سياج البيت لا يسع المرأة



خالد حسن يوسف
2019 / 10 / 8

# سياج البيت لا يسع المرأة

المرأة عنصر إنساني وجدت في الكون لكي تمارس أدوارها على شتى اصعدة الحياة، ووجودها يشكل حالة تكامل مع شريكها، أما طبيعة أدوارها الانسانية فلا يمكن اختزالها بسياق محدد فذلك سيصبغها بطبيعة جامدة ونمطية، وفي هذا الإتجاه لن تلبي الاستحقاقات الماثلة أمامها، وما تستحقه من حقوق لدى المجتمع.

إلا أن هناك من يرغب في حصر دورها في ربة بيت، رغم حاجة المجتمع إلى خدماتها في الكثير من المجالات، واستيعاب أن أدوارها خارج البيت لا تعيق بطبيعة الحال دورها الاجتماعي في إطار الأسرة، خاصة وأنها لا تتعاطى هيئة جمود أو تطرف يشمل حياتها، وهي القادرة على تحقيق التوازن لمواكبة أدوارها أينما كانت.

والإشكالية حينما يقيس البعض أهمية دورها في مقابل كونها ربة بيت، ورغم أن مهام البيت ليست محصورة في شخصها، ولأجل ذلك صاغ المجتمع مصطلح رب البيت، وهو ما يؤكد أن تلك الأدوار الاجتماعية مكملة لبعضها، ولا تمثل نقصان للمرأة والرجل، إلا أن النقصان هو الإلحاح لاختزال المرأة في دور ربة البيت.

ترى هل كل إمرأة ربة بيت؟
نعم هي كذلك، حتى في حال كونها عازبة أو مطلقة وتسكن بمفردها، فهي ربة بيت، وهذه الوظيفة ليست لها بصورة عامة صلة بالرجل في كل الأحوال أو بدورها تجاه الأطفال ورعايتهم، بل هي إشارة إلى مجموعة حرف اجتماعية واقتصادية تمثلكها المرأة وتمارسها في إطار بيتها الخاص أو الأسري.

تاريخيا لم يتم حصر دور المرأة في إطار مفهوم ربة بيت، فالمنزل سابقا كان في ظل تقاطع مع كل موقع تواجدت فيه المرأة، ففي المجتمعات البدائية كانت أدوار المرأة والرجل في المجال العام تكمل بعضها، كلاهما ساهم في سوق العمل والخروج للفضاء العام لطلب العيش، لم تقبع النساء في بيوتهن وإنتظار رب البيت حتى قدومه، فقيم المساواة بينهما كانت ضاربة بجذورها بقوة، وتجاوزت التعريف ذو الصلة بالنظرة الطبقية والساعي لاختزال المرأة في دور معين.

أيضا كذلك الأمر هو بالنسبة للمجتمعات الريفية، والتي لا ينحصر دور المرأة فيها، في حدود البيت، حيث تلعب أدوار مزدوجة ومكملة لبعضها، وطبيعة إيقاع الحياة في هذه المجتمعات فرضت على الرجل أن يتقبل دورها خارج المنزل، فالمرأة في المزرعة أو سهل المرعى تتواصل مع أفراد من خارج أسرتها، إن العلاقات الاقتصادية تمثل المحرك الأساسي لتشكل تواصلها المشار إليه مع المجتمع.

إن تعاطي هذه المجتمعات البدائية والريفية مع المرأة لم يختزلها في دائرة النظرة الجنسية كما يحلو للبعض من المتزمتين من معاصري الحداثة، فأكثر ما يحرص عليه هؤلاء أن لا يتم تلاقي بين عنصري المجتمع في المجال العام وأن تقبع المرأة بالبيت وأن تنتظر عودة الرجل، رغم أنه واقعيا غير قادر على التماهي مع الدور الذي يرغب المتزمتين في أن يمارسه بمفرده خارج البيت!

إيقاع الحياة المدنية وطبيعة العلاقات في سوق العمل والزمالة التعليمية، تحديدا يشكلان قلقا نفسيا لرجل المتزمت، والذي يلجأ من باب التحايل على دور المرأة للاستعانة بتراث إجتماعي وديني، وعادتا ما تكون قرأته مبثورة من سياقها، والمفارقة أن التأويل الديني تحديدا يتم استحضاره في ظل الرغبة لسلب المرأة حقوقها.

ورغم وجود مطالبة لحصر هذا العنصر في حدود البيت، إلا أن أنصار هذا المنحى غير قادرين على تقديم ما يدعم تصورهم، وهم يرغبون في إيقاف عقارب الساعة، ترى كيف يمكنهم تجاوز وإلغاء أدوار المعلمة،الطبيبة،الإخصائية الاجتماعية والنفسية؟ وغيرها من الأدوار...

واقعيا الرجل في ظل الحياة المعاصرة بمفرده غير قادر على القيام باستحقاقات بيته، وهذا العبئ الاقتصادي والاجتماعي يتفاقم بإستمرار، ويسير في إتجاه محدودية قدرتي كلاهما معا على مواجهة تحديات الحياة المعاصرة، وهو ما يتطلب ترفع المتزمتين اجتماعيا لرغبتهم الغير مجدية على شتى المستويات، والنظر إلى الواقع وسياق التاريخ بمعزل عن رغبة بدائية لسيطرة على المرأة أو انطلاقا من قراءة فقهية تاويلية خاضعة لتشنج والقصور المعرفي.

إن هناك نظرة اجتماعية تسيطر على ذهنية الكثير من الرجال، والذين يجدون عادتا في أي تقدم تحرزه المرأة في المجال العام، إنه يشكل نيلا من أدوارهم ومكانتهم، لدى فلا يمكن التعويل على هذا التعاطي الغير قادر على تجاوز الحقد والغيرة من شريكه في المجتمع، وعلى خلفية إشباعه لغروره!

وعموما فإن حاجات المجتمع هي المحرك الفعلي والأساسي لتطوير المجتمع وصياغة الأدوار الخاصة والعامة، وليس شيئا آخر بما في ذلك الدين، فالرجال حينما يتحايلون على قيم العمل والمجتمع لا يعيرون إهتماما بالدين ونظرته لممارساتهم تلك، بل أنهم يقومون بذلك تحث تأثير حاجاتهم الشخصية ورغباتهم.

ومن المؤكد أن الرجل ليس على استعداد لمنح المرأة حقوقها في ظل واقع ركونها إليه، بينما يشير التكامل بينهما لتحقيقها الفرص وخاصة عندما تتجاوز سياج البيت، فحصرها فيه وفرضه عليها يشكل إعاقة لتطور الانساني، وإن عملها خارج المنزل يمثل ضمانة لتطور الأسري والإنساني، بينما تشكل الأدوار المتميزة للمرأة الدافع الوحيد لتخوف من حضورها خارج سياج البيت.

إن زوجات وبنات المتزمتين هن الأكثر حاجة لإدوار النساء خارج البيت المعاصر، أم أنهم يودون أن يقوم الروبوت الاصطناعي بذلك؟!
بينما الغالبية من الرجال استوعبوا أهمية مشاركة النساء في المجال العام.

خالد حسن يوسف