الواقع الاقتصادي-الاجتماعي للمرأة في العراق



سناء عبد القادر مصطفى
2019 / 9 / 29


يؤثر الاقتصاد العراقي تأثيرا كبيرا على درجة التمكين الاقتصادي للمرأة في العراق، حيث يتميز نمط الإنتاج وطبيعة الأداء الاقتصادي في العراق بسيادة الريع وضعف النمو الاقتصادي. تشير بعض الأدبيات الاقتصادية الى ان العائدات النفطية قد خولت البعض إلى أن يعيلوا عددا كبيرا من الأشخاص غير العاملين التابعين لهم خاصة النساء فضلا عن انتشار قيم ثقافية محافظة مثل إعلاء دور العائلة التي تركز على ادوار تكاملية بين الرجل والمرأة وليس على المساواة. إن الافتراض بأن الرجل هو المعيل الرئيس للأسرة فضلا عن مفهوم شرف العائلة الذي يربط بين شرف وكرامة العائلة بصيت نسائها أو ما يطلق عليه إجمالا مؤشر العادات والتقاليد او (القيم الاجتماعية) من الأسباب المهمة التي تؤدي إلى ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل وفي تدني نسبة مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي في العراق.

وتترتب على الصفة الريعية للاقتصاد الوطني العراقي وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وهشاشة البنى الانتاجية وضعف وتائر التطور في الاقتصاد العراقي انتشار الفقر والبطالة وانعدام العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل والموارد مما أثرَّ سلبيا على التمكين الاقتصادي للشعب عموما والنساء بالذات. ونتيجة لضيق سوق العمل في العراق وانتشار التعليم بين الإناث والتحيز المجتمعي غير الرشيد ضد تشغيل النساء لإعطاء الأولوية للرجال في الحصول على فرص العمل ارتفعت معدلات البطالة بين النساء وخاصة المتعلمات. فقد شهد العراق في الآونة الأخيرة انسحاب الدولة من بعض المفاصل الاقتصادية والخدمية والحد من التشغيل في الإدارة الحكومية وهو قطاع التشغيل المفضل والحامي لحقوق النساء مما أدى إلى تبلور ظاهرة خطيرة تتمثل في توافر رأس مال بشري مؤهل بين النساء يعاني من معدلات بطالة أعلى من المتوسط (بالمقابل تشكل النساء نسبة 13.9% فقط من القوى العاملة).

واسهم عامل آخر في إضعاف المرأة من الناحية الاقتصادية، فقد ادى التمييز بينها وبين الرجل في الأجور حينما تعمل في القطاع الخاص الى انخفاض نسبي في دخل المرأة من العمل.

تواجه المرأة العراقية مجموعة من العقبات التي تؤثر سلبيا على دورها الاقتصادي والتنموي مما يقوض من فرص تحقيق تنمية مستدامة تؤدي فيها المرأة دور الشريك الحقيقي في التنمية والبناء من خلال مساواتها مع الرجل في الفرص الاقتصادية المتاحة وتسهيل وصولها إليها وتذليل العقبات التي تواجهها سواء كانت تشريعية أم قانونية أم اجتماعية أو غيرها من العقبات.

وحسب احصائيات وزارة التخطيط العراقية لعام 2018 تشكل المرأة نحو 49% مقابل 51% للرجال، أي ان النساء يشكلن نصف المجتمع تقريبا، إلا أن النسبة بحد ذاتها لا تشكل قيمة إن لم يكن لها وزناً اجتماعياً واقتصادياً وحتى سياساً. وبالرغم من أن المرأة العراقية أحرزت تقدما هاما في مجالات عديدة لعل في مقدمتها التعليم والعمل الاجتماعي وغيرها، إلا أن معدل نشاطها الاقتصادي ما يزال متدنيا.

تشكل النساء نسبة 54.6% من إجمالي الفئة المنتجة في العراق والذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 64 سنة وهو ما يفرض تحديا جديدا للسياسة الاقتصادية تتمثل بضرورة توفير فرص عمل كافية للنساء ممن هم في سن العمل، وتوفير البيئة الاقتصادية المناسبة لعمل المرأة بما في ذلك حصولها على استحقاقاتها من التقاعد والضمان الاجتماعي(1).

ونحاول هنا تحديد المساهمة الكمية المحتملة للمرأة العراقية في الاقتصاد الوطني العراقي، إذا ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة من 13.9 % في العام 2018 (السنة الأساس) إلى 40 %. فعلى الرغم من أن النساء يشكلنَّ 49% من السكان في سن العمل، إلا أن معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة العراقية بنسبة 13.9% تعتبر مساهمة ضعيفة لا تتعدى 8.12% في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. وهذا يعادل 8.52 مليار دولار أمريكي.وعلى أساس بقاء جميع العناصر الأخرى ثابتة، وتمكنا من رفع معدل المشاركة إلى 40%، فستكون مساهمة المرأة في الناتج المحلي الإجمالي 24.72 مليار --$--، أو 23.58 % من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي؛ أي ما يقرب ثلاثة أضعاف القيمة الحقيقية (8.52 مليار --$--). ومع ذلك، فإن مثل هذه الزيادة سوف تتطلب زيادة في القدرة الاستيعابية للاقتصاد، أي زيادة في الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية والمادية وكذلك في قطاعي الإنتاج والخدمات، وعندها من المرجح أن تكون الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي أعلى بكثير خلال المدى المتوسط إلى المدى الطويل. ولكي يتحقق هذا، يجب وضع خطط اقتصادية مدروسة بشكل جيد (2).

الوضع الاقتصادي للمرأة الريفية في العراق

يشير التقسيم النوعي للعمل بين الجنسين في الزراعة الى مساهمة المرأة الواضحة في جميع مراحله ولكن يتركز دورها في الأعمال اليدوية والتي تحتاج الى كثير من الصبر والتحمل مثل السقي وغربلة المحاصيل الزراعية وتحضين النباتات اذ تبلغ مساهمتها في هذه العمليات أكثر من الرجل.

ولا تحظى نسبة مشاركة المرأة الريفية في العمل المأجور إلا بنسبة قليلة 5،4% من مجموع النساء الريفيات و10،1% من مجموع النساء. اما مشاركة النساء في الحضر فهي أكثر من ثلاثة اضعاف مشاركة النساء في الريف وان معدل النشاط الاقتصادي للنساء يبلغ 13،2% في الريف و 13،6% في الحضر. اما معدلات البطالة في الريف فهي اقل من الحضر حسب نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق لسنة 2012(3).

والملاحظ ان القطاع الخاص هو القطاع السائد لأغلب المشتغلين حيث ترتفع نسبة مساهمة الرجال المشتغلين عن النساء المشتغلات في هذا القطاع. اما القطاع الحكومي فيأتي في المرتبة الثانية حيث بلغت نسبة النساء المشتغلات بالقطاع الحكومي 87،8% وبلغت نسبة الرجال المشتغلين في نفس القطاع 45،3% ويرجع ذلك الى تفضيل النساء العمل بالقطاع الحكومي لتوفر اجازات الأمومة لرعاية الاطفال حيث يعتبر القطاع الخاص غير مرغوب لدى النساء لذلك تعمل به نسبة ضئيلة من النساء قياساً الى الرجال. فقد لوحظ ان نسبة العاملات لدى الاسرة بدون اجر ترتفع نسبتهن في الريف ونظراً لكون هذا العمل ليس له عائد نقدي فإن عمل المرأة بهذه النسبة المرتفعة في اعمال خاصة بالأسرة وبدون اجر نقدي يقلل من مردود ذلك العمل.

وتشير بيانات مسح شبكة معرفة العراق (IKN) لسنة 2011 إن توزيع الأفراد العاملين بعمر 15 سنة فأكثر يتوزعون على الأنشطة الاقتصادية بنسب متفاوتة بين ذكور وإناث إذ إن معدلات العاملين في الزراعة والصيد والغابات وصيد الأسماك ترتفع في الريف أكثر من الحضر حيث تصل نسبة الإناث العاملات في هذا القطاع إلى حوالي 81% مقابل 27% للرجال في الريف وتقل بمستويات عالية في الحضر حيث إن نسبة العاملين في هذا القطاع من الإناث هي 4% مقابل 2% للذكور. وبشكل عام يمكن القول إن الإناث تشكل القسم الأكبر من العاملين في هذا القطاع اذ تصل نسبة العمل فيها للإناث إلى 30% مقابل 10% للذكور(4 شبكة معرفة العراق IKN).

أما على مستوى قطاع المقالع والتعدين والصناعات التحويلية فنجد إن هذا القطاع ترتفع فيه معدلات العمل في الحضر عن الريف ففي الحضر تصل إلى 7% مقابل 3% للذكور والإناث. وجديرً بالذكر ان معدلات الذكور أعلى من معدلات الإناث في هذا القطاع، ففي الحضر تصل معدلات الرجال إلى 7% مقابل 4% للإناث وفي الريف تقل بشكل عام إذ يصل معدل الرجال إلى 4% مقابل 1 % للإناث (5).

تعد مشاركة المرأة العراقية في النشاط الاقتصادي متدنية إذ لم تتجاوز 22% العام 2018 مقابل 78% للذكور، وهو مؤشر يدل على ارتفاع معدلات البطالة بين النساء في سن العمل وعلى ان فرص العمل تميل لصالح الرجال على حساب النساء، ولهذا السبب ارتفعت البطالة بين النساء إلى 25% عام 2018. إن الحقيقة التي لا ينبغي إغفالها هنا هي إن المرأة تعمل بمستويات عالية في الريف لكن عملها غير منظور بالحسابات المهنية والإنسانية والاقتصادية، لذا فإن مساهمتهن لا تندرج ضمن النشاط الاقتصادي الرسمي وقد انعكس هذا الغبن التاريخي في بخس مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي وهذا يتوقف على طريقة حساب الدخل القومي والناتج القومي حيث تدخل المدرسة السويدية في حساب الدخل القومي قيمة عمل ربة البيت ورب البيت داخل المنزل من طهي وتصليح ...الخ (طريقة بالم دابته في حساب الدخل القومي والناتج القومي).

أما في الحضر فإن الصورة مختلفة إلى حد كبير، فالحياة الحضرية، مع استمرار تأثير الثقافة التقليدية، تمثل بيئة أكثر انفتاحا وأقوى اعترافا بحقوق المرأة. كما أن فرص العمل المتاحة لها تتنوع فتصبح المرأة أكثر قدرة على الاختيار.

على الرغم من تزايد حضور النساء في مجالات النشاط البشري خارج نطاق الأسرة ولكن لازلن يعانين من درجة الحرمان النسبي في توظيف قدراتهن في مجالات النشاط التقليدية التي مال الرجال للاحتفاظ بالدور الغالب فيها مثل النشاط الاقتصادي الرسمي والمؤسسات السياسية. اذ تمتلك النساء بحدود 2.3% من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في العراق، وهو ما ينعكس سلبا على مشاركة النساء العاملات في العراق. أما في الاتحادات والجمعيات المهنية فلا تزيد مساهمة النساء العاملات في غرف التجارة واتحاد الصناعات واتحاد رجال الاعمال عن 3%.

تعاني النساء العاملات من انخفاض نسبي في عوائد العمل مقارنة بنظرائهن من الرجال ويزداد التفاوت في القطاع الخاص حيث يتسم التوظيف في الدوائر الحكومية والقطاع العام بدرجة أعلى من احترام القيد القانوني على المساواة في عوائد العمل. إن التقديرات المبنية على التفاوت في الأجور والمشاركة في القوى العاملة لا تقتصر على العراق وإنما تمتد إلى دول عديدة أخرى إذ تشير تلك التقديرات إلى أن دخل المرأة المكتسب يمثّل حوالي 30% من دخل الرجل في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونحو 40% في أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا، و50% في أفريقيا وجنوب الصحراء العربية الكبرى، وحوالي 60% في أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة وشرق آسيا والبلدان الصناعية.

تشكل نسبة النساء العاملات في الأجهزة والدوائر الحكومية في العراق نحو 49.1% مقابل 26.9% للرجال في العام 2007. في حين كانت نسبة النساء العاملات في القطاع الخاص 44% مقابل 66.2% للرجال. وهو يعكس ميل النساء للعمل في القطاع الحكومي لضمان دخل ثابت ومستقر والحصول على الرواتب التقاعدية على خلاف العمل في القطاع الخاص الذي يخلو من هاتين الميزتين وهو ما يشكل تحدياً جديداً للحكومة العراقية والذي يتمثل بكيفية توفير فرص العمل بالكم والنوع الذي يناسب النساء مع الإشارة إلى أن النساء في بعض القطاعات الاقتصادية كالتعليم والصحة يحظين بالنصيب الوافر من فرص العمل المتاحة فيهما. وهذا ما يؤكده ارتفاع نسبة النساء العاملات في قطاع الخدمات وبالذات التعليم الى 23% مقابل 5,4% للرجال (6).

وفي نفس السياق كشف أحدث تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، أن 8.3% من شريحة الشباب في العراق "أميّون"؛ لا يُجيدون القراءة ولا الكتابة.وأضاف تقرير الجهاز الإحصائي التابع لوزارة التخطيط العراقية أن "نسبة الأمية بين الشباب للفئة العمرية 15 إلى 29 سنة بلغت 8.3%"، مشيراً إلى أن "نسبة الذكور منها بلغت 6.5%، في حين شكّلت نسبة الإناث منها 10.2%". وبيّن أن "نسبة 32.5% من شباب الفئة العمرية 15 إلى 29 سنة ملتحقون بالتعليم حالياً، وشكّلت نسبة الالتحاق من الذكور 35.9%، مقابل 28.8% إناث" حسب موقع الخليج اون لاين. في حين أعلنت منظّمة "هيومن رايتس ووتش" في شهر أيلول العام 2018 أن 6 ملايين لا يُجيدون القراءة والكتابة، من أصل 38 مليون عراقي أي 21.05% من الشعب العراقي أميون. (7 الجهاز المركزي للإحصاء، 2012).

وبحسب تقارير سابقة لوزارة التربية، فإن نسب الأمية في القرى والأرياف هي أعلى منها في المدن والمناطق الحضرية، ويعود ذلك لجملة أسباب اجتماعية وأخرى تتعلَّق بضعف الجانب التوعوي.

إن هذه النسب تعتبر مخيفة خاصة وان الامية في العراق كانت شبة معدومة في السنوات الماضية. ومن جهة اخرى كان العراق في العام 1976 يتصدّر بلدان المنطقة لجهة جودة التعليم، إذ إنّه كان قد فرض إلزامية التعليم وأنزل عقوبات صارمة في حقّ من لا يلتحق بالدراسة، فضلاً عن تنظيم حملة شاملة لمحو الأميّة انتهت بعد أربع سنوات (سنة 1980) بإعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) نجاح العراق في مكافحة الأميّة، حسب موقع العربي الجديد.



الهوامش والمصادر:

(1) نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم، الخسائر الناجمة عن ضعف مشاركة المرأة العراقية في النشاط الاقتصادي، الحوار المتمدن-العدد: 4773 - 2015 / 4 / 10.
وكذلك: التمكين الاقتصادي للمرأة وبناء السلام. ص5.
(2) عامر هرمز، مساهمة المرأة العراقية في الاقتصاد العراقي – وجهة نظر انطباعية.شبكة الاقتصاديين العراقيين، 22/04/2019.
(3) إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في العام 1995. وكذلك:
https://irshadlearn.blogspot.com/2016/10/blog-post_87.html
(3) شبكة معرفة العراق (IKN)
(5) نبيل جعفر عبد الرضا، آليات التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية،الحوار المتمدن-العدد: 3584 - 2011 / 12 / 22، المحور: حقوق المرأة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات.(6) نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم، الخسائر الناجمة عن ضعف مشاركة المرأة العراقية في النشاط الاقتصادي، الحوار المتمدن-العدد: 4773 - 2015 / 4 / 10.
(7) عامر هرمز، مساهمة المرأة العراقية في الاقتصاد العراقي – وجهة نظر انطباعية.شبكة الاقتصاديين العراقيين، 22/04/2019.
(8) وزارة التخطيط العراقية، الجهاز المركزي للإحصاء، 2012.
(9) زينب شاكر السماك، الأميّة في العراق: ناقوس خطر يطرق ابواب الشباب، 2018-09- (10) جمعية المودة والازدهار النسوية في العراق وكذلك الجهاز المركزي للإحصاء، وزارة التخطيط العراقية.