استرجاع حق المرأة في ممارسة الكتابة



دنيس اسعد
2006 / 6 / 2

ادب
استرجاع حق المرأة في ممارسة الكتابة

لولا حكايات شهرزاد ومعلومات الجارية تودد وريادة مي زيادة ونازك الملائكة وتمرد نوال السعداوي وغادة السمان، وجرأة أحلام مستغانمي ووعي رضوى عاشور وباقي أديبات هذا العصر، لما بدأت عملية استرجاع الحق المسلوب، حق النساء بامتلاك اللغة وممارسة عملية الكتابة.
دنيس اسعد

قراءة لكتاب: المرأة واللغة
تأليف:عبد الله محمد الغذامي
اصدار: المركز الثقافي العربي

الدار البيضاء - بيروت 1996



"هل انحازت اللغة الى الرجل؟ وهل تم تذكير اللغة نهائيا؟ ام ان هناك مجالا للتأنيث؟" هذا هو السؤال الذي يطرحه كتاب "المرأة واللغة"، وهو محاولة لبحث تأثير السيطرة الذكورية في مجال الكتابة واللغة، على مدى مقدرة النساء في التعامل مع اللغة وعملية الكتابة.

يحاول المؤلف جهده الجواب على هذا السؤال من خلال فصول الكتاب الثمانية. فهو يستعرض تاريخ تعامل المجتمع العربي الاسلامي مع المرأة، ومدى تأثير هذا التوجه على تعامل المرأة مع اللغة. يقتبس الكاتب مفكرين عرب واجانب، امثال الجاحظ وفوكو، ويستشهد بكتابات نساء امثال نازك الملائكة ومي زيادة، الرائدات في مجال الكتابة النسائية، ثم نوال السعداوي، غادة السمان، فاطمة المرنيسي، احلام مستغانمي، رضوى عاشور، رجاء عالم وسحر خليفة الفلسطينية.

يؤكد الكاتب على ان حق المرأة في اللغة هو حق اصلي، وان "موقف الدين بوصفه وحيا منزلا، وبوصفه دين الفطرة، يعطي المرأة حقها الطبيعي"، ولكن المجتمع بتعامله السلبي مع المرأة يقلل من قدرها ويعزلها عن الثقافة.

في البداية اتخذت المرأة دور الحكواتية، متمثلة بدور شهرزاد. الشخصية التي تمكنت من ترويض الملك شهريار من خلال رواية الف قصة وقصة. وكان صوت شهرزاد لا يُسمع الا في الليل، اما في الصباح فكانت تسكت عن الكلام المباح. ولم تكن تتكلم الا وهي في مخدعها. كما انها لم تدوّن حكاياتها، بل سجّلها رجال اضافوا تفاصيل لم تذكرها شهرزاد، واغلبها نصوص تحمل افكارا تخدم الفكر الذكوري المسيطر، فالرجل هو الآمر الناهي والمرأة هي الخاضعة للتنفيذ.

بعد ذلك اصبحت الثقافة من نصيب الجاريات فقط، مما رفع ثمنهن. فقد كانت وظيفة الجارية تسلية سيدها في جميع المجالات، اما السيدة الحرة فكان عليها ان تبقى جاهلة.
ويورد المؤلف قصة الجارية "تودد" التي ترويها شهرزاد خلال 48 ليلة. تودد هي جارية ذكية جداً يمتلكها سيد مفلس، تقوم بانقاذ سيدها بذكائها وكثرة معلوماتها، وتستطيع التغلب على جميع الرجال الذين كانوا متأكدين بانهم سيتغلبون عليها بسهولة في مجال العلم والمعرفة، فيحصل سيدها على المال من الخليفة. ولكن المؤلف يلفت انتباهنا الى ان معلومات الجارية تودد هي معلومات حفظتها عن ظهر قلب، وأعادت بذلك انتاج الثقافة الذكورية. تودد، يقول المؤلف، لم تبدع انما حفظت ما تلقنته. والمستفيد الوحيد من ذلك كان سيدها الذي ربح 100 الف درهم. اما هي فبقيت جارية.
في مرحلة متأخرة حاول بعض النساء ممارسة الكتابة كالخنساء التي رثت اخويها. غير ان المرأة بقيت "عنصرا هامشيا ولم تسهم في صناعة الكتابة ولا في انتاج المكتوب، وكانت مجرد موضوع ادبي... وظلت ذات وجود عابر تستعير لغة الرجل ومدينته استعارة مؤقتة...".
استمر هذا الوضع حتى اوائل القرن العشرين، حين ظهر جيل الرائدات، وابرزهن مي زيادة التي "ترمز الى جيل نسوي ظهر مع مطلع القرن العشرين متمثلاً باعداد من النساء العربيات اللواتي اخذن بمحاولة الدخول الى اللغة، وحاولن ان يتكلمن بلغة لم يكنّ موجودات فيها...". المرأة في هذا العصر ليست كشهرزاد التي تحكي لتروض زوجها المتوحش، ولا تودد الجارية التي ترضي سيدها وتسليه، انما هي سيدة وليست جارية. ولكن هذه الكتابة لها ثمن باهظ، فمي زيادة كما نازك الملائكة انهتا حياتهما في مشفى للامراض العقلية.
بعد هذا الجيل، في الخمسينات من القرن الماضي، ظهرت كاتبات امثال غادة السمان ونوال السعداوي، اللواتي يمثلن جيلاً من النساء واجهن مشكلة الجمع بين الكتابة بوصفها عملية رجولية وبين انوثتهن. وكان ان اخترن التنازل عن جوانب معينة من انوثتهن... "لان النموذج المحتذى في الكتابة هو النموذج الذكوري، بينما لا يحمل نموذج الانثى سوى صورة الجاهلة الامية".

في اواخر الثمانينات اصدرت الكاتبة الجريئة احلام مستغانمي كتابها "ذاكرة الجسد". وهو في رأي المؤلف بداية تأنيث "اللغة"، التي هي اصلا كلمة مؤنثة. ويعني ذلك ان المرأة بدأت تكتب عن تجربتها من وجهة نظرها دون ان تقلد الرجل في كتابتها.

الكاتبات رضوى عاشور، رجاء عالم، اميمة الخميس، منيرة الغدير وسحر خليفة، يحاولن تأنيث الذاكرة، "لانه ما لم تتأنث الذاكرة، فان اللغة ستظل رجلا، ولن تجد المرأة مكانا في خزان اللغة المكتنز بالرجولة". هذا ما ادركته المرأة بعد تجربتها في الكتابة. فنساء الجيل الراهن يبحثن في الذاكرة الجماعية عن نساء ابدعن عبر التاريخ، ولكنهن هُمّشن ولم يُسمع صوتهن. ان هؤلاء الكاتبات يحاولن رد الاعتبار للنساء عبر التاريخ وليس فقط في الحاضر.

في الفصل الاخير يلخص الكاتب رده على السؤال الذي طرحه في البداية، ويعطي جميع النساء من شهرزاد وتودد والاخريات حقهن في عملية ارجاع الكتابة (وهي الحق المسلوب) للمرأة، فلولا حكايات شهرزاد ومعلومات تودد وريادة مي زيادة ونازك الملائكة وتمرد نوال السعداوي وغادة السمان، وجرأة احلام مستغانمي ووعي رضوى عاشور وباقي اديبات هذا العصر، لما بدأت عملية استرجاع الحق المسلوب، حق النساء بامتلاك اللغة وممارسة عملية الكتابة.

ينهي المؤلف بحثه متفائلاً، ويقول انه لا بد من تأنيث اللغة، "ان المرأة الجديدة تسير باتجاهه بوعي واضح وابداعية واثقة".

كتاب "اللغة والمرأة" هو كتاب يفتح لنا آفاقا للتفكير لم تكن مطروقة سابقاً. ولكنه يبقى، رغم جميع محاولاته الجادة، رجلاً يرى الامور من وجهة نظر ذكورية. ولعل أبرز ما يمثل هذا التوجه هو تقليله من قيمة مهارة الحكي، والتعامل معها كمرحلة من مراحل التطور للوصول الى مهارة الكتابة. فهو يقول في الفصل الأخير ان على النساء ترك الحكي والثرثرة، ودخول عالم الكتابة.

في هذا التوجه تقليل من دور المرأة على مر العصور، والذي اكتشفه العلم حديثا. فقد تبين ان للمرأة كان دور اساسي ورائد في تطوير اللغة المحكية، قبل ان تتطور الكتابة. ولولا النساء لما وصلتنا الحكايات الشعبية التي نقلت لنا الحضارات والثقافات الانسانية على مر العصور.