بمناسب مرور 20عاما على وفاة المرحومة والدتي-امراة وقضية



مازن الشيخ
2020 / 1 / 29

في عام 1910ولدت امي العزيزة,بعدانتهاء الحرب العالمية الاولى فتحت اول مدرسة للبنات في الموصل,ولأن والدها كان انسانا مثقفا واسع الاطلاع ومحبا للعلم ,فقد قررأن يسجل ابنته,الوحيدة,فيها,كان يتولى بنفسه ايقاضها صباحا,ويهيئ لها فطورها,ويصحبها الى باب المدرسة ويعود لانتظارها بعد نهاية الدوام
كانت منذ نعومة اضفارها تواقة للتعلم ,قوية الحفظ,عشقت مدرستها,وكانت تأمل ان تحقق امانيها وطموحاتهاعن طريق العلم والمعرفة,لكن سرعان ما بدأ حلمها يتبدد,بسبب تدخل والدتها في الموضوع ورفضت ان تستمربالذهاب الى المدرسة لانها اصبحت كبيرة,خصوصا انه في ذلك الوقت كانت العادات والتقاليد تحرم على النساء مغادرة البيت الا في الحالات الضرورة,فاجبرت على ترك المدرسة
تقول المرحومة والدتي:-كنت اشعربالالم والحسرة,وابكي كثيرا واتوسل الى والدتي بان تمنحني الفرصة للتعلم,لكن تمسكها بالعادات والتقاليد كانت اقوى من تعاطفها مع رغبة ابنتها الوحيدة
مضت الايام وتزوجت والدتي,وكان اول اهدافها ان تعوض في اولادها مافاتها وحرمت منه,فحرصت على تعليمهم وتشجعهم على الدراسة والتحصيل العلمي,وعلى الرغم من انها,وككل نساء ذلك الزمن قد خلفت تسعة,اربعة ذكوروخمسة اناث,الا انها تمكنت من جعل ثمانية منهم يحصلون على شهادات دراسية جيدة ,ومنهاعليا
كانت رحمها الله قوية الذاكرة,محبة للتعلم والاطلاع,فكانت دائمة الانصات الى البرامج الثقافية والعلمية التي تذاع من الراديو وبعده عن طريق التلفزيون,فاصبحت على معرفة ودراية واسعة,ونادرا ماكنت تسالها عن امرما,دون ان تجيبك,باسهاب وتغاصيل مذهلة,كانت شديدة الذكاء متوقدة الذهن قوية الذاكرة,الى حد لايصدق
وانا على يقين تام بأنها لو كان قدرلها الاستمرار بالدراسة لكانت حصلت على اعلى الشهادات الدراسية
اليوم مضى على وفاتها 20عاما,رحلت وهي تناهزال90عاما,رغم ان الاعماربيد الله,الا انها ساهمت ايضا في رعاية صحتها,حيث كانت حريصة على الوقاية من الامراض ولم تهمل الغحص الدوري الوقائي,اي ذات ثقافة صحية عالية
ولااريد ان اسهب اكثر,لأن الغرض من هذا الاستعراض والذي ربما يعتبره البعض مسألة شخصية,لكن في حقيقة الامر اني ادرجت هذه المقدمة من اجل
الاشارة الى انه ,ورغم التقدم الملموس,على حق المراة بالتعلم مقارنة بذلك الزمان,فانه لازالت هناك حالات كثيرة,في مجتمعنا تعتمد نفس الاساليب والمفاهيم,وتخضع لحكم تأثيرالعادات والتقاليد البالية التي ابتلت بها مجتمعاتنا,سواءا داخل المدن الكبيرة,أو في الريف,حيث لازالت المراة دون قيمة انسانية,لائقة,محرومة من فرص التعلم وممارسة حرية التفكير واتخاذ القرار
عندما كنت اجلس الى المرحومة والدتي واستمع اليها,كنت اتحسرمن كل قلبي على ضياع فرصتها بالدراسة والتحصيل العلمي
واتساءل:-
ياترى كم انجيلا ميركل وكم انديراغاندي وكم مدام كوري,أوالام تيريزا,أوأم كلثوم او فاتن حمامة,وغيرهم الالاف من مشاهيرالنساء,موجودين فعلا في مجتمعاتنا,المحافظةعلى التخلف والرجعية,وبسبب ذلك فقدوفرصا كبيرة وعظيمة كان يمكن ان ترفع من شانهم وشان الاجيال,والاوطان التي انتموا اليها؟
أي كما قال حافظ ابراهيم(الام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق)
ان العادات والتقاليد والقيم,ليست الا حجة,يتسلح بها المتخلفون والذين يتغطون بالدين والقيم من اجل تمريرافكارهم ومبادئهم المريضة,والتي اساسها انهم,انفسهم,قد تربوامن قبل نساء مستلبات,وفاقدالشئ لايعطيه,لذلك تتناوب الامراض والعقد النفسية ,وتصبح سلاحا فتاكا,يقاوم كل محاولة للاصلاح والتمدن
عزائي وانا انعى والدتي كما تعودت كل ماتحل ذكرى وفاتها,انها ناضلت من اجل قضية وحققت حلمها رغم العوائق,ليس لانها والدتي الا انها كانت انسانة تستحق كل احترام وتقدير,واتمنى ان تنال منكم الدعاء لها بالرحمة والمغفرة وبمكافئتها بالفردوس,وبقراءة سورة الفاتحة على روحها الطاهرة
رحمك الله ياوالدتي العزيزة واسكنك فسيح جناته
الفاتحة