العُنْفُ الإِلْكترونِيُّ المَبْنِيُّ عَلى النَّوعِ الاجْتِمَاعِيّ ... أرْقامٌ مُتَصَاعِدةٌ ... وَمُؤَشِراتٌ خَطِيْرةٌ



مؤيد عفانة
2019 / 12 / 3

يُحيي العالم ومن ضمنه فلسطين هذه الأيام حملة الستة عشر يوماً لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهي حملة دولية لمواجهة العنف ضد النساء والفتيات، تُجرى الحملة كل عام ابتداءً من 25 تشرين ثاني/نوفمبر، وهو اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، إلى 10 كانون اول/ديسمبر، وهو يوم حقوق الإنسان، ويشارك في الحملة أكثر من 3,700 منظمة ومؤسسة سنوياً من 164 بلد تقريبا.
والعنف المبني على النوع الاجتماعي تبعا لتعريف دليل "الأونروا" هو "مصطلحٌ شاملٌ لكل عملٍ ضارٍ يُرتكب ضد إرادة الفرد ويستند إلى فروق مكرّسة اجتماعياً (النوع الاجتماعي) بين الذكور والإناث من جهة وبين الإناث أنفسهن والذكور أنفسهم من جهة أخرى". إن العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي/الجندر غير منحصر بالنساء والفتيات، إلا أنهنّ أكثر المتضررات عبر مختلف الثقافات.
وتوجد أشكال عدّة للعنف المبني على النوع الاجتماعي، منها: العنف اللفظي، العنف الجسدي، العنف الجنسي، العنف النفسي، العنف الاقتصادي، العنف الاجتماعي، العنف الرمزي، ومن الأشكال الحديثة للعنف المبني على النوع الاجتماعي "العنف الإلكتروني" وهو تبعا لتعريف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني "شكل من أشكال العنف الذي يتعرض له الأفراد، وقد يأخذ عدّة أشكال منها الغواية، أو سرقة الحسابات، أو الرسائل غير المرغوب فيها، أو التحرش، أو الابتزاز أو استغلال الضحايا/ الناجين مقابل المال والممتلكات، أو إرغامهم على ارتكاب أفعال غير مناسبة أو غير قانونية عبر الإنترنت أو الصور الإباحية التي تحتوي على اعتداءات جنسية عبر الإنترنت".
ويشكّل العنف الالكتروني المتمثل بالتهديد والابتزاز والاهانة والتحرش عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أحد الأشكال الجديدة التي قد يتعرض لها الأفراد في مجتمعنا من كافة الفئات العمرية جراء انتشار استخدام الانترنت بصورة واسعة في كافة المجتمعات في العالم، ومنها المجتمع الفلسطيني، وهو يتسارع بشكل خطير، فتبعا لبيانات نيابة الجرائم الالكترونية المنشورة، فقد ارتفعت عدد الشكاوى التي استقبلتها وحدة الجرائم الالكترونية في الشرطة منذ العام 2013 الى العام 2018، من (173) شكوى الى (2,568) شكوى، أي تضاعفت (14.8) مرة خلال 6 سنوات فقط، ومن ضمنها العنف الالكتروني المبني على النوع الاجتماعي.
وتبعا لأهمية العنف الإلكتروني وخطورته وانتشاره، نتج من مسح العنف في المجتمع الفلسطيني عام 2019، والذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، قياس العنف الالكتروني، وكانت من نتائجه أنّ 8% من النساء المتزوجات حالياً أو اللواتي سبق لهن الزواج تعرّضن لأحد أشكال العنف الالكتروني من خلال استخدامهن لأحد مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الآخرين في فلسطين، بنسبة 9% في الضفة، ونسبة 5% قطاع غزة، في حين ان النسبة تصل الى 10% لدى الاناث من فئة الشباب (18-29) سنة، واللاتي لم يسبق لهن الزواج. 14% في الضفة الغربية 5% في قطاع غزة.
وبالعودة الى ذات المسح، فان البيانات تشير الى ان أكثر من نصف النساء من كافة الفئات تفضّل السكوت على الاعتداء وعدم ابلاغ أحد، وترتفع هذه النسبة لدى النساء المتزوجات أو اللواتي سبق لهن الزواج، لتصل الى (60.6%)، الامر الذي يشير الى ان النسب الحقيقية للعُنف، ومن ضمنه العنف الالكتروني المبني على النوع الاجتماعي أكثر بكثير من النسب المُعلنة.
انّ خطورة العُنف الالكتروني المبني على النوع الاجتماعي تكمن في انتشاره السريع بفعل التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والطبيعة العشوائية والمنتشرة بكثافة للمواقع الالكترونية ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة الاحتيال والتخفي خلف مسميات مختلفة، وبساطه تسلله الخفي الى كل بيت وكل امرأة وفتاة وحتى طفل، في ظل توافر الأجهزة الذكية لدى معظم افراد المجتمع، ومما يزيد من تَغَوله إحجام النساء عن الإبلاغ عن حالات العنف الالكتروني تبعا لثقافة المجتمع السائدة او عدم الثقة في المنظومة القضائية، ما يشجع المعتدين، ويوفر لهم مظلة حماية لمزيد من الاعتداءات، وما يرافق ذلك من آثار سلبية اجتماعية، اقتصادية، قانونية، وربما أمنية، تُهدد السلم الأهلي، وتمزق النسيج الاجتماعي، وتهدم بناء الأسرة، وتعزز ثقافة الافلات من العقاب، وتعرقل العدالة الناجزة، عدا عن الاثار النفسية لدى الضحايا، ومنها العزلة الاجتماعية، فقدان الثقة، الانسحاب من الحياة العامة، السلبية في المجتمع، وممكن ان تتطور تلك الاثار الى اخطر من ذلك بكثير، خاصّة وان العنف الالكتروني المبني على النوع الاجتماعي عادة ما يكون مدخلا لكافة أشكال العنف الأخرى، ويصل الى درجة الابتزاز المادي والجنسي.
ومن المؤشرات الخطيرة الأخرى، والجديرة بالاهتمام، أنّ نسبة النساء اللواتي تعرضن لأحد أنواع العنف وتوجّهن الى مركز مساعدة نفسية او اجتماعية او قانونية تبعا لمسح 2019، لم تتجاوز 1.4% فقط، وهو مؤشر يقرع جرس الانذار لدى المؤسسات الرسمية والأهلية التي تُعنى بقضايا النوع الاجتماعي، لتحليل هذا المؤشر بشكل معمٌق، والعمل على جسر الفجوة القائمة، من خلال استراتيجيات عمل جديدة، تعمل على رفع الوعي المجتمعي لخطورة العنف المبني على النوع الاجتماعي، ومنه العنف الإلكتروني، وإحداث تغيير ثوري في البنى الفكرية والاجتماعية تجاه رفض العنف بكافة اشكاله، وكسر حاجز الصمت المحيط بالعنف، وخاصة المبني على النوع الاجتماعي، وعدم الرضوخ للابتزاز، وتعزيز الثقة ما بين ضحايا العنف ومراكز المساعدة النفسية والاجتماعية والقانونية، وضرورة إقرار قانون حماية الأسرة من العنف، إضافة الى تعزيز الحوار داخل الأسرة والمكاشفة والمتابعة، للحدّ من المؤشرات الخطيرة المرتبطة بالعُنف المبني على النوع الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني.