عندما تُضرب النساء يتعطل العالم



كاملة طيون
2020 / 2 / 29

يخيّل لي أحيانًا أن تحويل يوم المرأة العالمي لعيد نحتفل به، نتبادل خلاله التهاني، نرقص ونطالب بالهدايا الثمينة، هو مؤامرة أخرى علينا نحن النساء، لإيهامنا بأننا يجب أن نفرح كوننا قد حصّلنا كل حقوقنا، وأن سقف الاسمنت الذي يحد طموحاتنا هو فعلًا سطح الكون ونهايته، ولا شيء لنا بعده.

ثم أتراجع، وأذكّر نفسي بالإنجازات العظيمة التي أحرزتها النساء في العالم، أذكّر نفسي بـ "ثورة الخبز والورود" عام 1856، وبالتغييرات التي لمستها بنفسي إذ أقارن بين ما أذكره من سنوات الـ 90 وبين ما نعيشه اليوم.



لقد نجحت النساء، ويحق لنا أن نحتفي ونحتفل بإنجازاتنا وثباتنا. ولكن، ما زلت غير مقتنعة باحتفالات يوم المرأة التي يفرضها علينا النظام الاستهلاكي البائس. وما زلت أشعر براحة كلما قلت: "وانت بخير، يوم المرأة مش عيد، هذا يوم للنضال مش للاحتفال".



مناسبة يجب أن نتحد فيها

"بسبب اللامساواة التي تزيد مع تزايد تراكم الثروات. لأن الثروة راكمتها في أحيان كثيرة نساء لم ينلن نصيبهن من تلك الثروة. إننا نعيش في نظام اقتصادي يستغل النساء ويستفيد من العمل المجاني أو متدني الأجر الذي نعمله، ومن الأجور الزهيدة ومن ظروف العمل التي تم جعلها مرنة.

ولأن طمع شركات الوقود الأحفوري قد أدى إلى تدمير البيئة، وبسبب آثار التغيير المناخي التي أحستها النساء بشكل أعمق. إننا الأكثر عرضة للتشرد والنزوح، وعلينا الارتحال لمسافات أطول لجمع الماء، ونعاني من التداعيات الصحية لتزايد ملوحة الأرض الزراعية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.



فالنساء في شتى أنحاء العالم مستمرات في بذل المزيد من أعمال الرعاية والأعمال المنزلية، وهذه الأعمال لا تُقدر حق قيمتها، ولا يتم ضمها إلى حسابات إجمالي الناتج المحلي للدول، وإن كان الاقتصاد لا يمكن أن يعمل دونها. في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تبذل النساء أربعة أمثال أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي يبذلها الرجال، وبقدر أكبر من باقي أنحاء العالم. ما زالت فجوة الفارق في الأجور بين الرجال والنساء في دول كثيرة راكدة لم تشهد محاولات للتعامل معها، بل هي تزيد في بعض الأماكن في واقع الأمر".

هذا بعض مما جاء في البيان السّياسي لاتحاد إضراب النساء العالمي. إذ دعت أكثر من 90 منظمة وجمعيّة حول العالم إلى إضراب نسائي في الثّامن من آذار المقبل.

وتابع البيان: "في سنة 2020 سوف نحيي ذكرى مرور 25 عامًا على التعهدات المقطوعة بشأن حقوق النساء في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في عام 1995، المعروف بمنهاج عمل بكين، وهي مناسبة يجب أن نتحد فيها، من شتى الأجيال ومن مختلف الحركات، ونقف متضامنات مع بعضنا البعض ونوقف العالم ذلك اليوم".

فهل يقف العالم ويتعطّل عندما تضرب النساء؟

أفكر بالجواب، فيباغتني سؤال أهم، هل كل النساء في العالم لديهن رفاهية الإضراب؟

أعلم أن الجواب هو "لا"! لا تستطيع كل النساء أن تعلن الإضراب، وحتى هذا الفعل النضالي الهام، بات مقصورًا على من تستطعن اليه سبيلا...



بالنسبة للنساء الفقيرات المستضعفات، يوم إضراب قد يعني خسارة مكان عملهن، أو ربما أقل من ذلك- خسارة أجرهن لذلك اليوم.هذا في حال افترضنا أساسًا أنهن قد سمعن عن هذا الحراك وعن الإضراب وحتى عن اليوم العالمي للنساء حول العالم.



نضال نسوي عالمي عابر للحدود

إن طبيعة الاضراب الذي أعلنت عنه المؤسسات النسويّة العالمية تعيد فرض سؤال إمكانية وجود نضال نسوي عالمي عابر للحدود والقارات بين المراكز المرفهة وبين الأطراف الفقيرة. مشاكل النساء في اقتصاد متخلف ومنهوب وخاضع لسياسيات الإفقار لا يمكنها أن تقارن مع مشاكل وقضايا وهموم النساء في العالم الرأسمالي، حيث أن ركيزة التضامن والنضال الواحد وهي الهموم المشتركة غير موجودة هنا. حتى داخل الدول المتقدمة اقتصاديًا ذاتها فان مشاكل وهموم نساء الطبقات العليا ليست ذاتها هموم ونساء الطبقات العاملة والفقيرة.
نضال النساء العاملات في المجتمع الرأسمالي لا يمكن أن يكون ثوريًا وجذريًا الا إذا ارتبط بالنضال من أجل مجتمع عادل ومن أجل إعادة توزيع الثورة وتجسير الهوة الطبقية. وكذلك فإن نضال نساء الأطراف المفقرة المتخلفة اقتصاديًا لا يمكنه الا أن يرتبط بقضايا التنميّة الاقتصاديّة والتقدم الاجتماعي والاستقلال السياسي والاقتصادي وهذا ما تذوته في السنوات الأخيرة العديد من الحركات النسويّة حول العالم، بل واستطاع هذا الخطاب أن يجد له مكانًا في بيان إعلان الاضراب العالمي، على شكل تبنّ نظري لقضايا النساء الفقيرات في الدول النامية لكن دون أن يلائمه أسلوب التحرك الذي تمت الدعوة إليه.
في ظل هذه المنظومة التي نعيش فيها، يكتسب النضال النسوي العالمي المشترك أهمية كبرى بالطبع، وتقع على عاتقه بالأساس، اذا كان يريد أن يكون نضالًا عالميًا أمميًا حقًا، المسؤولية تجاه هموم الغالبية من نساء العالم، أولئك النساء اللواتي لن تسمح لهن حالتهن، اما لموقعهن الطبقي المسحوق واما لموقعهن الجغرافي المنهوب من الآلة الرأسمالية أو المنكوب بالحروب والمجاعة بواسطتها، أن ينتظمن في "نضال" هذه المؤسسات العالمية. نضال نسوي عالمي وأممي حقيقي يجب أن يعبر عن تحالف حقيقي وفهم وإدراك كامل للمصير المشترك في النظرية والممارسة، بين النساء العاملات في الدول الغنية وبين نساء العالم الثالث المنهوب بواسطة هذه الدول الغنية ذاتها.

وكما اختتم البيان الداعي للإضراب: "على مدار التاريخ، تم استخدام الإضرابات كوسيلة لجني ثمار قوة الحركات الاجتماعية التي سعت إلى التغيير. اليوم العالمي للمرأة ليس حملة تسويقية لجعل النساء يشعرن بأنهن جميلات: بل هو اليوم الذي ثارت فيه النساء وانتفضن، اليوم الذي طالبن فيه بحقوقهن ووضعن حياتهن على المحك في سياق المطالبة بهذه الحقوق. دعونا نشرّف هذا التاريخ ونبعث هذه القوة من جديد".

عاش الثامن من آذار!