بيدك لا بيد رجل



اوليفيا سيد
2019 / 10 / 15

هل تصبح المرأة عدوا لنفسها بعدائها لمثيلاتها من بنات جنسها؟!.. ان الضمير الجمعى الذى يشكل المجتمعات التقليدية يلعب فيه الدين والأعراف دورا هاما فتجد أن ما تؤمن به مجموعة يؤثر على باقى الجماعات بما يشكل ضمير ووعى جمعى، هو تضامن اجتماعى ﺁلى يعرف بعقل الخلية.

أخبرتنى زميلتى – على هامش حديث- عن الشقق والايجارات، ان أصحاب الشقق يخشون تأجير الشقق السكنية لمطلقات حتى لا يأتين بالرجال! ، قلت لها مستنكرة "وهل كل مطلقة تأتى بالرجال"! أجابتنى بثقة بأنه أمر طبيعى بما أنها لا تحمل عذرية تخشى فقدانها!..
هل من تعرضت لتجربة زواج لم يستمر سواء بالانفصال أو بوفاة الزوج، تأتى بكل الرجال؟! وهل شرف الجسد ينحصر فى ما بين الساقين فقط؟ وهل الرقى فى العلاقة بين امرأة ورجل بعينه لا يختلف عن العلاقة بينها وبين جميع الرجال!
لم أك امرأة مطلقة حتى أنكر اتهام المطلقات بسهولة النيل، ولكن العجب أن من ترى الأمر بسيطا لا يدعو الى الغضب هى امرأة مطلقة!

فى طريقى مررت بمتجر فدلفت اليه أنتقى بعض مشتريات، فى قسم أدوات التجميل سمعت فتاة المتجر ذات العشرين عاما أو أكثر بقليل، تطلب من زميلها "الكاشير" أن يدر أغنية تامر حسنى "أنا سى السيد"، كانت كلمات الأغنية "أنا اللي أقول تعمليه، أنا اللي أقوله تمشي عليه، زي مثلاً كده يا حبيبتي تلبسي إيه وما تلبسيش إيه، إياكي مرة فى يوم أنا ﺁلاقي رجعالي متأخرة يا حياتي، إنتي فاهمة إيه اللي هيحصل وطبعا انتي عارفة الباقي، اه أنا سي السيد وكلامي هو اللي هايمشي، اه أنا سي السيد، مش عاجبك كلامي امشي"!
سألت الفتاة المبتسمة انتشاء بالأغنية، "انتى فرحانة بكلام الأغنية ده"؟ فأجبتنى بالايجاب فى سعادة "اه أنا بحب تامر حسنى قوى"، لم أجد تعقيبا أبلغ بما جال بخاطرى حين تذكرت ما صرح به يوما نزار قبانى حيث قال "كيف أستطيع أن أحرر امرأه تعتبر السلاسل في قدميها خلاخيل تتزين بها"!

فى احدى المحاضرات – قبل سنوات- كان الدكتور المحاضر يقوم بشرح بعض النقاط الهامة، فى حين كانت القاعة تضج بالأحاديث الجانبية والمناوشات، فطلب منا بعض الهدوء، فبادرته احدى الطالبات ضاحكة "معلش بقى يا دكتور، أصل احنا ناقصات عقل"!
كنت أجلس بعدها بصفين أو ربما ثلاث، فقلت بنبرة جادة مسموعة ومخارج حروف قوية تنم عن الجدية والحسم "لا.. احنا لا ناقصات عقل ولا دين"!
همت الطالبات فى الصفوف الأمامية بالنظر نحو مصدر الحديث – نحوى- وصمتن فى دهشة، وبغت الدكتور للحظة ثم أكمل الشرح بعد أن هدأت القاعة تماما.
بغض النظر عن اعتقاد بعضهن بأننى مسيحية نظرا لهذا الموقف، فقد كانت الكارثة حقا ليست فى اختلاط المفاهيم البيئية والثقافية لدى بعضهن، انما فى ايمانهن أن نقص العقل والدين من صميم العقيدة بفضل اقحام تلك اﻵراء فى عقولهن من قبل شيوخ السلفية الوهابية، ومن قبلهم تفسير الشيخ الشعراوى لحديث "ناقصات عقل ودين"، وظللن يرددنه وكأنه تفضيل، فهن ناقصات عقل لكونهن أرق قلبا ومشاعرهن تطغى على عقولهن وبذا يصبحن ناقصات عقل، وبسبب الدورة الشهرية ودماء النفاس عقب الولادة التى تمنعهن من اقامة الصلاة والقراءة بالمصحف يصبحن ناقصات دين، هذا ما قاموا بادخاله برؤوسهن وصدقوه وظللن يرددونه كالببغاوات.

وفى اضطهاد المرأة للمرأة مواقف وحكايات كثيرة، لعل أغربها ما حدث مع السيدة هدى شعرواى، رائدة الحركة النسوية فى مصر، أول من طالبت بالمساواة بين الحقوق السياسية للرجال والنساء، فطالبت بحقوق المرأة النيابية، وحددت سن زواج الفتيات على ألا يقل عن 16 عاما، وهى أول امرأة تقود مظاهرة نسائية ضد الانجليز فى 1919م. رغم ذلك فقد رفضت زواج ابنها من امرأة أحبها وحملت طفلا منه فى أحشائها!
روى تلك الحكاية مصطفى أمين فى كتابه "مسائل شخصية"، حيث أقامت هدى شعراوى حفلا بقصرها وجاءت المطربة المغمورة – حينها- فاطمة سرى لتحيى الحفل، فأعجب بها محمد ابن السيدة هدى شعراوى، ونشأت بينهما قصة حب نتج عنها جنينا ﺁرادت فاطمة سرى التخلص منه لكن الطبيب أخبرها بخطورة الأمر على حياتها، حتى قام محمد بتحدى ارادة والدته التى رفضت تلك الزيجة وكتب إقرارا بخط يده يثبت به نسب الجنين إليه.
وبعد قراره الزواج منها، علمت والدته بذلك فحاولت تلفيق قضية دعارة لفاطمة سرى التى أصبحت زوجة ابنها وأم حفيدتها، حتى سافرت فاطمة سرى برفقة ابنتها "ليلى" الى أوروبا وعادت لمصر بعد اصدارالمحكمة الشرعية حكمها بثبوت نسب الابنة الى والدها.

وفى رواية "أصوات" للروائى الكبير سليمان فياض، يحكى عن تجربة غير مألوفة ومدهشة لإمرأة أجنبية ظن أهل زوجها –المصرى- أنهم باجراء الختان لها يحافظون على شرف إبنهم العائد من الغربة مصطحبا هذه الفرنسية الشقراء التى حتما ستخونه إذا لم يتم ختانها.
حيث اجتمعت نسوة القرية، وقررن إنقاذ شرف إبنهم حامد بختان "سيمون" حتى لا تصبح كما وصفوها قطة جائعة تبحث عن الرجال، وعلى لسان زينب زوجة أخ حامد التى تغار من سيمون نسمع القصة...
"أغلقت نفيسة النافذة، وأحطنا بها، فدارت حول نفسها باحثة عن مخرج. أمسكنا بها، فصرخت وقاومت، خفنا منها، فأغلقت فمها بكفى، وطرحناها على السجادة فى أرض الغرفة. ورفعنا ذيل القميص الذى ترتديه، وكنا نمسك بها جيدا، وهى تناضل بكل مافيها من قوة لتتخلص من ثمانية أيد، وقالت نفيسة: ألم أقل لكم؟، وراحت نفيسة تمارس مهمة تطهيرها بالمقص، ثم بحلاوة العسل الأسود لتزيل القذر الذى تحمله بين فخذيها، وشهقت نفيسة وقالت لحماتى: أنظرى ألم أقل لك؟ أنها لم تختتن"! وعند هذا الاكتشاف الخطير كان لابد أن يسيل لعاب النسوة لممارسة السادية الكامنة فيهن والتى تنتقل كالجينات الوراثية من جيل إلى جيل.

ويكمل سليمان فياض الحكاية على لسان زينب فيقول: "أخرجت نفيسة زجاجة من صدرها، ونزعت غطاءها، ففاحت منها رائحة البنج، وغمست فى الزجاجة قطعة قطن، أخرجتها من صدرها أيضا، ثم وضعتها على أنف سيمون، رأيت فى ضوء المصباح عينيها مفتوحتين على أخرهما، مليئتين بالفزع، فكرت فى أن أتركها، وأدفع الكل عنها، وأوقظها، تصورت نفسى فى مكانها، لكن خطر لى أنها تبهج حامد بروحها، وربما أيضا بجسدها الذى يشبه الملبن بياضا طراوة لأنها لم تختتن، وكان جسدها يسترخى تحت أيدينا، وفمها يتوقف عن المقاومة، ويتوقف الأنين المكتوم المنبعث من أنفها، وعيناها تنطبقان، وتظلان مواربتين".. لم يشفع كل هذا الفزع لبطلة الرواية، فالخوف والرعب يشعل رغبة النسوة ويؤججها فى مزيد من الانتهاك.
وتكمل زينب القصة قائلة: "أخذت نفيسة تمارس مهمتها بسعادة بالغة، والنسوة واقفات مستريحات ينظرن إلى مهمة جليلة، وفى قلق وسرور شديدين، وجذبت نفيسة ذلك الشئ حتى أخره بيدها، وأخرجت باليد الأخرى موسا حادة كموس الحلاق من جيب ثوبها، وفتحته، ومسحته فى جانب ثوبها، ثم ضغطت بجانب السلاح، وجذبت حد الموس بسرعة، فانفصل ذلك الشئ فى يدها الأخرى، وتفجر دمها غزيرا، لم نر مثل هذا الدم من قبل على كثرة ما شاهدنا من طهارة للصبيان والبنات. وأخذت نفيسة تدس كل ما معها من قطن لتوقف النزف. لكن القطن كان يغرق بسرعة فى الدماء المتدفقة من المسكينة، ودست نفيسة شالها، وشال سيمون، وكل ماطالته يدها فى الدم المتفزر، والدم لا يتوقف، والقماش يغرق فى بحر من الدم، لطمت حماتى خديها بيديها وصاحت: يامصيبتى، صاحت فينا نفيسة تنهرنا حتى لا نفضح أنفسنا وطلبت منى أن أتيها بكل مالدينا من بن وتراب فرن وتراب أحمر.
ولم يفلح البن أو التراب أو البصل أو الكولونيا فى إيقاظ "سيمون" فهى قد ماتت، أنها كما قالت الحماة جاءت من بلدها لعذابها، إن هؤلاء النسوة بترن سيمون لأنها قامت باستفزاز سكونهن وبلادتهن بإقبالها على الحياة فقررن إخراسها إلى الأبد ليس بقطع لسانها بل بقطع وبتر أنوثتها"!

من العجيب أن كل فتاة تم بتر وتشويه أعضائها التناسلية باجراء عملية الختان، كانت وراء الالحاح فى اجرائها امرأة مثلها، اما الأم أو الجدة!
فلماذا تصبح المرأة عدو لنفسها، تنحنى وتخضع وتبتذل بأيديها وتطلب من الرجل فك قيودها، قبل أن تطلبى من الرجل أن يطلق يديك حررى نفسك بنفسك، بارادتك، بعقلك، حررى نفسك بتحرير بنات جنسك، لا تكونى قاضيا وجلادا يضرب السياط فتعود وتهوى فوق جسدك أنت، كل سوط تلقيه سيمزق ثوبك. يضرب لحم جسدك ويلهب ظهرك وينزف دمائك.. قيودك وحريتك بيدك لا بيد رجل! الرجل فقط ينفذ الحكم وأنت من تصدريه!