التزويج المبكر أيضاً



ريما كتانة نزال
2019 / 8 / 19





إنْ اعتبرنا أن الجدل الذي دار في اجتماع الحكومة الأخير حول قانون رفع سن الزواج لم يُقفل، وإن اعتبرنا أن الموضوع يجلس على نار ساخنة، وأن النقاش ما زال ممكناً استناداً إلى مطالبات المجتمع المدني، يُصبح من واجب الجميع التفاعل وممارسة الضغوط لحسم الموقف المحاط بالشكوك والالتباس وعدم الانتظار، مرحلة عضّ الأصابع!

التجاذبات حول تحديد سن الزواج في القانون، وفقاً للأخبار المتداولة في الفضاء العام، بدءاً من تصريحات رئيس الوزراء ووعوده خلال لقاءاته مع ممثلات الحركة النسائية في إطار المجلس الاستشاري لوزارة المرأة أو مع حركة إرادة، أو من خلال ما صرّحت به وزيرة المرأة مباشرة في احتفال تكريم رئيسات وعضوات المجالس المحلية عن تبني مجلس الوزراء عمر الثامنة عشرة كحد أدنى للزواج، أو ما تسرَّب من وجهات نظر الوزراء وتباينات مواقفهم على صعيد الموضوع، ما تسبب في رجحان كفة اعتماد سن 18 عاماً للزواج ولكن مع استثناءات.. وهو الأمر المتعارض مع موقف الحركة النسائية المُعَبَّر عنه مؤخراً في مذكرة موجهة إلى لجنة مواءمة القوانين والتشريعات.

لا شك في أن لدى الحكومة منطلقات وأسباباً دعتها للأخذ باستثناءات تخترق مبدأ تحديد سن الزواج بثمانية عشر عاماً، كون مداولات الاجتماع الحكومي واستماعهم إلى مُعْطيات رقمية حول إشكاليات مرصودة تُسَوِّغ التنصل من الوعود، إشكاليات وتعقيدات متصلة بحالات حَمْل نساء عازبات بسبب تعرضهن للاغتصاب، أو بسبب معطيات حول الزواج العرفي وغيره من الأسباب الوجيهة التي تتطلب التعاطي معها، الواقع الاجتماعي في المناطق المصنفة "ج" التي لا تملك السلطة في نطاقها السيادة. لا أحد يُنكر على أصحاب القرار أهمية نقاشها ومعالجتها، ولكن..

ولكن، الانطلاق من معالجة الإشكالات المتفرقة يجب ألا يسوغ غض الطرف عن دور الحكومة وواجبها في معالجة وظيفة ومهام القانون في الخصوصية الفلسطينية وأولوياتها.
انتقاد موقف الحكومة ليس في أخذها بالاعتبار الحالات الاستثنائية لأنه من واجبها ذلك، بل في حصرها القانون لمعالجة الحالات المتنحية وتنحية الأصل، وكأنها انتظرت الخلاص من التعهدات والواجبات بتكبير إشكاليات الحالات الاستثنائية، وتصغير الحالات العامة.

بالنتيجة قامت بتنحية الرؤية المستقبلية الشاملة للدولة والعقد الاجتماعي التوافقي كما وضعته وثيقة الاستقلال والنظام الأساسي لطبيعة المجتمع الذي نبتغيه لشعبنا ومجتمعنا، التي من شأنها معالجة واجتثاث الإشكالات والحالات الشاذة من خلال تطبيق الرؤية ووضع السياسات بالتوازي مع عمليات التوعية، بما يؤدي إلى وضع الجميع تحت سيادة القانون، لا أن تسهَّل للبعض التموضع فوقه.

الحالات الخاصة المهمة مكانها في اللوائح الإجرائية والتنفيذية وتحديد عناوينها بوضوح وشفافية، النص على الاستثناء في القانون يقوم بتفريغ النص من مضمونه.
واجب القانون التعامل بحزم مع رفع سن الزواج إلى 18 عاما، احتراما لتوقيعاتنا على اتفاقيات منها الفقرة الثانية من المادة 16 في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية الرضى بالزواج، التي حددت علمياً سن النضوج الكامل جسدياً وذهنياً، وليس من فراغ أنها اعتمدت بالقانون ذات العمر، لممارسة حق الانتخاب وللمساءلة والعقاب، حيث يمتلك طرفا الزواج القدرة على التصرف السليم.

ما الذي أقرأه من انطواء موقف الحكومة ووعودها، المنزوعة القداسة، سوى أن المرأة ما زالت الحلقة الأضعف في المجتمع، وأنها عاجزة حتى الآن عن الاهتمام ورعاية وحماية هذه الفئة من حقها في اكتمال النضج والتعليم والعمل.

الأسهل هو الطريق، تجاوز الحركة النسائية وعدم أخذها بالاعتبار والجدية. إن توقيع فلسطين على اتفاقية "سيداو" لا يعدو كونه توقيعاً سياسياً فرضته اللحظة السياسية فقط، وأن لجنة المواءمة لا تملك رؤية مستقبلية للمجتمع الديمقراطي كما نصت المرجعيات المحلية.

إن الحكومة تحجم عن فتح كُوّة صغيرة أمام المرأة للعبور إلى عالم المساواة، استنتاج غير متعجل. حيث يلاحظ بقوة أن أصحاب الواجب والمسؤولية لا يوجهون أي اهتمام نحو حصول النساء على ما يحصل عليه الذكور من غطاء قانوني، بل ملحوظ أن الانتباه يتركز على تسخير القانون لوضع المرأة تحت السيطرة وتجاهل التغيرات والتحولات الموضوعية الجارية.