ظاهرة -الزوج المُتفلّت- من مسئولية الحياة الأسرية والزوجية.



زيدان الدين محمد
2019 / 10 / 18

" إشكالية الأفراد ليست عدم ايجادهم الحُب في العلاقة الزوجية، بل أنّ دائمًا أعينهم مصوّبة نحو المفقود، مُتمثّلة "الأنا الخاصة بهم" دور أهمّية استحقاقها الأفضل، دون أي مُمارسة فعلية للإصلاح أو إعادة الهيكلة".
- نـدئ عادل.

أن تكون جُزءًا مِن مشروع بناء مُستنقعنا العربي، فذلكَ ليس مِن الأُفقِ الصِّعاب. إنّ البداية لهذا تكون أوّلاً مِن خلال تحوير المعايير الأخلاقية والسلوكية السويّة، وتبرير الخطأ بخطأ لإصلاح الخطأ، والتجرّد مِن مُهمّة وواجب إصلاح هذا المُجتمع والإرتقاء به. والحديث سيكون في هذا المقال مُقتصرًا على الأزواجِ الذين يتفلّتون من إطار العلاقة الزوجية، فيشرعون في تبرير سلوكيات مُنحرفة تحت أعذارٍ مُنحرفة أُخرى تتيح لهم مُمارسة الخطأ والعُهر الأخلاقي بهيئة مشروعة ومقبولة في مُجتمع بات يفقد الكثير من معايير الصَّلاح والسواء.

فإِنِّي رأيتُ أكثر أهل زماننا هذا عن سبيلِ تأديب النَّفس والأخلاق واللسان ناكبين، فترى أحدهم ينتقي زخارفًا لغوية، ويروي ضروب الشِّعر، ولا خصلة تُلحظ فيه أكثر مِن هوسهِ على النِّساء وتفاصيلهن.
مُعظم الرِّجال تسعدهم الأُنثى، لكنّ ذلك الأغثر الذي قد ألقى بنفسه بين ربوعِ العلاقة الزوجية، لا برزخَ عنده بين تذوُّق الجمال وغضّ البصر. فهو يميل كأوراقِ الشَّجر كُلّما هزّ الجذع ريحٌ عابرة، يصبو لِسلاءِ قلبه. وعيناه التي ترجو تفاصيل الإِناث لِتشبع رغبته، وعاطفتهِ الفقيرة المُتسوّلة "هُما القيد له". فتراهُ يركضُ خَلف كُل زاهدةٍ وقَينة، وامرأته في بيتهِ ولا استبعاد أنهُ ملكَ مِن البنينِ ماملَك، لكنّه في الطُّرقات التي عبَّأها بِشعاراتِ الحُبّ يُفتّش عن شَكرٍ وسلوة، بينما امرأته التي في بيته أو انفصلَ عنها ينشأ يطلّها ويضهلُها.
ذلكَ الأغثر الذي سخَّر عواطفه وقفًا على شهواتِ النّفس ومقاييس أهواءه، مُتخبّطٌ ومُجرّد مِن أُسسِ التفريق بين تذوّق الجمال وغضّ البصر وله معاييره الخاصة في توزيع الجمال؛ لِذا تجد أنهُ جرّد زوجته مِن أنوثتها وراحَ ينشد في الطُّرقاتِ باحثًا عن جمالٍ يدنّسه بأمراضهِ المُرتدية مشاعر الحُب. وهُنا لا مندوحة مِن ذِكر ذلك العجز النفسي الذي أطلق عليه الطبيب سيغموند فرويد بـ "عُقدة مادونا والعاهرة"، وهي رغبة مرضية في التّطلّع لعلاقاتٍ حميمية خارج نطاق المسؤولية الزوجيّة في حين أنّهم لا يستطيعون إرضاء الشّريك في إطار العلاقة الزوجيّة.
ولنا من نافلِ الذِّكر أن نُركّز قليلاً على العذر الأقبح المُنتشر بين هؤلاء المتزوجون، ألا وهو "تقصير الزوجة، وعدم كفاءتها في الشراكة الزوجية وقلّة تدبيرها في الشؤون المنزلية والأُسرية،وأيضًا أنها لا تُؤدي مُتطلّبات زوجها وتُكمل نقصه".. فهؤلاء الذين يتعذّرون بهذهِ الأسباب لا يعدّوا أكثر من مراوغين، والأجدرَ بنا أن نوضّح أنّ هذا العذر لا يأخذ مأخذه إلّا بعد الكثير من الزّمن مع الشريكة وقد تم إنجاب الأبناء بينهم، وساده الملل.

إِن التحجّج الذي يبادر بهِ الزوج على زوجته، وإلغاء اللوم عليها، هو بداية الطَّريق لشرعنة تفلّته والسير خَلف مُقتضيات نفسه التي لا تُعنى بالشراكة الزوجية، وتُبيح له تقنين الإنفلات الأخلاقي من المنظومة الأُسرية. والأعذار لدى الزوج هي واضحة ومُكرّرة لا يغفلها المُجتمع، ولكن سُؤالنا الآن هو "مالسبب لِبزوغ هذهِ الأعذار والحُجج بعد زمنٍ من الشراكة الزوجية والتأسيس العائلي؟"، في الحقيقة ليس هو دائمًا تقصير الزوجة، أو انعدام التكافؤ مابين الزوج وزوجته، وليس بالطبع الوعي التحليلي والمُستنتج بأن تلك العلاقة خاطئة مُنذ بدايتها. فلو كانت هذهِ الأسباب سنقول أن هُنالك أيضًا أسبابًا للإصلاح، وعلى قائمة هذهِ الأسباب اللازمة هو الحفاظ على التماسك الأُسري وتنشأة الأبناء نشوءًا سويًّا ضمن بيئة تحمل القدوة وجذوة الأخلاق، فضلاً عن الإحترام الواجب للشريك وللمسؤولية.
وبما أنّها ليست هي تلك الأسباب، فالسّبب النفسي الجلي، هو "اصطدام الزوج بوعي رغباته الجديدة"، فالزوج في هذهِ المرحلة تغيّرت مقاييس قبوله للطرفِ الآخر، وليس المرأة مَن على عاتقها الخطيئة التي يُلقي بها الزوج عليها تحت أعذار واهية كان من المُمكن استيعابها منذ بداية ارتباطه بها. المقاييس والرغبات التي باتَ يحملها الزوج تخضع لشخصيته المكوّنة حديثًا، ولا تخضع بالتمام للمعيار الأُسري القيّم ومعايير الشراكة الزوجية المطلوبة. فشخصيته أضحتْ تحمل معايير حَديثة، وشروطًا لِلقبول بالطّرف الآخر الذي بالضرورة سيكون طرفًا خارجًا عن العلاقة الزوجية، فالزوج المتفلّت في هذهِ الحالة تحدوه الرغبة للتجوّل على أرصفةِ النساء ويستجذب أكثرهنّ جمالاً واتفاقًا لشروطه التي تتضمّن قبول الطرف الآخر.. مُركّزًا ومعترفًا بهذا "مصلحته الفردية" على حساب "المصلحة الجامعة للأُسرة".

وقد بزغَ لنا في عصرنا الحالي مَن يسعى لِوضعِ فيصلٍ مابين الزواج والعلاقات الغرامية - على نمطِ لويس الرابع عشر - دون الشعور بالذنب والعار، أو قدرًا بسيطًا من المسؤولية الأخلاقية تجاه الشراكة الزوجية. وذلك تحت أعذار عدم التوافق، أو التقصير، أو الحاجة التي برزَت فجأة. فما أكثرهم اليوم الذين يتجوّلون على قلوب النساء ليسردوا مآساتهم المزعومة بأنّهم قد تعرّضوا للفشلِ في الحياة الزوجية بسبب إهمال زوجاتهم لهم، وتقصيرهنّ. وإن يكن ذلك إلّا بحثًا عن التغيير والإنفراط من الإلزاميات والعهود الغليظة التي يتطلّبها الزواج، وكم فتاة غرّتها تلك العواطف وبرّرتْ بشاعة الخيانة الزوجية البادرة من الزوج تحت أسبابٍ ومُبررات أقلّ مايقال عنها أنّها ضربًا من الصبيانية وعَرصة الخبث، وفرط الطيش. والحقُّ أن أي باحثٍ إجتماعي لهُ من ملكاتِ التفكير والمنطق القويم، لن يرضى بالمُبررات السطحية لهذهِ الظاهرة المُتصاعدة في الإنفلات الأُسري، إذ ذلك يتطلّب منه حفرًا عميقًا في الحياة الداخلية لِكُلٍ من الزوج والزوجة ليدرك ويُحلّل سبب مأساوية الزواج الناتجة من الطّرفين؛ لِلوصولِ بها إلى إعادة هيكلة وإصلاحٍ رصين، لا شرعنة انفلات أخلاقي يأخذ بالنظام الأُسري نحو التصدّع.

والحياةُ الزوجية، هي فصلٌ مِن مشروعٍ كبير يصيغه المرء في حياته، وعلى قدرِ مهارة المرء في بناء هذا المشروع وصياغته تسمو حياته أو تنزل بها حدّ الحضيض.
أمّا اسطوانة الأعذار المُتعارف عليها من قِبل "الزوج المُتفلّت" والتي غدتْ نبرة الجميع، ماهي إلّا إهانة للحميمية ودماثة الروابط الأسرية. وقبل أن تُربي الأسرة في حجرٍ من شرٍّ وأسراب من نِفاق، فهي تُنزِل به- الزوج المُتفلّت- محطّ الإسفاف بنفسه، بل إنهُ بهذه الأسطوانه لتُورد الأخبار سَفَاتِج جَهله وخُرقه، و ركاكة خُلْقه.
و هُنالك قولٌ لـ "سارتر" يكرهه الكثير مِمن لم يبلغوا نجاحًا في حياتهم، يقول:
"ليس الإنسان شيئًا أكثر من مجموع أعماله، ليس شيئًا أكثر من حياته. ليس الإنسان شيئًا آخر غير مجموع مشروعاته، هو مجموع علاقاتها مع الآخر". زِد على أنّ هؤلاء حين نحمّلهم مسئولية فشلهم وسوء اختيارهم، يصيبهم الكدر، ويأخذ بهم الجهل الدّفين مأخذ رفض استيعاب المنطق وما يجب اصلاحه، حتّى ليقول فيهم "سارتر" :
"هاك رجُلاً يرتبط بشخصٍ أو بعملٍ ويؤدي خدمة، وهو بهذا قد رسم حياته بل ليس هناك من حياته ما يزيد على ذلك، وواضح أن هذه الفكرة تبدو قاسية عند أولئك الذين لم ينجحوا في الحياة".

لتحقيق التَّكامل والرَّفاء الأُسري، هُنالك مقوّمات أساسية:
- مقوّم اقتصادي.
- مقوّم عاطفي.
- مقوّم بنائي.
فـ "الزوج المُتفلّت" ها هو يغفل تمامًا عن هذهِ المقوّمات، ويخطو إلى "مقوّم آخر" قد ارتضاه لنفسه هدفًا في العلاقة، وهو بهذا مفطومٌ من ثدي الخير والمروءة. و في حين أنّهُ قد يعود لاسطوانته المشروخة ويتّخذ "عدم التوافق" شمّاعةً وتشريعًا له، يجب وضعه إلزامًا أمام التّساؤل الرشيد الذي يذكّره بمسئوليته عمّا وقع به، وهو أين كان من وعيه مُنذ البداية من مجالات التوافق في الحياة الزوجية من توافق وتكيّف عاطفي، توافق ثقافي، توافق مادي، توافق جنسي؟ أوَكان من الجدير به مُنذ البداية وقبل ارتكاب إثم إنجاب الأطفال في بيئة زوجية مشتّتة، التنبّه لعدم التوافق من أجل تخفيف العواقب التي تترتّب على استمرار علاقة زوجية غير مُتكافئة مُنذ البداية؟.
ونقول، إن من واجب الدّولة، والمُؤسسات الإجتماعية، الحثّ على التأهيل الكامل من قِبل الطرفين قَبل قرار الارتباط. و وضع بنود أسرية عملية وفعلية صائبة ترنو للرقي بهذا المُجتمع لمن يريد تكوين أسرة. وبالتالي فرض عقوباتٍ قاسية لهؤلاء الذين يشرّعون لانفلات الأُسرة وتضعضعها تحت أسبابٍ رخيصة وخسيسة، ووضعهم أمام المسئولية الكاملة للقيام بواجب بناء الأُسرة المُتماسكة داخليًا لا ظاهريًا كما تروّج له تلك النبرة القائلة بأنّ الأسرة في الشرق تعني التماسك دائمًا، وأنّ الغرب هو معنى التفكك في نظام الأُسرة. وعدم الاغفال عن عقوبات الخيانة، وحثّ المرأة على المطالبة بحقّها وعدم السكوت حين تتعرّض للخيانة مِن قِبل زوجها. ففريضةُ الزوج الماسخ مسئوليته بنزواتٍ مُتعدّدة، والمرأة المُتقصّفة، المُتهتكة إمساخًا لهيكلِ نسمات الرّب مركعًا لنفاياتِ البشر مِن عباد الخيانة والطّيش، العيش في أرضِ الجهود والآلام المُحتّمة.
ففي النّهاية، صلاح النّظام الأُسري لا يقلّ واجبًا عن صلاح النّظام الاقتصادي والسياسي لبناء أُمة أو هدمها، وتوليد جيلٍ مُتقاعص، مُدقع بالدمائم الأخلاقية والنفسية، أو توليد جيلٍ واعٍ ساعٍ للصلاح والارتقاء بالأُمة.
ويلٌ للرجُل الهادم بيديه سعادة قوام الأسرة، مُدنس منبت أطفاله تحت أعذارٍ أنانية أو طويةٍ معلولة يحاول القول بها أنهُ ضحيّة، فَـ "معاذ الله" يا هذا ماأنتَ إلّا فُلانٌ أتى من اللؤمِ بنادر لَم تهتد له فطنة مادر.