الإفراج عن نوال السعداوي



فريدة النقاش
2020 / 3 / 12

قضية للمناقشة

الإفراج عن نوال السعداوي



” لقد الهمتيني يا د. نوال لأكون نفسي حتى لو تطلب ذلك تحدي العالم بأسره ” هذا ما قالته طالبة أمريكية بعد لقاء تحدثت فيه ” نوال السعداوي” مع عدد من الطالبات والطلاب عن حياتها وكتاباتها، وكتب لها أحد الطلاب قائلا : ” أنت امرأة شجاعة، تملكين الجرأة للاختلاف وللافصاح عن ما تشعرين به، فأنت لا تمسكين لسانك، وهذا شيء جديد ” وترى طالبة أخرى شاركت بدورها في هذا اللقاء الثري أن حديث ” نوال ” إليهم جعلها تدرك ” أن الحياة لا تدور حول ما يريد الآخرون أن تفعليه، وإنما حول ما تريدين أنت أن تفعليه ” .

ويعلق الباحث والأستاذ الجامعي “إرنست إمنيونو” أحد محرري الكتاب الضخم “قراءات في أعمال نوال السعداوي” الذي نقلته إلى العربية المترجمة “سها السباعي” ـ ونشره المركز القومي للترجمة ـ يقول : إن رسائل الطالبات والطلاب إلى ” نوال ” تبين ” أنها ستكون حاضرة في حيوات وقلوب وعقول هؤلاء الشباب لوقت طويل، ليس فقط باعتبارها كاتبة، ولكن باعتبارها مرشدة شخصية لهم ” .



وسعياً إلى مواصلة طريقها الوعر وهي تخوض بجرأة في المسكوت عنه، والذي يتواطأ المجتمع المحافظ على التعتيم عليه خوفاً من “الفضائح”، ذهبت ” نوال” إلى مأمور سجن القناطر للنساء ونحن مسجونات في ما سماه الرئيس الراحل أنور السادات بالتحفظ ـ وطلبت من المأمور أن يسمح لها بإلقاء محاضرة على الفتيات المسجونات في قضايا الآداب، وكن طبعاً متهمات بممارسة الدعارة، ومذعوراً، رفض المأمور أن يسمح لها، ولكنها واصلت سعيها في أوقات الخروج الشحيحة من الزنازين لتتحدث إلى الفتيات، وكأنما لتواصل ما بدأته في كتبها التي كانت قد أثارت حفيظة القوى الرجعية ومن يسمون أنفسهم برجال الدين، فمارسوا عليها حصارا مجتمعياً خانقاً، ولكن بقيت الكلمات الثلاثة في قاموسها الغني ” الإبداع ـ التمرد ـ النساء” أكثر من مجرد كلمات أو شعارات، بل هي قضايا حياتها التي أنتجت عنها ما يزيد على خمسين كتاباً وساعدتها دراستها الأكاديمية للطب على تقديم تفسيرات علمية موثقة لكل الأفكار المزيفة التي نسجتها الثقافة الذكورية عن المرأة وكشفت ببساطة وعمق عن ما لانراه من إمكانيات مدفونة، ومواهب مهدرة للنساء في المجتمع الطبقي الأبوي، وحتى تصل رسالتها التحريرية والتنويرية لا للنساء فحسب، بل وللمجتمع كله استخدمت كل تقنيات الكتابة وصيغ الإبداع من رواية وقصة قصيرة ومسرح ومقال إضافة إلى كتاباتها العلمية كطبيبة وامرأة .

وتضمنت كتابات ” نوال ” أيضاً ـ خبرات بالغة الثراء اكتسبتها من عملها محاضرة وأستاذة في عدد من جامعات العالم، وللأسف فإن الجامعات الوطنية لم تفسح لها مجالا مشابها حتى تصل برسالتها مباشرة إلى الأجيال الجديدة من الطالبات والطلاب.

ومع ذلك تسللت إشعاعات أفكارها وكشوفاتها عبر ظلام الهيمنة المحافظة، التي وضعت حدوداً ضمنية للخوض في المسكوت عنه وبخاصة في ميدان الجنس الذي طالما جر معه كل من الدين والسياسة إلى عالم المحظورات .ولم تحظ أعمال ” نوال السعداوي ” بالغة الأهمية بما تستحقه من متابعة ودراسة عميقة، ومن حسن حظنا جميعا أن جامعات أوروبية وأمريكية وأسيوية تعاملت مع هذا الإنتاج الثري بما يستحق من تقدير وإحترام ودراسة معمقة لم تحظ ” نوال ” بمثلها في بلادها وبين أهلها .

أنطلقت في كل أعمالها من رؤية تقدمية وتحررية لتضع بصمتها الخاصة جداً على قضية التحرر النسائي، الذي لم تفصله أبداً عن التحرر الإنساني الشامل، ولكنها تعاملت مع ذلك، وبشجاعة مع النقاط العمياء في الفكر التقدمي عامة، والماركسي على نحو خاص في رؤيته لمسألة تحرر النساء، ولطالما توقفت أمام إزدواجية بعض الرجال التقدميين إزاء تحرر المرأة وحقوقها دون أن يقع أبداً في التعميم الذي يرفضه العلم، ولذا لم تنظر لصراع النساء وكفاحهن من أجل التحرر باعتبار الرجل هو العدو أو الخصم، وهو موقف تورطت فيه بعض الحركات النسوية، وبعض المجموعات التي دافعت عن حقوق المرأة .

وفي شهر مارس هذا الذي تحتفل فيه بلادنا بثلاثة أعياد للمرأة، يوم المرأة العالمي، يوم المرأة المصرية، وعيد الأم، يحق لنا أن نطمح في الإفراج عن ” نوال السعداوي” صحيح أن كتبها في الأسواق، ولكن الأجيال الجديدة لم تعرفها بعد إلا ربما من حملات الهجوم عليها، ولكننا حتى نستكمل هذا السعي الشريف لتمكين النساء يحق لنا أن نطالب وزارة التربية والتعليم بوضع الكتب الأساسية ” لنوال السعداوي ” في مناهج الدراسة الثانوية شأنها شأن كتب روادنا ـ وهي واحدة منهم، ويحتاج مثل هذا القرار إلى جرأة ” نوال ” وإقدامها، أي بوسعنا ان نتشبه بها .

ويمكن لمؤسسات الثقافة العامة، وعلى نحو خاص هيئة قصور الثقافة ورئيسها المستنير الشجاع الدكتور ” أحمد عواض ” الذي سبق له أن إتخذ قراراً رائعاً بالموافقة على عرض فيلم إشكالي ” لا مؤاخذة ” يمكن لهذه المؤسسة الثقافية المهمة أن تضع كتب ” نوال السعداوي” ضمن جدول نشاطاتها كمواد للمناقشة، فضلا عن تنظيم مؤتمر ثقافي عنها في محافظتها القليوبية، فسيكون هذا وفاء متأخرا بدين قديم لهذه الكاتبة والباحثة العظيمة التي ما تزال تواصل العمل بدأب، وإصرار دفاعاً عن حقوق النساء وعن التحرر الإنساني الشامل، وسيكون أيضاً أفضل إحتفال بأعياد المرأة، وكل عام وأنتن وأنتم جميعاً بخير .