الملائكة تلبس الأبيض



عائشة خليل
2019 / 10 / 21

عرض نادي سينما الجزويت بالقاهرة يوم السبت الماضي الفيلم الصيني ”الملائكة تلبس الأبيض” وهو الفيلم الذي عرض في مهرجان فينسيا الدولي وحاز عدة جوائز عالمية. الفيلم من إنتاج عام 2017 وأخرجته المخرجة فيفيان كيو.
يحكي قصة ”ميا” التي تعمل في فندق صغير في مدينة ساحلية. و”ميا” ذات الستة عشر ربيعا تقوم بكل الأعمال، التي لا يرغب أحد في القيام بها . فبالإضافة إلى كونها قاصرًا، فهي لا تمتلك أوراق هوية رسمية، ولذا فهي تعيش على الهامش. وتقوم صداقة بينها وبين ”ليلي” مسؤولة الاستقبال بالفندق التي توفر ”لميا” قدرا من الحماية، بينما تقوم ”ميا” بتغطية وردية ”ليلي” حين تذهب الأخيرة للقاء صديقها.
وفي ليلة مشؤومة؛ يأتي إلى الفندق مسؤول كبير ومعه صغيرتان في الثانية عشر من عمرهما وتسكنهم ”ميا” في غرفتين: واحدة للمسؤول، والأخرى للفتاتين. ترقب ”ميا” دخول المسؤول عنوة إلى غرفة الفتاتين، وتلتقط اللحظة من خلال كاميرا المراقبة على هاتفها المحمول.
وعندما تُكتشف المأساة، تتأمر أطراف عدة لإهدار حق الفتاتين في العدالة. فعندما تأتي الشرطة تكون الغرف قد تم تنظيفها بالكامل وتنكر ”ميا” ملاحظتها لشيء غير طبيعي بالغرفة، بينما يدعي صاحب الفندق أن كاميرات المراقبة تقوم بالتسجيل التلقائي على ذات الشرائط كل 48 ساعة. فليس من مصلحة صاحب الفندق إثارة الأقاويل حول فندقه. أما عائلات الضحايا ”وين” و ”زين” فيتم إغراء إحداها بالمال، فيعرض المسؤول دفع مصاريف مدرسة خاصة لتكمل الفتاتان تعليمهما. ويرى والدا ”زين” إن في ذلك عدالة أفضل من سجن المسؤول لعدة سنوات يعود بعدها إلى دائرة الضوء والنفوذ كأن شيء لم يكن.
أما الفتاة الأخرى ”وين” فتعيش مع والدتها المنفصلة عن والدها. تلقي والدة ”وين” باللوم عليها، وتتهمها بأن مظهرها لا يعكس كونها تلميذة مدرسية. فتمزق الأم ثياب ”وين” ثم تقص شعرها وهي تصرخ بأنها السبب في المأساة. تهرب ”وين” لتذهب للعيش مع والدها الذي يساندها بالرغم من رقة حاله، ويهدد في رزقه من قبل صاحب العمل الذي يرضخ لتهديدات المسؤول الكبير. ولكن والد ”وين” يصر على المطالبة بحق ابنته في العدالة، وتسانده المحامية التي تحاول إقناع ”ميا” بتسليم ما لديها من أدلة. بينما تحاول ”ميا” ابتزاز المسؤول لتحصل منه على مبلغ تدفعه لمن يصدر لها بطاقة هوية رسمية. ولكن المسؤول يتعقبها ويضربها فتواته ضربا يؤدي بها إلى المستشفى. ومن ثم تتصل ”ميا” بالمحامية وتقدم إليها دليل إدانة المسؤول. ويتدبر المسؤول أمر لجنة من الأطباء الأخصائيين تأتي من المدينة لتوقيع الكشف على الفتاتين، وتأكد أنهما مازالتا عذراوتين. فتعلن الشرطة أغلاق الملف.
شحنت المخرجة فيفيان كيو فيلمها بقصص مختلفة عن العنف المجتمعي على جسد المرأة، فمن العقدة الرئيسية إلى تعامل والدة ”وين” معها إلى تعامل صديق زميلة ”ميا” معهما. فهو يبيع ”ليلي” إلى مديره، ثم يحاول إغراء ”ميا” ببيع عذريتها لمن يدفع أكثر. وبالرغم من ذلك جاء الفيلم هادئا وغير متشنج، فوتيرة السرد بطيئة والكاميرا تتلكأ لتلتقط التفاصيل الصغيرة. وقد أعطت المخرجة الأفضلية للصورة على الحوار، فجاء الأخير شحيحا. فلا يسمع المشاهد الفتاتان تتحدثان إلى الكبار إلا لماما، بينما يعلو صخبهما وهما تلعبان مع بعضهما البعض، بينما يتبادل الكبار حوارا قليلا. وانتقلت كاميرا المخرجة ببطء لتتجول في تفاصيل اللحظة. مثلا تحاول ”وين” الانتقام من والدتها بعد أن قصت شعرها، فتدمر علب مكياج والدتها، وتلقي بطلاء الأظافر وبودرة الوجه في حوض غسيل الوجه. وتنتقل بنا المخرجة من مشهد إلى آخر بهدوء، ثم تفرغ عقل المشاهد مما قد يعلق فيه من أسئلة عن الرواية وأبطالها، وذلك بطرح إجابات وافية، بحيث يبقى السؤال المحوري عن العنف على جسد المرأة معلقا بذهن المشاهد عندما يغادر قاعة العرض.
ينتصب على الشاطئ تمثال ضخم لأيقونة الإغراء مارلين مونرو في لقطتها التاريخية بفستاتها الأبيض المتطاير. وتتخذ منه المخرجة محورا رمزيا للسرد. فحول التمثال نلتقي ”ميا” لأول مرة وهي تحاول التقاط الصور له. ثم نراه وقد أوغل الفيلم في السرد وقد قُبح بفعل ملصقات الدعاية التي شوهت ساقي أسطورة الإغراء. ثم نلتقيه قرابة آخر الفيلم والعمال يقومون بفكه، ثم تلحظه ”ميا” مسدى على قاطرة كبيرة منطلقة بالقرب منها على الطريق السريع. والمدهش أن الكاميرا تلتقط بعض تفاصيل التمثال فتركز على مناطق مختلفة منه، فيصور من أسفل أو تركز الكاميرا على أظافر القدمين التي طليت باللون الأحمر، أو على الساقين اللذين أفسدتهما الملصقات، ولكننا لا نراه في أي مشهد كاملا، حتى وهو منقول على قاطرة على الطريق السريع. وربما تقصد المخرجة تذكيرنا بتجزئة المرأة في المجتمع البطريركي واختزالها إلى أعضاء، بحيث لا نراها أبدا كشخص مكتمل الأهلية.