدمه من اموال ما كان سيقتني هذا الوعاء (الجسد) لو لم يدفعها فهذا الطابع البرجوازي العفن يهيمن على العلاقات الاجتماعية بما فيها الزواج .
فما هو الأساس الاول الذي يقوم عليه الزواج في المجتمعات البرجوازية التي تهيمن عليها ثقافة الملكية الخاصة وعلاقات المنفعة المتبادلة ؟
ان الحب كحاجة و رغبة انسانية ملحة غالباً قد تم تهميشه لصالح علاقةظات المنفعة المتبادلة فالحب لوحده لا يكفي لأن ينجز ويكتمل به الزواج وفق قيم هذه المجتمعات الرجعيىة السائدة.
لان العلاقات الإقتصادية وعلاقات المنفعة المتبادلة في المجتمع البرجوازي هي ما تحكم البشر و توجهاتهم و سلوكياتهم. .
فالإنسان الذي تم تشييئه في عالم الرأسمال و القيم المنبثقة عنه مجرد شيء لا يساوي اكثر مما يملك و تقاس قيمته بما يملكه من اموال ومصالح و ارصدة بنكية.
فلو لم يمتلك هذا الانسان ما يؤهله للظفر بمن يحبها فبالطبع لن يظفر بها كونها تبحث عن من يضعها في مصاف مختلف اقتصادياً و اجتماعيا.ًفلو افترضنا انها كانت في حالة من العوز فإنها حتماً ستبحث عن الذي يخرجها من تلك الحالة و لن يكون الحب بينها وبين الفقير الذي لا يمتلك ثمن اقتناءها كافياً لانها تبحث عن نقلة نوعية من خلال الزواج ان هذه هي بالضبط النزعة البرجوازية الصغيرة المهيمنة على معظم الناس في هذه المجتمعات فحب الارتقاء الطبقي الذي يتملك معظم الناس يتفوق على ذلك الحب الانساني و العلاقة الانسانية المجردة من كل القيم الاقتصادية البرجوازية.
و حتى لو كانت المرأة في المجتمع البرجوازي بحالة ميسورة فإنها غالباً لن تبحث عن الزواج الا من الذي يليق بها و بعائلتها و لن تتزوج ممن هو اقل مكانة منها و من عائلتها.
وعليه فإن هذا الانسان المشيء لا ينظر له كإنسان لديه رغبات وعواطف و حاجات و هذا ما يحكم العلاقات الاجتماعية اليوم.
وانعكست هذه الثقافة البرجولزية ثقافة الملكية الخاصة و علاقات المنفعة المتبادلة على مناحي وجوانب الحياة الانسانية كافة بما فيها رغبات وسلوكيات الناس وصار الزواج مجرد علاقة تتسم بالدونية بين شيئين وابعد ما تكون عن علاقة انسانية تحمل في باطنها مشاعر الحب المتبادلة.
فالعلاقة تأخذ طابعها الدوني الغير تكاملي/تشاركي من حيث أن الزواج البرجوازي قائم على ثقافة الملكية الخاصة فمن استطاع أن يظفر بالشيء ويقتنيه بالمال يتحكم به كما شاء .
فمجرد أن تقبل المرأة بأن يكون جسدها سلعة تقتنى بالأموال فهي قد شاركت ضمنياً في تكريس دونيتها فما هو معنى أن يتم دفع مهر لهذه المرأة سوى انها تباع وتشترى بشكل اقرب ما يكون للدعارة!
لكن الدعارة هنا تبدو مقنعة ومغلفة بغلافها الشرعي (على سنة الله ورسوله) و للأسف الشديد تجد أن الكثير من النساء يتفاخرن بهذه الدونية و بالمبلغ الذي تم دفعه بهن .
فالمرأة عمليا ً تشارك في دونيتها فمهما كان الثمن او (السعر) الذي تتفاخر به فهذه بحد ذاتها دونية فجة للمرأة لانها وبطبيعة الحال بعد أن يدفع بها هذا السعر لن تكون سوى مقتنى من المقتنيات وما عليها الا طاغة من يقتنيها ودفع امواله لاجل أن يقتنيها فحتى لو طلب منها ان تنعزل عن محيطها و عالمها الخارجي و عن اقرب المقربين اليها سيعتبر ان هذا من حقه و من واجبها ان تطيعه كونه (قوام عليها)!. فهو يتعامل معها كملكية خاصة إقتناها ودفع ثمنها بأمواله و عليه فإنه وفق هذا المنطق العبودي يعطي لنفسه كامل الحق ان يمنع عنها كل ما يريد و يعاملها كما يشاء لان هذا من اعتبارات الحق البرجوازي في ثقافة الملكية الخاصة.
و هنا اعود لمسألة الدعارة المقنعة واتساءل ما الذي يختلف بين الدعارة المدفوعة الاجر وبين الزواج البرجوازي طالما أن العنصر الاساسي هو نفسه (المال) ؟!
فالزواج البرجوازي لا يتم بدون المال كعلاقة للمنفعة المتبادلة كذلك الامر البغاء و الدعارة هي علاقة منفعة متبادلة تحكمها اسس اقتصادية.
ان هذه الدونية بدأت منذ أن بدأ تقسيم العمل و تحول المجتمعات الى طابعها البطريركي (الابوي) ومنذ أن تم تمييز الرجل عن المرأة في الاجور فعدم المساواة بالأجور وضع المرأة في حالة من الدونية امام الرجل.
لكن ليس هذا فحسب فلو نظرنا الى السردية التاريخية لوضع المرأة في المجتمعات البشرية نجد أن المرأة نصبت كألهة و انزلت عن عرشها .
فالبابليين كما هو معروف كانت الهتهم الانثى عشتار وعند عرب الجزيرة كانت الالهة اللات و العزى ومناة . نصبت المرأة كألهة لأنها كانت مصدر للحياة .
فكانت ولادة المرأة تعتبر شيء من معجزاتها بحكم أن عملية الانجاب تتم بعد العلاقة الجنسية بأشهر ولم يكن دور الرجل في العملية قد تم اكتشافه لكن تطور الوعي البشري و اكتشاف (الذكر) لدوره في عملية الانجاب تسبب بإنزال المرأة عن عرش الألوهة فتحولت الألهة من طابعها الأنثوي الى الطابع الذكوري وصارت المرأة كائن محتقر و ناقصة عقل و دين في كل العقائد و الاديان.
ولم تعد المرأة منذ ذلك الحين سوى وعاء تفرغ فيه الطاقات المكبوتة و هناك في هذ المجتمعات الابوية الذكورية من يقول أن المرأة لا تصلح الا للفراش والمطبخ! لا وبل ان هناك في القرن الحادي و العشرين من لا زال يكره انجاب البنات لان الثقافة الذكورية السائدة تجعل الكثيرين يتوجسون من خطورة انجاب البنات لان (هم البنات للممات)!.
أي ان المرأة ليست نصف المجتمع والتي تصنع النصف الاخر بل هي مجرد كائن دوني محتقر و مهمش يباع ويشترى.
وبعد أن تباع المرأة وتشترى تفقد أهميتها و وهجها بمجرد أن يتم اشباع الحاجة الجنسية من جسدها و تصبح الحياة روتينية اكثر فأكثر و حتى أنها (العلاقة الزوجية) تصبح أيلة للانهيار وتصبح هذه العلاقة شر لا بد منه ومن استمراره نتيجة انجاب المرأة للابناء وحتى مع ذلك يمكن للرجل أن يتزوج ويقتني غيرها ليكسر هذا الروتين لو استطاع الى ذلك سبيلا طالما ان الشرع يبيح له اقتناء المزيد و المزيد من النساء !
ولو كان من المستحيل للحياة الزوجية أن تستمر كشر لا بد منه فحتى عند الطلاق تلعب قيم علاقات الملكية الخاصة و المنفعة المتبادلة دورها لان ثمن الطلاق (المؤخر) قد يكون مرتفع!
ان الزواج البرجوازي جريمة حقيقية بحق المرأة و التي كما اسلفت تشارك في صناعة دونيتها و تعترض بشدة اذا ما لم يدفع بها المبلغ المرتفع الذي يليق بها وبقيمتها وبقيمة اسرتها الاجتماعية.
ولست ادري في حال انهار سعر صرف العملة المحلية وهذا وارد بفعل الازمات الاقتصادية وتناقضات النظام الرأسمالي هل ستبقى تفاخر بالسعر الذي دفع بها ؟! هنا يجب على من تشارك في صناعة و تكريسدونيتها أن تحتقر نفسها لانها وضعت قيمتها بأشياء لا ينبغي لها أن تقاس بها .
ان الحب اولاً و أخيراً بمنظورنا نحن الشيوعيين الماركسيين كعلاقة وحاجة انسانية مجردة من كل قيم اقتصاد السوق و ثقافة الملكية الخاصة و علاقات المنفعة المتبادلة البرجوازية هو الأساس الذي يجب ان يقوم عليه الزواج بين الرجل و المرأة فالحب فقط من يجب ان يحكم العلاقة التي تبدأ بالحب واذا انتهت تنتهي بنهاية الحب بين الطرفين في العلاقة التكاملية التي يكون الحب جوهرها الاساس.
و الزواج القائم على الحب فقط هو الضمانة الحقيقية للإستمرارية فالحب كحالة انسانية ينعكس على طبيعة العلاقة ويجعلها تكاملية وتشاركية و انسانية وهذا ما يورث للأبناء مما يسهم في تغير هذه المجتمعات فحين تسود ثقافة الحب لا ثقافة الملكية الخاصة و الحق البرجوازي و الطمع و الانانية تصبح هذه المجتمعات اقرب للإنسانية مما هي اليوم .
و انا مؤمن بأن تحول هذه المجتمعات نحو نظام ارقى ( الإشتراكية - الشيوعية ) مقرون حتما ً بوضع المرأة فكما قال لينين بما معناه ان الثورة لن تتم بدون تحرير المرأة و تحرير المرأة لن يتم بدون الثورة وهنا يجب على جميع النساء ادراك حقيقة أن تحرر المرأة مقرون بالنضال الاجتماعي لا الجندري للتحرر والتحول الاجتماعي الذي سينعكس حتما على سلوكيات و اخلاقيات البشر.
فبطبيعة الحال وجود البشر يحدد وعيهم لذا فإن قيم اقتصاد السوق تلقي بظلالها على كافة مناحي الحياة و مسألة المرأة و الزواج بكل تاكيد ليست استثناء من ذلك.
فتحرر المرأة لن تنجزه تلك الحركات النسوية النيوليبرالية التي تقدم قضية المرأة بإعتبارها قضية جندرية منعزلة ومنفصلة عن سياقها و اطارها الاجتماعي فتلك الحركات التي تتبع لمؤسسات المجتمع المدني ومصادر تمويلاتها في مراكز الرأسمال تقدم قضية المرأة كقضية صراع ضد الرجل وكأن انعتاق وتحرر المرأة قد يتم بدون تحرر رفيقها الاسير في كهفه القروسطي!
ان تحرر المرأة لن يتم بدون تحرر رفيقها فنحن ننظر الى المسألة بنظرة جدلية مترابطة مع الواقع الاجتماعي لهذه المجتمعات الواقعة تحت تأثير و افرازات النظام الكولنيالي.
فلن يعود الزواج الى طابعه و جوهره الانساني الحقيقي دون ان يتم تحريره من كافة القيم و المثل البرجوازية و الدينية الرجعية السائدة ، ان الزواج في جوهره الاساسي علاقة و حاجة انسانية يجب ان تحرر من كل القيم التي انتجها عالم الرأسمال و موروث العصور البائدة و ان اسقاط هذه القيم و المثل الرجعية و تحرير الزواج منها لن يتم الا بتقدم و ارتقاء هذه المجتمعات نحو نظام ارقى (الاشتراكية - الشيوعية) حيث يعود الانسان الى انسانيته التي اغترب و انسلخ عنها. و كما رأى انجلز ان تحطيم علاقات الانتاج المبنية على الملكية الخاصة هو السبيل لتحرير المرأة من قيودها و عبوديتها و دونيتها التي تتجلى بالزواج البرجوازي.
فالزواج البرجوازي كحالة غير انسانية ليس سوى افراز للنظام الرأسمالي و ما ينبثق عنه من قيم ومُثل وثقافات و توجهات برجوازية تنعكس على سلوكيات الناس واخلاقياتهم.
و في نهاية هذا الطرح يحضرني موقف رأيته بأم عيني قبل ما يزيد عن عشر سنوات يؤكد هيمنة العقلية البرجوازية وثقافة الملكية الخاصة الضحلة على عقول و سلوكيات البشر فقد كنت في ورشة لتصليح السيارات و كأن الميكانيكي يحدثني عن اسعار قطع الغيار ثم قال بعفوية شائنة تنم عن افة هذه المجتمعات "السيارات مثل النساء اذا اردت ان (تركب) عليك ان (تدفع)!".