الخاطبة والازمة السورية!!



عبله عبدالرحمن
2019 / 9 / 15

معظمنا يعيش حياة السطحية من غير مسؤولية. لا يزعجنا ابدا ان تأتي مصالحنا أولا في كل ما نقوم به او نسعى اليه. شجاعتنا في معظمها مصطنعة تقع ضمن طواحين الهواء. اقوالنا وافعالنا تمر وكأنها لا تعنينا ولا تهمنا ونحن نتعاطى تفاصيلها متناثرة من غير روح على منصات التواصل الاجتماعي.
ليس فحصا في المشهد عموما وانما نظرة يقين في الشخبطات التي زادت سخافتها مع مرور الوقت بانتظار الفرج القادم. نجاهد حتى لا نبصر انفسنا او من هم حولنا، بيدا ان طاقة التجاهل في بعض الاحيان اقوى من ان نغض الطرف عنها والبعض منا يسقط عبدا لغرائز وشهوات غريبة ومن غير عاصم يمنعه. يحدث في زمننا الراهن ان تعود مهنة "الخاطبة " لتمارس نشاطها بشكل لافت بعد ان اندثرت نتيجة لانتشار العنوسة والزيادة في نسب الطلاق واخيرا الازمة السورية. اثناء عملي في مخيم الزعتري كان هناك طابور من طالبي الزواج ومن جميع الجنسيات العربية والاسلامية تقف امام المخيم تنتظر الدخول ابان قيام المخيم في 2012 بحجة حفظ الفروج واقامة الحلال. الخاطبة كانت الوسيط سواء من داخل المخيم او خارجه لتزويج لاجئات سوريات معظمهن بعمر الطفولة استغلالا لظروفهن الصعبة وفقرهن مقابل مبلغ مالي متفق عليه للخاطبة، وكثيرا ما كان الطلاق هو النتيجة الحتمية لمثل هذا الزواج والذي كان يتم بسرية تامة لظروف خاصة بطالب الزواج او الحلال كما صورت لهم انفسهم بحل مشكلة اللجوء او المساهمة في حلها. احدهم يعرف عن نفسه بالاستاذ الدكتور يلجأ الى خاطبة لاتمام زواجه مشترطا ان تكون العروس سورية وكنت احسب ان مثل هذا الاستغلال قد انتهى خاصة مع مرور الزمن على الازمة السورية منذ اندلاعها. لم يخجل الاستاذ الدكتور وهو يمارس ساديته حين اصر ان تخلع العروس حجابها امام احدى قريباته لتصف له ما لم يتمكن من رؤيته اثناء المشاهدة الاولى وكأن سوق الجواري ما زال قائما ويتطور مع الزمن.
كلما مر بخاطري الطريقة التي نتعاطى فيها مع الازمات على المستوى الفردي اصاب بالحزن العميق لان الحلول التي نلجأ اليها لحل ازماتنا حلولا ضعيفة لا تخدم الا مصالحنا الشخصية ومن اجل ذلك تتفاقم الازمات في مجتمعاتنا وتتضاعف وتولّد عنها ازمات لا تقل عنها صعوبة ان لم تكن اصعب.
في المقابل ومن خلال عملي ايضا في مخيم الزعتري زار المخيم واحد من الناس اقول واحد من الناس لانه جاء بشكل فردي وليس عن طريق هيئة دولية وبجهد شخصي منه وكان من احدى الدول الاجنبية بادر بجمع تبرعات من اصدقائه ومعارفه حين سمع عن الازمة السورية اذ لم يستطع قلبه تحمل ان بعض الاطفال السوريين قد يعوزهم الدفا وقد يحتاجون لالوان الرسم والدفاتر التي يرسمون عليها بعض من معاناتهم، فجمع العديد من هذه الاشياء التي رأى بانها قد تكون مهمة لاطفال ضلوا طريق طفولتهم بسبب الحرب. قد لا نتخيل صعوبة الاهوال التي مرّ بها هذا الانسان من بيروقراطية القرار في ايصال الحقيبة التي حملها من دون ان يقلل ذلك من عزيمته رغم العقبات التي صادفته في ايصال المساعدات.
الفرق كبير بين من يبحث عن مصالح الاخرين فيبادر ويعمل على ايصال المساعدات لمستحقيها وبين من يساعد ويبحث عن شهواته عن طريق الخاطبة بحجة التخفيف في النفقات ومنح المساعدات المشروطة على شهواته لمستحقيها.