لا يقلقنا تعدد الزوجات........ولكن



عدوية السوالمة
2019 / 8 / 8

التعددية في الشراكة الزوجية من قبل الرجل هي من القضايا الشائكة التي يصعب النيل منها , فهي بكل الأحوال تحدث شئنا ام ابينا , في اطارها الشرعي تحت مسمى زوجة ثانية كما في مجتمعاتنا العربية , او في اطارها غير الشرعي تحت مسمى عشيقة كما في المجتمعات االغربية , فبالمحصلة نحن أمام واقع واحد بتسميات مختلفة (زوجة/عشيقة) اذا القضية هنا مجرد تحايل لفظي على الواقع لمسايرة ما تقتضيه الثقافة السائدة في كل مجتمع .
ما يمكنني مناقشته في هذا المقام هو كيف بالإمكان تحصين النساء من الوقوع في هذه التعددية؟ . كيف يمكن ان يسهم التعديل الادراكي للواقع لدى المرأة بتحسين رؤيتها لذاتها قبل الخوض في مدى جواز التعددية؟ ولتحقيق ذلك كان لابد من مراجعة سريعة للاعتقاد النسوي بشأن الزواج الذي سيجعلنا نقف فيه على أهم النقاط التي يجب معالجتها قبل الوقوع في استمراء دور الضحية وعليه فإن هذه المراجعة ستقودنا الى النقاط التالية :
غالبية النساء تدخل الحياة الزوجية على الأقل في مجتمعاتنا باعتقاد جازم لسبب ما بأن حياتهن أصبحت la vie en rose وردية دون السماح لأنفسهن بالتفكير باحتمالية فشل مشروعهن والذي هو في الحقيقة من اكثر المشاريع حساسية وقابلية للفشل . ليس بالضرورة ان نصل للطلاق لنقول بفشله ,فكثير من الأزواج يعيشون غرباء عن بعضهم البعض تحت سقف واحد بانفصال جسدي وسيكولوجي معا , قد يكون ذلك بسبب رغبة منهم بالحفاظ على بريستيج اجتماعي معين يمكنهم ان يحققوا من خلاله مكاسب معنوية او ربما مادية لهم او لابنائهم .
كثير من نسائنا يوافقن على الزواج للهروب من وصمة عانس بحيث يمكنك ان تشاهد ارتباطهن بشركاء غير مناسبين على الاطلاق تفاديا للسقوط في بحر شماتة الاخريات للنيل منها وهن بالتالي يتبعن مقولة ( ألف كلمة مطلقة ولا قولة عانس يا.....) احداهن تخبرني :أسوأ ما سيحدث هو الطلاق الذي لم يعد مخيفا كما في السابق . من الجيد أن نشهد تراجعا لحصار المطلقة ومن السيء التعامل مع الارتباط بهذه البساطة والسطحية ومن السيء أيضا أن نرى فوبيا عدم الزواج (العنوسة )مازالت مسيطرة حتى على المثقفات .
كثير من النساء منتهى طموحهن الزواج ولا شيء بعده يسرن باتجاهه بخطوات روتينية مملة في كل شيء. هي أمها وجدتها وجدة جدتها لا شيء يميزها عنهن لا فكرا ولا شكلا ولا سلوكا (روسيت زواجي جاهز ) لا تعديل في مقاديره. غير آبهات بتغيرات الحياة التي دفعت باتجاه انقراض فكرة الرجل السوبرمان المعتقد به من قبل الجدات الأوائل (القائد المطمئن الحامي الصادق الفارس المغوار) وأحلت محلها فكرة الرجل البشري الذي بامكانه أن (يخاف ويتأثر ويحبط ويتنازل ويكره ويخون ويتملق ويكذب ويبكي ).
وهناك من النساء من تتزوج هربا من حياتها الاسرية ومن سطوة الذكور فيها , ومن التعاسة القائمة عليها حياتها , أملا بحياة جديدة مهما كان هذا الشريك ستبقى الحياة معه أرحم من بقائها في منزل والديها .
طبعا لا أنكر أن هناك خيارات زواجية ناضجة ومسؤولة ولكنها في النهاية تبقى قليلة مقارنة بباقي الخيارات .
الزواج القائم من البداية على أسس غير صحيحة حتما في مرحلة ما سيواجه الفشل .خياراتنا الغير ناضجة بالتأكيد سنتحمل عواقبها فيما بعد , فحين أنظر للارتباط من زاويتي الخاصة فقط عندها سيكون حتما صداما وشيكا مع زاوية الآخر التي لم أستطع رؤيتها ,وبالتالي سأتيح له فرصة البحث عن شريك آخر أكثر تقبلا على اعتبار أن القبول أهم شيء في الشراكات الإنسانية ,خاصة وأن الرجل هو الممول غالبا لمثل هذه المشاريع بحيث يبيح له مثل هذا الشعور الرغبة في استثمار آخر أكثر راحة بالنسبة له .
لذا أجد أنه مهم جدا للنساء قبل الشروع بأي علاقة بهدف الارتباط , التساؤول حول ما إذا فشلت العلاقة (والذي هو احتمال وارد الحدوث كثيرا ليس تشاؤما وانما نظرا للطبيعة الإنسانية المعقدة والفكر البشري المتأثر بعوامل ما أنزل الله بها من سلطان من ضمنها ترسبات الطفولة والمرض والحالة الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والثقافية ووو....الخ...)ماذا أملك من مقومات ومهارات تمكنني من الصمود بمفردي بعيدا عن فكرة مؤخر الصداق الذي فشل في حمايتنا من الفشل الزواجي بدليل قانون الخلع الذي تلجأ له النساء للخلاص بأي شكل من الاشكال .وبعيدا عن فكرة ضمانة الأبناء والتي أيضا ثبت عدم جدواها بدليل تعدد حالات ترك الزوج للزوجة والابناء بلا معيل بما يسمى بالهجر سواء بالسفر أو بالانتقال من البيت لتأسيس أسرة جديدة وكأنهم لم يكونوا أبدا في حياته.
كثيرات ترضخ للتعددية بشكليها الشرعي وغير الشرعي لعدم استطاعتها المادية او لعدم رغبتها في العودة الى أسرتها الأولى أو للحفاظ على مكاسب مادية ومجتمعية وكلها أشكال تعكس مدى إحساس المرأة بقيمة ذاتية متدنية وبعدم كفاءتها .
منطقيا وصحيا لا يفترض بنا أن نخضع لوجهات نظر الآخر غير الصحيحة التي يريد أن يمليها علينا بما يملكه من سلطة وليس بالمنطق . وجهة نظره التي تتعلق بشرعنة معلنة وغير معلنة للتعامل مع النساء كأشياء كثرتها تجعل من الرجل مثالا وأسطورة لدى بني جنسه من الذكور .المهم كيف أرى نفسي وكيف أدافع عن قيمتي الذاتية ,كيف أرفض وكيف أقول لا لكل الأشياء التي تسلب مني إنسانيتي .
التعددية نشجعها نسويا حين نصمت من أجل تحقيق مكاسب أو كنتيجة لضعف قدرتنا على المواجهة نفسيا أو ماديا .
التعددية حق للرجل باعتباره ممولا لمشروع الزواج كما أن الرفض سيصبح حق للمرأة حين تمتلك وعيا كافيا بوجودها وبقيمتها الذاتية وترفض تشييئها وتتمكن من اعالة نفسها وتثبت ذاتها بقوة واحترام في مجتمعها .
الزواج لم يكن يوما هروبا من مآزقنا أو تحقيق طموحات عن طريق الآخر. الزواج علاقة مليئة بالتحديات لابد ان ندخلها بوعي كاف ,نمكن المرأة منه بعيدا عن فكرة الفارس على الحصان الأبيض الذي سيختطفنا لنعيش معه حياة وردية, فهناك تحديات قبول الآخر الذي لم نعرفه معرفة حقيقية قبل الزواج وهي فترة مليئة بالزيف خشية رفض الآخر لنا أو الصمت على أمل التغيير مستقبلا الذي هو في باطنه عدم قبول .
هناك تحديات التأقلم مع الأصدقاء المشتركين والعائلة الممتدة والتحديات المادية وتحديات إشكاليات الأطفال وغيرها من التحديات التي يجب الوعي بها وادراكها قبل التفكير بالحصول على وضع مادي او اجتماعي مريح او هروب من ظرف ما لنفاجأ فيما بعد بعدم قدرتنا على الصمود وهروب الشريك -الذي اعتقدنا بأنه خلاصنا- الى علاقة أخرى .
الصمت ولعب دور الضحية لم يعد جائزا في عصرنا الحالي نظرا لتوفر فرص تطوير الذات المتعددة فكريا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا فرص قدمها عصر المعلوماتية لنا لنستفيد منها ونتجاوز عجزنا ومازوكيتنا.
لم يعد مقبولا التقوقع بفكرة الآخر عنا والتأثر سلوكيا بها .نحن من علينا ان نرفض حين نتمكن من امتلاك قدرة الرفض بالوعي الصحيح لما نحن عليه والوعي الصحيح بإمكانية تطوير الذات .