الأردن.. محاكمة برلمانية لجسد المرأة



فراس عوض
2020 / 2 / 28

كانت ولا زالت قضية المرأة قضية سياسية، ويشكل جسدها فضاء تنقش عليه الإمضاءات والإمضاءات المضادة، و تتصارع عليه التيارات السياسية، وربما مناقشات اللجنة القانونية للنواب اليوم تبرز هذه الحالة الصراعية بأبعادعها الثلاثة بأكمل صورة، بعد مد وجزر ومناكفات ونكايات حول اضافة مصطلح "التحرش الجنسي" بدلا من "الاعتداء الجنسي" لقانون العمل.

بينما اتابع مداولات النواب لتلك المناقشات، لاضافة بند يتعلق بالتحرش الجنسي في مكان العمل، لفتني تيارين، أحدهما يبرز الظاهرة و آخر يقلل من شأنها، وهذا بلا شك يمثل صراع بين تيار تقليدي وديني محافظ يريد إخفاء النسب الحقيقية للظاهرة وتسخيفها وتصغيرها ظنا منه انه يخدم القضية من جهة، ولارضاء قواعده الشعبية من جهة أخرى ونكاية بالطرف الآخر من جهة ثالثة، والمفارقة الغير غريبة، أن امرأة تتربع على هرم هذا التيار ، و بين التيار التغييري المدني الذي يعترف بالظاهرة لتسليط الضوء عليها لمعالجتها وإيجاد حلول لها وسن التشريع اللازم لمواجهتها من أجل رفعة وتقدم المجتمع، ويتربع على هرمه رجلين.

لا يوجد مجتمع وفئة متحضرة مهما كانت تقبل التحرش، لا دينية ولا مدنية ولا عشائرية، خاصة أن الظاهرة مثبتة و هناك مراكز ومؤسسات وجامعات أجرت دراسات وافية حولها، وبينت نسبها المرتفعه والتي تحتاج الى تشريع وقانون كاف و واف، فالحل لأي مشكلة يبدأ بالاعتراف بها، القضية وطنية تتعلق بسد الثغرات التشريعية وتعزيزها و وأد الثقافة التي تنظر للمرأة نظرة دونية ليكون مجتمع أخلاقي حضاري يحترم نفسه ويحترم المرأة ويحترم الحنسين بعضهم بعضا على أساس أساس قيمي انساني حقوقي.

الطبطبة لا تجدي، و الظاهرة موجودة في أماكن وعالم العمل كما هي موجودة في شوارعنا وازقتنا ومدارسنا وجامعاتنا، و الضحايا في مكان العمل عادة لا يقدموا شكوى وليس بالسهولة اثبات التحرش، ولا خيار امامهن الا ترك العمل، وكانها عقوبة ثانية، ما يجعل منها ظاهرة باطنية خفية، ولا يوجد تشريع واضح يجرم ويعرف التحرش كمصطلح واضح وأوسع من الاعتداء علميا، نظرا لتعدد أشكاله وأنواعه و وسائله. أكثر من دراسة وطنية ذات منهجية علمية دقيقة تثبته وتعرفه ولا مجال للهروب والطبطبة بحجة المحافظة، ان الدول التي تنتهج الطبطبة مآلها الفشل، والساسة الذين يطبطبون على الظواهر السلبية ظنا منهم أنهم يحافظون على المجتمع أيضا مآلهم الاندثار، فالأصل بالمجتمعات التقدم وليس العكس.

التحرش بأنواعه في مكان العمل وغير مكان العمل جريمة والسكوت عنه هو الذي يسيء للمجتمع وليس إعلانه والاعتراف به كظاهرة تستوجب العلاج وسن التشريع المناسب والتوعية والتثقيف، التهاون التشريعي هو تشجيع للمتحرش ليستمر بهذا السلوك المسيء للمجتمع قبل المرأة، فهو قضية وجريمة مجتمعية وليست فردية، ولا يكون الدفاع عنه بالانكار وتجريم الضحية أو تلويمها على ممارسة حياتها الطبيعية، فمن حقها العمل في بيئة آمنة ولائقة، ومن حقها ممارسة حياتها الطبيعية وأن تعمل بالمكان والزمان الذي تريد ولا يحق لأحد التحرش بها وبسط سلطته عليها وإعطاء الحق لنفسه أن يسيء لها لفظيا أو يتحرش بها جنسيا بأي شكل من الأشكال، سواء بالمعاكسات والتعليقات والايماءات أو اللمس أو بعبارات خادشة للحياء أو الملاحقة أو التحرش الإلكتروني أو الهاتف ...الخ. سواء صاحب العمل او الزملاء او المراجعين او اي كان.
لا دين ولا أخلاق ولا قيم تعطي الحق لإنسان عاقل أن يتحرش و يسيء لإنسان مثله مهما كان السبب، ولا مبدأ ولا عقل يستوعب ان تعارض نائبة في موقع سياسي اضافة مصطلح "التحرش" للقانون كمصطلح أكثر تقدمية وأشمل، وهي الأقرب لبنات جنسها والأدرى بمعاناتهن، فهي في الحقيقة تتحدث بذهنية وايديولوجية خالية من عذابات النساء لكسب شعبوية لا مصلحة للوطن فيها، في الوقت الذي يطالب الرجال أنفسهم باضافة المصطلح لحماية المرأة والعامل وكرامتهم وصون حقوقهم المادية و المعنوية وحمايته من الانتهاك في بيئة عمل صديقة وآمنة للمرأة والعامل.