الصراع على الدين والمجتمع لأجل السياسة



خالد حسن يوسف
2019 / 12 / 7

# الصراع على الدين والمجتمع لأجل السياسة.

السياسي والوزير السابق عبدالرحمن عبدالشكور حتى رفاقه في المعارضة تخلوا عنه، حتى لا يخسروا مؤيديهم، ولأجل ضمان تأثير الهجوم عليه وعلى مستقبله السياسي، ناهيك عن أنه كان حريص على عدم الظهور معهم باستمرار حتى لا ينسب له العصبية القبلية، نظرا لكونهم من مكون مشترك.

ويبدو أن جماعته الحزبية بدورها ستتخلى عنه، وبطبيعة الحال فإن هؤلاء أيضا لن يتعاطفوا معه جميعا في القادم بنفس السياق السابق، لكونهم سيتعرضون لتأثير وذلك بعد التهديدات المباشرة التي تلقاها من المتطرفين دينيا.

لقد إنخرط في لعبة التطرف الديني منذ فترة طويلة وحين أراد أن يجمل صورته، عادت عليه الإشكالية، فسلاح التطرف والارتباط بالمتعصبين دينيا له تبعاته، وفي القادم أولوياته سترتكز على أمنه الشخصي وكيفية مواجهة تعبئة التطرف الديني في حقه، فجميع القوى الدينية يكفرون بعضهم وغيرهم، وهم في ظل واقع صراعات، والمفارقة في الصومال أن الجميع حريص على تقديم ذاته بالعودة إلى رابطته مع رب خاص به، ويرون ذواتهم أنهم أكثر قربا من غيرهم معه.

أما قضايا المرأة فأصبحت بمثابة بقرة حلوب ومحل نزاع ما بين المتطرفين دينيا والسياسيين الفاسدين، ومنذ مقتل الشيخ الصوفي عبدالولي شيخ علي عيلمي، في مدينة جالكعيو، على أيدي حركة الشباب وبتحريض من رجال دين مرتبطين بالحكومة الصومالية، بدأت صراعات بين قوى دينية على خلفية سياسية، واتجهت السلطات لتقارب مع جماعة الاعتصام للاستفادة من حشدها السياسي والاجتماعي، وبغية إضعاف خصومها ممثلين في تنظيم أهل السنة والجماعة الصوفي، والذي يتخذ من المناطق الوسطى مركزا له.

حكومة فرماجو تستثمر في رعاية التطرف الديني والاستعانة بالتدخل الإثيوبي في الصومال، والذي نددت فيه الأمم المتحدة، والذي تمارسه أديس أبابا على صعيدي الصومال وجنوب السودان، وفي المحصلة سوف تحترق بتلك الأوراق.

مأخذ المتطرفين دينيا على عبدالرحمن عبدالشكور، أنه يرى غير رؤيتهم التأويلية، فنصوص الخطاب الديني من القرآن والروايات، التي هوجم على خلفيتها، تعتبر محل إختلاف بين الكثير من النخب الدينية المسلمة، وهي مسائل عفى عليها الزمن، وكتب عنها الكثير تاريخيا.

وبطبيعة الحال فإن ما إنتهى كمحل لنزاع يأتي في ظل دائرة الفرعيات في الأدبيات الاسلامية، وبالمحصلة لا تترتب عليه أحكام دينية، ناهيك عن أنه لا يستحق كل ذلك الجهد والتشنج والتطرف الذي قوبل به، والمسألة ليست بجديدة فقد كانت دوما موضع تباين، وبتالي فإن خصوم السياسي الصومالي والذين أثاروها لم يأتوا بجديد.

إن خطبة عبدالرحمن عبدالشكور لمؤيديه في ألمانيا، أشارت إلى دور المرأة عموما ككائن إنساني قادر على القيام بدور وواجبات مماثلة لم يقوم به الرجل، وعلى ضوء ذلك أستعرض قدرات المستشارة ميركل مستشهدا بتجربة الملكة بلقيس وتزكية الله لها.

وذكر الحديث والرواية التي تتناول أن النساء ناقصات عقل ودين، والغرض منها، وقام بإجراء مقابلة ما بين ظاهر الرواية وما يرى أنه الغرض، مؤكدا أن الصياغ الانتقائي لا يتماشى مع مكانة المرأة والمنزلة التي بلغها كل من الملكة بلقيس والسياسية الألمانية والمرأة الغربية عموما، مشيرا إلى أن هناك من ينالون من نموذجها السياسي والديمقراطي المعاصر بدلا من أن يأخذوا به، وفي ذلك إشارة إلى المتطرفين دينيا.

الإشكالية الكبرى التي يقع فيها التاؤيليين تاريخيا هي خطأ القياس لدى التعاطي مع الأحكام،المواقف والحدود والتشريع عموما، فمن المفارقة استشهادهم برواية أو ما يسمى حديث عند رغبتهم الاستدلال بمسألة معينة، في حين أن هناك نصوص قرآنية ذوي دلالة بالأمر الذي تتناوله الروايات، ورغم ذلك يجنح الكثير إلى الرواية رغم ما يشوبها من ضعف واحتمالية تاركين الاستئناس بالآية القرآنية.

فالحديث أيا كان لا تتجاوز ماهيته أنه ظني في ثبوته ودلالته معا، وبتالي فإن التشكيك فيه لا يستدعي تكفير وتفسيق من يتناوله بالتشكيك أو التاؤيل المختلف عليه.

بالعودة إلى ماهية المفاهيم والمعاني، يقصد بالقرآن كلام الله الذي بلغ الرسول عبر الملك جبريل، وبالنسبة للحديث فهو الكلام النابع من الرسول لصحابته مباشرتا، بينما تعني الرواية خطاب بلغ المسلمين من خلال التناقل المعروف بالعنعنة، والتي مضمونها مرور الكلام في ظل سياق النقل فيما بينهم، وهو لا يمثل بحديث مباشر ما بين الرسول والمسلمين.

وبالتالي فإن كل ما تناقله المسلمين واختلفوا بشأنه والمنسوب إلى الحديث يأتي في إطار الروايات، وينطبق ذلك على غالبية ما ينسب لرسول من روايات، ولو كان حديثا أو سنة مؤكدة عنه ما اختلفوا بصدده.

أما أمر نقصان العقل والدين فهما مسائل مرهونة بالصحة الذهنية والتدين، فعادتا يكون نقصان العقل أو الوعي مرهون بفئات من المجتمع، يأتي الأطفال الصغار في مقدمتهم نظرا لعدم نضوجهم جسمانيا ونفسيا وقلة خبرتهم في الحياة، فئة المرضى النفسيين والذين أصيبوا بخلل ذهني نظرا لإصابة ما، فئة السفهاء وهم السذج والذين وعيهم محدود لأسباب إجتماعية، من تقدموا بالعمر وأصيبوا بمرض ضعف الذاكرة والمقرون بالخرف، الذين سيطر عليهم شرب الكحول والمخدرات ولم يعودوا قادرين على السيطرة على جملتهم العقلية والنفسية، تلك الفئات تقع في دائرة نقصان حضور الذهني والعقلي.

في حين يشمل ضعف التدين الفئات ذاتها ممن يقعون في سياق نقصان العقل، بالإضافة إلى من يغيب عنهم الوازع الديني، من تغول في الفساد والإجرام على تعددهم، لكونهم غير متبعين تعاليم الاسلام والفئة الأخيرة المتسمة بالتغول يطلق عليهم ذلك مجازا وليس لضعف بنيتهم الذهنية خاصة وأنهم يقومون بذلك عن سابق تصور، ولاشك أن بعض نخب المجتمعات المسلمة تندرج في هذا الإطار، ومنهم علماء السوء على تعددهم.

والجدير بالإشارة هو طرح التساؤل، فهل من منطق الاسلام والفكر الانساني إعتبار أن حيض المرأة المانع لصلاة يذهب العقل والوعي؟ بطبيعة الحال إن ذلك مرض أو عرض بدني مؤقت، ويتعرض كل انسان مسلم للإصابة بمرض ما يحول بينه ومزاولة صلاته، ناهيك عن أن هناك الكثير من المسلمين رجالا ونساء ممن لا يقومون أصلا بطقس الصلاة.

وفيما يخص نسب نقصان العقل لنساء المسلمات على خلفية ربط هذه المقولة بآية التداين في سورة البقرة، تؤكد التفسيرات الفقهية أن شهادة إمراتين كمقابل لشهادة الرجل، قد جاءت على خلفية إجتماعية وهي خوف النساء في الجاهلية وصدر الاسلام من الانخراط في تلك المعاملات، والتي تميز بها الرجال لأسباب إجتماعية بحثة وكونها كانت مصحوبة بالنزاع، في حين أن أمر النسيان عادتا مقترن بالإجهاد والانشغال بأمور ما تحول دون التركيز عن مسألة معينة، وهي صفة إجتماعية تصاحب كلا الجنسين وليست مقصورة على النساء.

فكيف يستقيم قول نقصان عقل في حق مرأة مسلمة وهي التي أختارت الاسلام كعقيدة دينية لها؟

كما أن القرآن لم يذكر بصورة جلية نقصان عقل المرأة، وعلى السياق ذاته تم تمرير نقصان ديتها مقابل دية الرجل، دون العودة إلى القرآن، رغم أن كتاب المسلمين أكد على مساواة النفس بالنفس دون تمييز، فحكم الدية المعمول به اسلاميا لا يتجاوز منحى التاؤيل الفقهي الغير متفق عليه، والذي لا يصاحبه سند تشريعي يمكن الركون إليه.

وفي إتجاه أخر فإن التشنج المصاحب لقضايا المرأة المسلمة، من دوافعه قطع الطريق عليها فيما له صلة بحكم المجتمع المسلم، والاستدلال برواية "ما أفلح قوما ولوا أمرهم إمرأة"، والتي تم التشكيك فيها لكونها تندرج في سياق ما يعرف بأحاديث الآحاد، وقد أختلف العلماء المسلمين بشأنها.

ومن ثم حتى يقطعوا الطريق على صاحبة الشأن، وجدوا لذلك مخرج وقسموا قضية ولاية حكم المسلمين إلى العظمى والجزئية، وبرروا توليها الولاية الجزئية(دولة اسلامية معينة)، ورفضوا ولايتها للأولى(مفهوم الخلافة الاسلامية)، بينما أن الترتيبات والأسباب التي ركنوا إليها في حكمهم لا تتجاوز الإجتهاد والتاؤيل الفكري الذي كرسوه وجسدوه كدين.

لقد تناسوا أن القرآن أشار إلى نبوة نساء كمريم بنت عمران وآسيا زوجة فرعون مصر، فلماذا إنتهت نساء خير أهل الأرض إلى أن يصبحنا ناقصات عقل ودين؟ ابتدأ من الصحابيات، بينما هناك من أنزلت عليهم نبوة مباشرة من الله!

لقد أثنى السياسي عبدالرحمن عبدالشكور، على المستشارة ميركل، والتي يمكن إعتبارها أكثر حكمة من الصحابة الذين تصارعوا في حروب الجمل،صفين والنهروان، وذبحوا بعضهم، وفي ظل حضور الاسلام وهم من رافقوا الرسول، فكيف يستقيم ذلك؟!

عموما إن تمرير تلك الصراعات في الأوساط الصومالية، يهدف إلى إشغال المجتمع بمسائل جانبية، والهائه عن قضاياه الحقيقية، بغية إحكام قبضة المتطرفين دينيا والسياسيين الفاسدين على البلاد، لدى تتطلب الضرورة إسقاط حسابتهم، والضغط نحو تكريس خطاب ديني قادر على الإرتفاع بالصوماليين وتلبية حاجاتهم وآمالهم في المستقبل، وبمعزل عن إعادتهم إلى واقع صراعات عقائدية غرق المسلمين فيها لقرون طويلة.

من مآسي المسلمين تناقض إستثناء قبول حكم المرأة لدولهم القطرية،قضائهم ومناصبهم التنفيذية في الحكومة وغيرها، وفي المقابل رفض شهادتها بدعوى أنها ناقصة عقل ودين، وأن يتصدر متطرفين توثيق عقود زواجهم، والصلاة على جثامين موتاهم وإمامة صلواتهم يوميا، وجزئيات طقوسهم الإجتماعية خلال محياهم.