حول المساواة التامة بين المراة والرجل



سيزار ماثيوس
2019 / 12 / 31

"فقط بأشتراك المرأة تنتصر الإشتراكية "
كلارا زيتكن (نسوية اشتراكية المانية)

عندما نتكلم عن المساواة التامة بين المرأة والرجل نحن لا نتكلم عن مجرد قوانين موضوعية وحقوق اساسية وانما نتكلم عن كيفية النضال ضد المجتمعات الطبقية الابوية والاضطهاد الذي تعانيه المراة يوميا من قبل المجتمعات الشرق اوسطية بشكل خاص من الحرمان والقتل والحجر الذي يمارسه الرجل الشرقي تجاه المراة بحجة الاستناد التاريخي للتقاليد والموروث الديني ، وانه استمد هذا الحق من الشريعة .
أن سبب اضطهاد المرأة هو رغبة الرجال في الهيمنة والسيطرة على النساء، وفرض أطر ذكورية اجتماعية قمعية يتم من خلالها اضطهاد المرأة. وبالتالي لا سبيل للخلاص من هذا الاضطهاد إلا بهدم هذه الأطر عن طريق نضال النساء بمختلف طبقاتهن في مواجهة القمع الذكوري أيا كان مصدره الطبقي والاجتماعي ففي مجتمعاتنا تحرم المرأة بشكل رسمي وقانوني من نفس تلك الحقوق والحريات المحدودة والبسيطة التي يتمتع بها الرجل.
حيث انه في البلدان ذات الاقتصاد الأكثر تخلفا والمجتمعات التي يكون فيها نفوذ سلطات رجال الدين والتقاليد البالية على النظام السياسي والإداري والثقافي للمجتمع اكثر عمقا، يتجلى اضطهاد المرأة وحرمانها من الحقوق ومكانتها الدنيا بأوضح الأشكال وابشعها وان اضطهاد المرأة يأتي من مجموعة من الافكار والتصورات المتخلفة تكرست عبر حقب زمنية طويلة رسخت في الخيال المريض للرجل منها على سبيل المثال التخوف من ان تكون اكثر تفوقا منه في المجالات المختلفة فالرجل الشرقي الرجعي لا يريد ان تتفوق عليه المراة بذكائها وفطنتها حيث يرى ذلك عيبا اخلاقيا وانتقاص من دوره الاجتماعي فهو يعتبرها اداة للعمل المنزلي واعداد والطعام ومادة جنسية للاستمتاع من دون ان يشعر ولو ببعض الشيء من انها انسانه يحق لها ان تعيش بكرامة وحرية ومساواة.

ان النضال النسوي من اجل التحرر والمساواة لم يكن حديث اليوم وانما هو عبارة عن تراكمات النظام الرأسمالي التي كانت تهدف الى تكريس الاستغلال لقوة المرأة عن طريق الترويج للافكار والمعتقدات الرجعية التي مهمتها الانتقاص من المراة وتقليل من مكانتها الاجتماعية وحصر دورها في المنزل والعمل المنزلي واستعبادها من قبل الذكر و الترويج الى ان التحرر والمساواة للمرأة هو بداية طريق الى الانحراف وما الى ذلك ويتم استثناء الرجل من اي تعريف للانحلال الاخلاقي وكان الرجل اله مُنزل ومتجسد.
وهذا الامر ياخذنا الى التساؤل حول ما هو تحرر المراة
تحرر المرأة في اطر البروباغندا الذكورية والابوية تتلخص في ان المراة ان تحررت انحرفت وامور تمثل العقل المريض للرجل الذي يعتبر المرأة كاداة للجنس فنجد في الكثير من الاوقات يتم الكلام عن التحرر والمساواة هو ان تكون بدون شرف او ان تكون المراة عارية والعديد من التعريفات الرجعية التي لها اسس وخلفية ناتجة من النظام الابوي البطريركي .
حيث ان تحرر المراة يكمن بالعديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية مثل تحررها من عبودية العمل المنزلي (العمل غير مدفوع الثمن) والاستقلال الاقتصادي والفكري والذاتي بدخولها ميدان العمل الصناعي والوظيفي ، ان تحررها يعني خروجها عن قيود النظام الابوي البطريركي الذكوري .
عبرت الكاتبة والسياسية نوال السعداوي حول ان الرأسمالية تنظر للمراة عموما وفي الشرق الاوسط خصوصا على انها سلعة اذا تعرت كانت سلعة للجنس وان تنقبت كانت سلعة للتجارة في الدين مما يعلل ضرورة تحرر المرأة فكريا من الرجعية الابوية البطريركية التي تعاقبت عبر الاجيال وتحولت الى عادات وفرائض على المرأة تنفيذها فان خالفتها لها مصير غير مرغوب وهو الموت هذا كله نتيجة التقاليد الدينية والاعراف الاجتماعية التي ترتب عليها عقوبات عديدة ضد المرأة مثل جرائم الشرف والحجر المنزلي والضرب ..الخ حيث تعتبر هذ الجرائم التي تمارس بحق المرأة ظلما حيث تخول التقاليد الرجعية قتل المرأة لمجرد الشك فيها ومرت علينا العديد من الحوادث مثل حادثة العروس في النجف التي قتلت فقط لمجرد شك زوجها بانها ليست عذراء والقانون لم يعاقبه بعد اكتشاف انها حالة طبيعية لدى معظم النساء .

فرض الطاعة للرجل سواء كان الاب/الاخ/الزوج/او احد الاقارب
وهي العادات المتخلفة التي نراها في اغلب ان لم يكن جميع البلدان الاسلامية يفرض نظام ابوي عشائري بطريركي تحت مسمى الوصاية او والولاية الذي يطبق بشكل علني وصريح في باكستان وافغانستان وايران والسعودية وهو منع المراة من الخروج والحياة وربما التنفس دون اخذ اذن مسبق لهذا .
تحت مسمى الطاعة او الاسم الاصح العبودية المباشرة حيث يوميا تحدث الاف الجرائم على يد الاسر وانهاء لحياة العديد من النساء تحت مسمى انها خرجت من الطريق .
وقد لاحظنا في العراق العديد من عمليات قتل النساء اليومية المعلنة وغير المعلنة مثل قتل تارا فارس ورفيف الياسري وغيرهما مما يثبت ان النظام الطائفي المليشياتي في العراق بشكل خاص يتنكر لابسط حقوق للمرأة ويريد حجرها في بيتها وقد لايكون لها حقوق هناك ايضا.
ان تحرر المرأة يكمن بتحرير المجتمع رجالا ونساء من التمايز الطبقي والظلم الاجتماعي وبنضال القوى الاشتراكية والحركات النسوية للشروع بالقضاء على التمييز ضد المراة ويتضمن ذلك :
1- الإعلان قانونيا عن المساواة الكاملة وبدون قيد أو شرط بين المرأة والرجل في الحقوق المدنية والفردية وإلغاء سائر القوانين والمقررات المناقضة لذلك .ً.
2- المساواة التامة بين المرأة والرجل في المشاركة في الحياة السياسية للمجتمع في مختلف الأصعدة. حق المرأة في المشاركة في الانتخابات في كافة المستويات وتبوأ وتولي مختلف المناصب والمسؤوليات، سواء السياسية أو الإدارية والقضائية أو غيرها. إلغاء كل القوانين والمقررات التي تحد من حق المرأة في المشاركة المتساوية في الحياة السياسية والإدارية للمجتمع ..
3-المساواة الكاملة في الحقوق والمكانة القانونية للمرأة والرجل في الأسرة. إلغاء امتيازات الرجل ك " رب العائلة " وتثبيت الحقوق والواجبات المتساوية للمرأة والرجل فيما يتعلق برعاية الأطفال وتربيتهم، السيطرة وإدارة الأموال والأمور المالية للأسرة، الميراث، اختيار مكان العيش والسكن، العمل المنزلي والعمل الحرفي، الطلاق، رعاية الأطفال عند الانفصال وتوزيع وتملك أموال الأسرة. منع تعدد الزوجات.
4- إلغاء كافة الالتزامات المسببة لخضوع الزوجة للزوج في الشرائع والتقاليد القديمة. منع إقامة الصلات الجنسية من قبل الزوج مع الزوجة رغماً عنها، حتى وان لم يرافقه استعمال الخشونة. ينبغي متابعة وتقديم هذه الحالات إلى المحاكمة عند شكوى الزوجة منها بوصفها اغتصاباً جنسياً من قبل الزوج.
5- منع فرض العمل المنزلي أو وظائف خاصة تخص أمور المنزل على الزوجة في الأسرة. فرض عقوبات قاسية على كافة أشكال الأذى، الترهيب، سلب الحرية، الإهانة واللجوء إلى العنف بحق الزوجة والبنات في الأسرة واقامة ندوات وحملات توعية وسن قوانين للمساوة بينهم في الحياة المنزلية .
6-المساواة التامة بين المرأة والرجل في الميدان الاقتصادي والعمل المهني. شمول المرأة والرجل بقوانين العمل والضمانات الاجتماعية بالتساوي دون أي نوع من التمييز. الأجر المتساوي للمرأة والرجل إزاء العمل المتشابه. إلغاء كل القيود أمام تولي الأعمال والحرف المختلفة من قبل المرأة. المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في جميع الأمور المتعلقة بالأجور، الضمانات، الإجازات، ساعات ووجبات العمل، تقسيم العمل، تسلسل رتب الأعمال، الارتقاء المهني وتمثيل العمال في مختلف الأصعدة. إقرار وتنفيذ المقررات والضوابط الخاصة في المؤسسات لتأمين استمرارية العمل المهني والحرفي للمرأة، مثل منع إخراج الحوامل من العمل، منع تكليف الحوامل بالأعمال الشاقة وإيجاد التسهيلات الخاصة اللازمة للمرأة في محل العمل. اجازة مدتها ١٦ أسبوعاً للمرأة أثناء فترة الحمل والولادة وإجازة سنة لرعاية المولود والتي ينبغي استفادة الزوج والزوجة كلاهما منها حسب اتفاق بينهما. تشكيل لجان التفتيش والسيطرة مهمتها الأشراف على تطبيق الالتزامات الآنفة الذكر من قبل المؤسسات ..
تشكيل هيئات لغرض التحديد والتحكيم في موضوع مساواة حقوق المرأة والرجل في التشغيل المهني وأماكن العمل سواء كانت تابعة للدولة أو غير تابعة لها، تدر الأرباح أو لا تدر. المتابعة القانونية وإصدار العقوبات الشديدة بحق المؤسسات والمدراء الذين يخرقون مبدأ المساواة المطلقة بين المرأة والرجل في النشاطات المهنية.
إقامة المؤسسات والمراكز والتهيئة المجانية لتسهيلات مثل دور الحضانة ورياض الاطفال ومراكز التسلية-التربوية للأطفال على الصعيد المحلي التي تسهل، مع الأخذ بنظر الاعتبار الضغوطات الواقعة على المرأة وحدها في الظروف الحالية في مجال العمل المنزلي ورعاية الأطفال، دخولَ المرأة إلى النشاط الاقتصادي والسياسي والثقافي خارج نطاق الأسرة ..
7-إلغاء كافة القوانين والمقررات والتقاليد والأعراف المقيدة والمتخلفة الأخلاقية، الثقافية والخلقية المنافية لاستقلال المرأة وأرادتها المستقلة وشخصيتها بوصفها مواطنة متساوية الحقوق في المجتمع. إلغاء كل أشكال القيود على حق السفر والتنقل للمرأة حسب رغبتها وإرادتها، سواء المتزوجة أو غير المتزوجة، داخل البلاد وخارجها. إلغاء جميع القوانين والمقررات التي تقيد وتحد من حرية المرأة في اختيار ما تلبس، واختيار العمل والمعاشرة. منع شتى أشكال الفصل بين المرأة والرجل في المؤسسات والتجمعات والاجتماعات وفي الشوارع وفي وسائل النقل العامة. التربية والتعليم المختلط في جميع المراحل. منع كل أشكال التدخل من قبل أي مرجع كان سواء الأقرباء والأصحاب أو المؤسسات والمراجع الرسمية في الحياة الخاصة والعلاقات الشخصية والعاطفية والجنسية للمرأة.
8- منع كل أشكال التعامل المهين والذكوري والأبوي واللامتساوي مع المرأة في الأجهزة والمؤسسات الإجتماعية. منع ذكر الجنس في إعلانات العمل. حذف كل ما يشير إلى التمييز والإهانة للمرأة من الكتب والمراجع المدرسية وبالمقابل إحلال المواد الدراسية اللازمة لتعليم وإشاعة مساواة المرأة مع الرجل ونقد مختلف أشكال اضطهاد المرأة في المجتمع. إقامة مؤسسات التفتيش،تحديد الجريمة ووحدات انضباطية خاصة بالتعامل مع حالات الإساءة والتمييز بحق المرأة.
9- بذل المساعي المكثفة والمباشرة من قبل مؤسسات الدولة ذات العلاقة من أجل النضال ضد الثقافة البطريركية والمعادية للمرأة في المجتمع. تشجيع وتقوية المؤسسات غير الحكومية المهتمة بكسب وتثبيت المساواة بين المرأة والرجل.
10- حق الامومة للمرأة... في حال رغبتها في ان تكون ام بدون الخوض في مسالة الزواج عن طريق وضع قوانين وانظمة للام العازبة وهو حق مكفول ومصان دوليا وحق الام في ضم الاولاد لحضانتها في حالة الطلاق كونها هي التي حملت وعانت اكثر من الرجل في فترة قدرها 9 اشهر او اقل حق الام في اعطاء جنسيتها لاولادها في حال الزواج من رجل من غير جنسية وان لا تقتصر على الاب وحق الام في تسمية الاطفال في حال عدم الوصول لاتفاق حول الموضوع من الزوج.
خاتمة
النضال المطلبي والدعائي والتحريضي خطوة اولى في طريق تحرر المرأة ، لكنها تبقى مجرد خطوة لن تصل الى نهايتها ثم ان هذا النضال يجب ان لا يركز على اساس الصراع مع المجتمع الذكوري فحسب ، بل على اساس الصراع ضد المجتمع الطبقي بشكل اساسي . الوعي الاجتماعي القائم نتاج لطبقية المجتمع وتخلفه ، مجتمعاتنا في معظمها لم تتجاوز المراحل البطريركية والرعوية نصف الاقطاعية رغم قشرة المدنية ، تتكون النظرة المساواتية الانسانية عند المرأة والرجل معا في معمعان النضال الثوري لتحرير المجتمع (النساء والرجال )من الاستغلال والاستثمار والظلم الطبقي من الرأسمالية وشرورها الذين يملكون الثروات والمتع والرفاه هم اقلية تتحكم بكل شيء حتى بوعينا ومصيرنا ، الاغلبية الساحقة من النساء والرجال مقهورون بفعل سلطة راس المال والمجتمع الطبقي وما تنتجه من قيم واخلاق : تمييز ، دونية ، احتقار استغلال العمل الفقر التخلف وقتل المراة . وفي هذا السياق الاجتماعي الطبقي فان حجر المرأة في البيت هو الذي يسبب ما يسمونه ((نقصان عقلها )) انه نقص في الوعي الاجتماعي وليس في قدرة العقل والنفس والجسد على التفكير والفعل والتغيير .
وفي نهاية المطاف لا تكفي شعارات الحرية والمساواة لتحرير المرأة بدون العمل السياسي والاجتماعي الواسع والمنظم لتحرير المجتمع برمته من الاضطهاد والاستغلال والتخلف .