من جلجامش إلى جاورجيوس .!



ميشيل زهرة
2020 / 2 / 20

ليس من باب خدش مشاعر ، من تربت مشاعره على حفظ البصم ، و الترداد الأعمى خلف ( المعلم الثقافي الذكري ) ، و العنعنة التي اغتالت وعينا منذ انتصار الذكر المطلق في ( ملحمة ) جلجامش ، و نكران قطب الحياة الآخر ، الأنثى ، و انتاج ذاته من ذاته بلا ( دنس ) .. علينا إعادة قراءة التاريخ الذكري ، و تشريح رموزه ، بدءا من جلجامش ( البطل ) في الثقافة الذكرية ..فاتح التاريخ الذكري ، الذي اغتال الخصب ، في تنكره لعشتار الأنثى كشريكة له في معادلة الحياة ، و محاربتها سرا ، و علانية ، بانتشار رموز انتصاباته كعلامة عن انتصاره المدوي ، كبرج بابل ، أولا ، و الاهرامات ، و أخيرا ، تمثال ( الحرية ) على شاطيء الأطلسي ، و ناطحات السحاب ، و ما تمخض عنه من انتصابات ذكرية عربية على ناصية كل شارع . دون أن ننسى موقفه أيضا من ( خمبابا ) حارس الغابة و روحها لتتصحر الحياة باغتياله ، بعد موت صديق جلجامش الذي ( أنسنوه ) باستجراره إلى الحاضرة ، و اغتيال غابيته ، و فطرته ، فالتصق بالطاغية جلجامش ، خوفا من بطشه الذي لا يرحم . و ما ذلك كدلالة ، إلا سحق الجانب الأنثوي نهائيا في روح جلجامش المنتصر حتى على الحصب ، و على ذاته القاحلة ، في اقتلاع كل أثر للأنثى في روحه المجنونة الطاغية ، و التصاقه بأنكيدو الذي تحول بفعل سيده إلى صديق حميم يُشك بعلاقتهما الشاذة كعلامة للتداخل الذكري الذكري ، و غياب جمال الأنوثة ، و ترسيخ قبح العلاقة الشاذة . هذا و لن ننسى أن نمرّ بنسخته الرومانية الذكرية ( جاورجيوس ) الذي اغتال التنين رمز الطبيعة و الفطرة . و الرمز العشتاري الواضح في تعدد رؤوسه ، التي وصلت حتى الرقم سبعة ، و هو الرقم العشتاري المقدس ، المتناظر مع بوابات النزول إلى العالم السفلي لتنقذ رمزية الذكر ، و تستعيده في شخص تموز كأقنوم خصب لانتاج الحياة ..لكنها تفشل في إيجاده ، لأنه كان مختبئا في زريبة الماعز . فسُجنت عشتار ، بعد خيبتها ، في ظلمة أختها أريشكيجال ربة الظلام حتى هذا الزمن الذكري الذي أمحل االعالم ، و صحّر الطبيعة ، و مازال يرتكب الجريمة تلو الأخرى بحق الطبيعة و الكون .! و لكن هل تبقى الحياة قائمة على قطب واحد إلى ما لا نهاية .؟؟