تسقط المناسبتية وتحيا المرأة أبديا.



علاء الدين حميدي
2019 / 8 / 16

السلام على امهاتنا وبناتنا أول الأوطان وأخر المنافي
عندما تُصبح الحقوق الطبيعية للمرأة سبيلا الي التسوّل والشفقة فتغدوا المرأة متسولة على عتبات المؤسسات التشريعية في تونس تستجدي حقا من حقوقها الغير المكتسبة. عندما لا يتيح المجتمع لنسائه فرص مماثلة كتلك التي تمنح الي الرجال. عندما تُغيّب المرأة عن الحياة السياسية ولا تكون مشاركتها الا نتيجة لنسب المحاصصة أو غيرها. عندما ينظر المجتمع الي نجاح أو إنجاز نسائي على أنه استثناء أنثوي فريد فيبدوا لك الأمر كما لو أنه تعاملُ ركيك فيه تقليل من شأنها كما لو أنه يتم التعامل مع قاصر. كم أتوجع حقيقة حين أستمع الي هؤلاء المسؤولين الساميين بالدولة يتحدثون ويتملقون بتلك الكلمات الخشبية الي ألفناها من عقود من قبيل "حققنا للمرأة" أو " سنسعى الي تعزيز حقوق المرأة " في بلد يتشدق بالحريات والمساواة. فـأتساءل عمّا قد تشعر به امرأة مثقفة وهي تستمع الي مثل تلك الكلمات؟ يُخيل اليّ أنها تشعر بالذّل يقطر من حروفها؟ أو لعلها تشعر بالخيانة بعد أن أكلت الشعارات لحمها وتاجر المسؤولون بحقوقها الطبيعية المكتسبة وهم الذين لم يُدركوا بعد أن المساواة بين المرأة والرجل -في/أمام القانون-على جميع الأصعدة صار واقعا يفرض نفسه دون حتى الحاجة الي تفعيل النصوص القانونية البائسة بقدر ما يحتاج الي تغيير العقليات. أتخيل لبرهة الحياة التي يمكن أن تعيشها امرأة تُدرك تمام الادراك أنها مصنفة ككائن ثان من قبل "عقلية ذكورية" تري في نفسها صاحبة الأحقية والقوامة الكلّية منذ الأزل. دعنا من هذا، أتساءل حقا ان كان هؤلاء قد تذكروا شهيدات الخبزة نساء الأرياف المهمشة والمفقرة اللاتي افنين أعمارهن في أعمال مرهقة تستنفذ طاقاتهن وتفكيرهن تحت وطئة الاستغلال الاقتصادي والفقر المدقع أو أولئك اللاتي يسرن يومياً الأميال حتى يتسنى لهنّ الحصول على ماء قد لا يكون نظيفاً. * بالنسبة لي لا يدور في فكري غيرهنّ*. أتساءل أيضا، هل فكّر هؤلاء في الدوافع التي تؤدي الي انقطاع الفتيات في سن مبكرة عن الدراسة في الأرياف؟ فينتقلون الي الحقول وخدمة المنازل، لا يُخيلُ لي ذلك. كم يحزنني كثيرا حين أري المسؤولين يتجاهلون كل هذا ويختارون تذكر المرأة في يوم أو اثنين في السنة. أضحك كثيرا وأتألّم كثيرا حين أستمع الي بعضهم وهو يُذكرنا بحق المرأة التونسية في الطلاق وببعض المكاسب التي باتت واقعا منذ زمن بعيد ملمحا الي أنها بمثابة امتياز كما لو انه هدية من العقلية الذكورية اليها. ونحن الذين خلنا أن هذه البلاد قد نزعت ثوب العادات البالية ولم ترضخ للآراء الظلامية والرجعية. لكن يبدوا أن قادتنا لم يعتادوا الا على تلك المقالات الوضيعة مثلما حاولت أن أكتب:
الثالث عشر من أغسطس لــسنـــ1956ــة هو تاريخ صدور قانون الأحوال الشخصية التي لم تنفذ فعليا الا بعد قرابة عام. وبمناسبة هذه الذكري يُحيي التونسيون ككُلِ سنة "عيد المرأة التونسية" احتفالا بالمكاسب القانونية التي ما فتئت تشهد تطورا مستمرا منذ فجر الاستقلال سعيا لتعزيز حقوق المرأة في ظل هيمنة العقلية الذكورية على المجتمع.
...
لئن باتت المرأة تضطلع بمكانة هامة في النسيج الاجتماعي لتونس تحسدها عليها نساء بقية أقطار المنطقة العربية والإسلامية الا أنها مازالت تعاني جملة من الفوارق بسبب قوانين تمييزية حيث أن العديد منهن يجردن من حقوقهن في الملكية إضافة الي قلة مشاركتها في الحكومات والأحزاب…
أنظر الا تري الذّل والهوان في الكلمات الأخيرة؟
دعنا من هذا ... أعشق القباني كثيرا عندما يتغنى بالمرأة ويهديها أجمل الدُرَرِ، واعشق ايضا شعر الكبير أولاد حمد وأعشق هاته الأبيات التي تفاخر فيها بنساء البلد فخلّدها بنبرات صوته المتمرّد في عتبات ذاكرتنا
وصفت وصفت فلم يبق وصف
كتبت كتبت فلم يبقى حرف
اقول اذن باختصار وامضي
نساء بلادي
نساء ونصف.
الا أني أفضل ما قام به الأديب الأسطورة المسعدي عندما أوصي بأن يدفن في قبر زوجته التي رحلت قبله بقرابة 25 سنة وكان له ذلك في شتاء 2004 حيث تظل مقبرة الزلاّج شاهدة على ذلك الي هذا اليوم.
أوليست الأفعال أهم من الأقوال؟
فلذلك لستُ من مناصري احياء ذكري تشريع مجلة أو نص قانوني، فذلك واجب علي الدولة لا منّة من أحد فالمرأة لا تحتاج الي مناسبة أو ذكري للاحتفال. فبئس هذه المناسبات فلتسقط ولتحيا المرأة التونسية كل أيام السنة، فلتسقط المناسبتية ولتحيا المرأة أبديا.