حزب التحرير ينجح في توحيد الرجعيين والظلاميين وقيادتهم



نهاد ابو غوش
2019 / 12 / 24

في المسعى إلى جرّنا إلى مرحلة ما قبل تبلور الهوية الوطنية الجامعة
نجح حزب التحرير الإسلامي في انتحال صفة "عشائر فلسطين"، والنطق باسمها، وتحميلها أفكاره في الموقف من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة باسم (سيداو). ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ينجح فيها هذا الحزب في تمرير مواقفه عبر استخدام واجهات أخرى تبدو أكثر قبولا لدى المجتمع. سبق ذلك ركوب الحزب لموجة الحراك ضد الضمان الاجتماعي، متحالفا مع كثيرين يخالفونه في المنطلقات والأفكار بنوايا طيبة وأخرى غير طيبة، ما ساهم في إجهاض كل جهود الضمان والتي لم تقم لها قائمة بعد سحب الموضوع من التداول.
كما نجح الحزب في ركوب موجة وقف تميم الداري في الخليل ضد تأجير الكنيسة المسكوبية لمن أسماهم الحزب الصليبيين الروس، وأغرب ما في الأمر هو مشاركة قيادي يحتل أرفع المناصب في منظمة التحرير الفلسطينية في هذا الحراك المعارض للرئيس وقيادة منظمة التحرير، والمعادي لروسيا التي لم تقدم لشعبنا سوى الدعم السياسي والمادي سواء في العهد السوفياتي أو في عهد الرئيس بوتين. وكان غريبا أن تثور ثائرة الحزب والعصبية العشائرية والدينية في وجه تجديد إيجار الكنيسة الروسية ولا تثور ضد مشروع بناء مستوطنة في سوق الخضار في الخليل، ولا احتلال قلب المدينة القديمة ومحيطها بما في ذلك التقسيم الزماني والمكاني للحرم الإبراهيمي، ولا ضد مشاريع التطبيع العلنية بين بعض المشبوهين المنتسبين لعشائر من مدينة الخليل مع المستوطنين الروسية. وعلى ذكر الأوقاف وتأجيرها لغير المسلمين نذكّر أن حزب التحرير صمت وما يزال يصمت صمت القبور على تأجير أراضي جبل الزيتون في القدس للمقبرة اليهودية التي توسعت لتبتلع أحياء الجسمانية ورأس العامود وجبل الزيتون والشياح ووصلت إلى مشارف العيزرية وأبو ديس.
ونحن لا نسمع كثيرا عن حزب التحرير ومواقفه ولا مشاركاته في الحياة العامة داخل فلسطين أو في بلدان العرب والمسلمين بشكل عام، باستثناء المهرجان السنوي الذي يقيمه في ذكرى سقوط الخلافة، وجريدة أسبوعية يوزعها مجانا واسمها "الراية" وكان سابقا يوزع مجلة اسمها الوعي، وربما تختلف أسماء هذه النشرات بين بلد وآخر، ومؤخرا فقط اقام الحزب الدنيا ولم يقعدها ضد قانون منع تزويج القاصرات من دون أن يقترح بديلا لسن ال(18) كسن 17 الذي يعادل تقريبا 18 سنة قمرية، أو 13-15 وهو سن البلوغ لأن بعض الدعاة يجيزون تزويج الطفلة التي دون سن الخمس سنوات إذا كان جسمها يحتمل المواقعة!!.
وأغرب ما يميز حزب التحرير هو موقفه المحايد تجاه الصراع المديد والمرير بين الشعب الفلسطيني والمشروع الصهيوني، أقصى ما يقوم به الحزب هو التفرج والتعليق على ما يجري، ولم يسبق لسلطات الاحتلال أن اعتقلت شخصا بتهمة الانتساب لهذا الحزب ولا فككت خلية له أو عارضت نشاطه باي شكل من الأشكال. ومن نافل القول أن الحزب لم يطلق طلقة ولم ينظم أي فعالية جماهيرية ضد الاحتلال، أقصى ما يقوم به الحزب هو إطلاق الشتائم والسباب على من يسميهم "دولة يهود" ويبدو أنه حذف ال التعريف تصغيرا واحتقارا لهم، ولكن غذا راجعت أدبياتهم تجد أن السباب والشتائم على السلطة والقيادات الفلسطينية أكثر بكثير مما يطلقون على يهود! يكفي مراجعة ما قاله الشيخ عصام عميرة ( من صور باهر في القدس) عن الرئيس محمود عباس، ويمكن العثور على ذلك وببساطة من خلال محركات البحث. وهو نفس الشيخ الذي أعد البيان الصادر عن عشائر الخليل ضد اتفاقية سيداو، وهو أيضا من تحدث باسم عشائر الخليل، وللتذكير ايضا هو نفس الشيخ الذي خطب من على منبر المسجد الأقصى داعيا لتدفيع المسيحيين الجزية دون أن يجرؤ على التعليق على الضرائب التي تفرضها دولة الاحتلال عليه وعلى فلسطينيي القدس وعلى الجزيات بمئات مليارات الدولارات التي غنمها الرئيس ترامب من العرب!
حزب التحرير يتخذ موقفا مؤيدا لهجرة الفلسطينيين عن وطنهم ( مقتديا بشكل تعسفي بفكرة الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة وهجرة المسلمين الأوائل للحبشة) وهو يعتبر كل شهداء الثورة ومنظمة التحرير "فطائس" آه والله بهذا اللفظ الفظيع !! وكاتب هذه السطور سمعها من قادتهم وكوادرهم في سجن المحطة في عمان ومنهم عطا أبو الرشتة الذي أصبح اسمه عطاء وهو أمير الحزب العالمي، وأحمد عطيات وموسى أبو دويح وعبد الرحيم ابو علبة وغيرهم.
ولإراحة نفسه وكوادره من الإجابة على الأسئلة الشائكة يكتفي الحزب بالدعوة إلى نظام الخلافة، وتحريك الجيوش الإسلامية لتحرير فلسطين ( مطالبة الجيوش الباكستانية والاندونيسية والتركية تحديدا بهذه المهمة) أما الذخيرة الأيديولوجية لهذا الحزب فلا تزيد عن ثلاث آيات من سورة المائدة، بل هي خواتيم الآيات 44، 45، 47 " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، ثم ... " اولئك هم الظالمون، ثم...." أولئك الفاسقون".
ولا شك أن حزب التحرير لم يكن له أن يتمادى في كل هذا العبث والتخريب والتدمير لولا التراخي الذي تبديه السلطة والحكومة والفصائل، سواء من خلال التردد في حسم خياراتها الاجتماعية والمدنية، ولغة استرضاء الرجعيين والظلاميين والحرص على عدم إزعاجهم حتى بالوقوف الصريح ضد ما ينض عليه إعلان الاستقلال والقانون الأساسي، أو بالوقوف موقف المتفرج إزاء ما يقوم به حزب التخريب من حملات تخريب متتالية، أو التساوق مع هذا الحزب على قاعدة التحالف مع الشيطان لتمرير أجندات ظلامية ورجعية، ودغدغة النزعات العشائرية والاستقواء بها احيانا.
أما الآن وقد بلغ الضرر مداه، وبات كل مشروعنا الوطني في مهبّ الردة والتبديد، ويحاول الظلاميون سحبنا إلى عهود ما قبل تبلور هويتنا الوطنية الجماعية كشعب، فبات مطلوبا اتخاذ موقف حاسم بسحب كل حلفاء حزب التحرير وإعادتهم إلى مواقعهم الطبيعية، وشن مجابهة سياسية وفكرية حاسمة مع هذا الحزب وأفكاره، وإبداء مزيد من الجرأة في حسم خياراتنا الوطنية والمدنية والاجتماعية بالانحياز المطلق لحقوق الإنسان مواءمة القوانين والتشريعات الفلسطينية وتجفيف المستنقعات التي يرتع فيها حزب التحرير.