تجريم وجه الانثى.. كيف ولماذ؟!! (1) الوجه كمدخل لبناء علاقة انسانية..



محمد عبعوب
2019 / 10 / 20


(1)
ما إن يستكمل الطفل –ذكرا كان او انثى- بعد ولادته باسابيع بناء شبكية عينيه وتظهر له ولأول مرة صورة وجه والدته وهو متعلق بحلمة صدرها تمده بالدفئ والشبع؛ حتي يطلق اولى ابتسامات الرضا والفرح لحصوله على صورة لهذا الكائن الذي دفع به الى الوجود ويمده بأسباب الراحة والشبع واستمرار الحياة..
مشهد وجه الام الذي يلتقطه الوليد في تلك اللحظة ويتكرس في ذاكرته، سيظل مصدر طمأنينتة وسعادته التي تدفعه للتمسك بالحياة، ستظل عيون الام وتقاسيم وجهها وتعابيره ترسل له وهو في المهد ثقته في الحياة، ويرتبط وجوده باستمرار حضورها في مدى نظره ، و بمجر غيابها للحظات لمتابعة شؤون البيت، يطلق صيحاته الغاضبة مستدعيا صورتها من ذاكرته بتفاصيلها التي تشكلت في وعيه منذ شاهد وجها في ذلك اليوم. لا تفلح صور وجوه غير صورة وجهها في اسكات ندائه الى أن تحضر أمامه وتتجسد لنظره ويعزز اثبات حضورها بتحسس جسدها بيديه، تتملكه بعدها حالة من الرضا واللذة والطمانينة، وهي الحالة التي ستتطور على مر السنين ونمو عقله الى ان تشمل آخرين غير محيطه القريب .
بمرور الزمن تُشحن ذاكرة الطفل بالمزيد من الصور لوجوه بشرية، ويكتشف ان العالم لا يقتصر على الام والاب والاخوة والاخوات، و تدخل في وعيه صور مشابهة لوجوه محيط بيته، مثل وجوه اقاربه وجيرانه وأترابه في مرحلة التعليم الاساس،، وفي مرحلة الرشد تزدحم ذاكرته، بهذه الصور، و يبدأ في التمييز بينها، وبناء شبكات تواصل معها تختلف عن نوع الشبكات التي كانت تربطه بامه وابيه واسرته والتي تتركز في الغالب على تلبية حاجاته المادية ، هذه الوجوه الجديدة ستثير في وعيه حاجته لمطالب نفسية وعاطفية تتجاوز محيطه القديم. بتطلعه للوجوه الجديدة من حوله، يبدأ ذلك المخلوق سواء كان انثى او ذكر في تأسيس علاقات انسانية على أسس جديدة تنبع من دوافع عاطفية رسمتها في وعيه صور تلك الوجوه الجديدة التي اكتشفها.
بهذا التطور المحقق عبر صور الوجوه الجديدة التي يلتقيها في محيطه، سيلعب هذا الانسان من خلالها دوره في الحفاظ على استمرار الحياة الانسانية على وجه الارض، فيقيم علاقات عاطفية ونفعية، يضمن من خلالها وجوده كفاعل في الحضارة الانسانية ، والتي لن تتحقق الا بوجود صور لمحيطه في وعيه ..
السؤال هنا : اذا سلمنا بصحة هذا الاستنتاج الذي يكرس صورة وجه الانسان كمدخل ضروري لبناء أي علاقة انسانية التي هي شرط ضروري لاستمرار الحياة على وجه الارض؛ كيف يمكننا فهم واستيعاب ظاهرة فرض الحجاب على وجه الانثى و منعه من اخذ مكانه الصحيح في ذاكرة هذا الطفل الذي سيتحول بعد عقود الى رجل يبحث عن شريكة تطابق طموحاته لتشاركه مشروع الانسان للحفاظ على استمرار اعمار الارض ؟!!!
-يتبع-