إيران وسياسات حظر الاختلاط بين الجنسين



أحمد الهدهد
2020 / 1 / 24

تلعب الانتخابات الرئاسية في إيران دورا كبيرا في رسم سياسة الحكومة في التعاطي مع العديد من القضايا الاجتماعية التي تهم المجتمع. لذا يكون هنالك قدر كبير من الخوف بشأن ما ستترجم إليه نتائج أي انتخابات، خاصة فيما يتعلق بالفضاء الثقافي والحريات المدنية والأعراف العامة وغيرها من القضايا المماثلة. بالنسبة للعائلة الإيرانية بشكل خاص، ذات التوجه الإسلامي أو العلماني على حد سواء، كيف سيتم التعامل مع القواعد العملية للحجاب وطبيعة التنشئة الاجتماعية بين الذكور والإناث في الأماكن العامة. لكن ما يمكن إن يعتبر أكثر إثارة للقلق هو الاضطرار لتطبيق قواعد الحجاب حتى في المنازل الخاصة حتى تصبح عادة.
في العديد من الأحيان، كانت تثار الشكوك حول فكرة إن الحجاب يمثل مجرد تحكم في الرغبة الجنسية بين الجنسين. باعتباره وسيلة للتأكد من أن الرجال البالغين لا تتطلع إلى النساء غير المحرمات بشهوة. تفترض مثل هذه الحجة وجود علاقة جنسية متباينة "طبيعية، فطرية" - وهو أمر لم يفترضه الفكر الإسلامي الكلاسيكي. علاوة على ذلك، بغض النظر عن المقصود من طرف أي مؤسسة أو ممارسة يومية للقيام بها، فقد تكون آثاره الثقافية العامة مختلفة تمامًا. إذا حولنا بنان تفكيرنا بعيدًا عن التأثيرات المستهدفة بالحجاب، فما الآثار الثقافية التي قد يولدها الحجاب وما قد تخبرنا عن الطرق التي يمكن بها للثقافة اليومية في إيران أن تشكله من أنماط النشاط الجنسي؟
استمرارا مع هذه الفكرة، التأمل في الممارسات اليومية للحجاب - بمعنى النمط الذي يتبع من اجل تغطية ما يجب عدم النظر أليه من قبل الجنس الآخر. بعبارات عامة، ما تتعلمه الإناث الشابات، كممارسة يومية، أن فئات معينة من الذكور لا ينبغي أن تكون قادرة على النظر إليها بالطريقة نفسها المسموح بها للإناث المشابهات، فإن تأثير هذه التكرار المنتظم في الأداء هو بمثابة تحريض على تغاير الجنس؛ يبدو الأمر كما لو أنه يتم إخبار المرء مرارًا وتكرارًا بمن الذي قد نرغب به (وبالتالي يجب أن نتحكم بذلك) ومن من المفترض أن نتحاشى الرغبة به.

في المجتمعات الثقافية ذات الفصل الجنسي، ينظم الفضاء الاجتماعي بشدة، عن طريق اللوائح الثقافية والدينية والقانونية الأخرى للممارسات الجنسية المشروعة وغير المشروعة، إلى أن الرجال والنساء يرغبون في بعضهم البعض. لذا فان هذه اللوائح تتحكم في مشاعر الرغبة من خلال توليد الرغبة. الوصاية الثقافية الضمنية - أنت لا تريد / لن ترغب في واحد من مثل نوعك - تعمل بطرق عكسية، يصبح الفرد محكوما من خلال وصاية أخرى؛ تلك التي نشير إليها عادة باسم الرغبة المحرمة.
تشكل قواعد الحجاب معادلة بين الرجال والنساء ذوي القربى (أولئك الذين لا توجد إمكانية لأقامه أي جنس معهم بصورة شرعية) وجميع النساء (أو جميع الرجال). قد ينظر الرجال إلى جميع الرجال، بغض النظر عن أي خصوصية أخرى. كذلك لا تحتاج النساء إلى ممارسة قواعد الحجاب تحت أعين نساء أخريات أو رجال من المحارم - ما يجعلهم مجتمعين ضمن فئة واحدة هي وصاية الرغبة: أنت لا تريد / لن ترغب (بهؤلاء الناس).
عندما أدلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بتصريحه سيء السمعة أثناء ظهوره في جامعة كولومبيا في سبتمبر / أيلول 2007 قائلًا: "في إيران، ليس لدينا مثليون جنسياً مثل بلدكم"، ضحك العالم اجمع على سخافة هذا الادعاء.
في "السياسة الجنسية في إيران الحديثة" ، شهد الوضع بالنسبة للمثليين جنسياً في ظل نظام أحمدي تعسفا شديدا : إذ بينما تتطلب الشريعة الإسلامية الاعتراف الفعلي للمتهمين أو أربعة من الشهود الذين شهدوا الحادثة ، بحث السلطات فقط عن أدلة طبية على العلاقات الجنسية المثلية ، وعند العثور على مثل هذه الأدلة ، فإنها تصدر حكم الإعدام ، ولأن إعدام الرجال بتهمة المثلية الجنسية يثير غضبًا دوليًا ، فقد مالت الدولة إلى مضاعفة هذه الاتهامات بإضافة اتهامات أخرى ، مثل الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال: أدى الاستخدام المستمر لهذه الأساليب إلى تقويض وضع مجتمع المثليين في إيران وتخفيف تعاطف الرأي العام معهم ، وفي الوقت نفسه ، يعتقد الكثير من الإيرانيين أن الاعتداء الجنسي على الأطفال منتشر في مدينتي قم ومشد الدينية ، بما في ذلك في المدارس الدينية ، حيث الزواج المؤقت والدعارة من الممارسات الشائعة أيضًا.
كذلك يرجع للأذهان ما تسبب به النظام من مشكلة كبيرة خلال الحرب مع العراق، إذ زادت الحرب بين إيران والعراق (1980-1988) من مساحات مثلي الجنس: سواء بالنسبة للذكور الذين قاتلوا على الحدود وبالنسبة للنساء الذين تجمعوا في أماكن مثل المساجد الداخلية لدعم بعضهم البعض ودعم الجهد الحربي. علاوة على ذلك، في الفضاء الاستثنائي الذي تم إنشاؤه كنتيجة للحرب، الأدب الديني كان ذو آثار واضحة على الحالة الإنسانية الجنسية. لذلك على الرغم من أن أسلوب الحياة العلني للمثليين أصبح مجرماً ولم يتم التسامح معه، فقد تم الترويج للمثلية العسكرية الدينية. تجلت في أشكال مختلفة، مثل أغاني ساحة المعركة، والشعر، والنصوص الأدبية.
التناقضات هي العنوان الأكبر والأكثر تعبيرًا عن الحياة في إيران، هذا لأن إيران تلزم مواطنيها بالتشدد في مظاهرهم وأسلوب حياتهم وتفرض عليهم قيودًا تبدأ بالجلد وتنتهي بالإعدام، فالقوانين الإيرانية عادة ما يتم إصدارها عن رجال الدين الذين استولوا على الحكم عام 1979، قبل أن يتم إزالة الشاه من السلطة بسبب الثورة الإسلامية الإيرانية.
ومع ذلك من التناقض أن نعرف أن خلف سياسات حظر الاختلاط بين الجنسين وفرض الحجاب على الفتيات من سن التاسعة، أن تكون إيران من إحدى أكثر الدول فعلاً للمحرمات الممنوعة دينيًا وقانونيًا في البلاد، هذا إن الإيرانيين لم يتخلوا عن رغبتهم في الاندماج بالثقافة الغربية والاستمتاع بها حتى لو وراء الأبواب المغلقة أو من فوق القانون، فهناك انفصال واضح بين الشباب والحكومة الإيرانية، وبين ما يرغب الشعب بمعاصرته وما تمنعه السلطات بشكل صارم.