المحاربات الكرديات : أسطورة الحياة الجديدة..



ماجدة داري
2020 / 4 / 7

لا يمكننا فصل تاريخ المرأة عن تاريخية الرجل فقد عاشا و مارسا الحياة المشتركة منذ بداية ظهور السلالات البشرية و هذا ما اثبته علوم التاريخ من خلال المكتشفات الأثرية و التنقيبات و الدراسات الاثارية.
فالمراة و في كل العصور كانت الشريك و المحور الأساس لبناء المجتمعات البشرية الأولى و بذلك فأن محور الصراع ضد الطبيعة و ضد الفناء كانت المرأة تاخذ نصيبها الأكثر عمقا في مقاومة كل الصنوف القاسية التي تهدد بقاء و استمرارية (كيانها العائلي)
المقاومة الشرشة ضد الطبيعة و ضد البرد و الحر و ضد الجوع و لسنا هنا في سياق سرد كيف الت اليه الأمور لاحقا ليكرس الرجل ذكوريته و يمارس أدوار السلطة مستخدما قوته المفرطة و مسخرا لها الدين و الوثن و الاسطورة و السحر و إنما ننطلق إلى عالم المرأة الثورية المقاتلة المحاربة و المرأة الكردية تحديدا كونها كانت تملك قاعدة انطلاق نحو مبتغاها حيث الأسرة الكردية و طبيعة الشعب الكردي الذي لم يكن ابدا و عبر التاريخ منغلقا بل كانت حرية الاختلاط و ابداء الرأي مسموحا به ضمن حدود شبه مقبولة و هذا ما سمح لها بالانخراط في صفوف القوات المقاتلة و أيضا العمل في المؤسسات المدنية و الإدارية.
تلك الفتيات الجميلات الرقيقات و اللاتي كن يتبرجن كما سائر كل الصبايا حيث الاعتناء بادق التفاصيل من تخطيط للحاجبين و مسكرة الاجفان و وضع المساحي و الكريمات لتبدون اجمل و أكثر أنوثة و جمالا حيث حلقات الرقص و المرح و الفرح، تلك الفراشات الملونة كن يخرجن كل ربيع إلى أحضان الطبيعة و مباهجها و تكاد العين تتوه مابينه و بين ازهار الأرض، كيف لتلك النعومة و الرقة و كيف لتلك الفراشات و لتلك البراعم ان تتحول إلى لبوات شرسات يقارعن اعتى رجال قدموا من مشارق الأرض و مغاربها وهو لا يتقنون شيئا سوى القتل و الذبح بكل وحشية و اجرام، فتيات يقفن بقوة لا نظير لها في العالم أمام جبروت قوة عنف لا تعرف الرحمة او الشفقة و لعل قوة ما كانت السبب بالإضافة إلى أن
فلسفة الحياة الجديدة فلسفة إعادة الانبعاث في روح و أجساد تلك النسوة الصغار عبر عملية تثويرية و فكر جديد يستند إلى فكرة ان الانسان كائن لا يقبل التمييز على اساس الجنس فكرة ليست بعيدة عن الفكر و الميثولوجيا الكردية فالمثل الشائع بين الكرد و الذي يمجد المرأة الكردية الشجاعة و منذ اقدم العصور التي شهدت الكثير من القتل و الترحيل و الدمار حيث برزت قوة و قدرات المرأة بشكل أوضح لهذا يقال (شير شيره جي زن جي ميرا) الأسد أسد ان كان رجلا او امراة)
و لعل حكاية تلك المرأة التي عاشت في قرية(داري) الجبلية الوعرة التضاريس و التي دافعت عن روحها و جسدها بكل شجاعة و بسالة و لجئت إلى قتل ذاك الرجل الرعديد الذي استرخص جسدها الجميل فكان مصيره الموت على يديها وقد
جسدها شاعر الكرد جكر خوين في منتصف القرن الماضي في بنية نص قصصي شيق بعنوان (رشو داري) حيث أبرز شجاعة المرأة الكردية "رشي" الي جانب شجاعة الرجل الكردي أيضا.
انهن يمارسن اعمالهن اليومية المعتادة و يذهبن إلى مقاعد الدراسة كما كل الفتيات اللواتي باعمارهن انهن ذات الفتيات و قد تحولن إلى محاربات يمتلكون القدرة على حمل اعتى و أثقل الأسلحة الفردية و قد ارتدت بدلتها العسكرية المزدانة بنجمة
لم يكن قتالهم ضد داعش مجرد دفاع عن الأرض و عن الشعب و عن جغرافية محددة الأقاليم و إنما هن يجسدن معاني الحرية التي إليها يتوقون و القوة التي يسعون لامتلاكها للتحرر ليس من هيمنة داعش العسكرية او الفكرية و إنما للتحرر من العقلية الذكورية أيضا
فهن لم يستسلمن لظروفهن و اثبتن ان المرأة ليست نصف المجتمع و إنما المجتمع برمته
هذه النساء تركوا أدوات التجميل و المكياج و الماسكات خلفهم و حملوا السلاح كأفضل مكياج و ارتدوا البذلة العسكرية كاجمل زي يرتدونه و بكل فخر
لم تعد صالونات التجميل تعني لهم شيئا سوى انها كانت جزءا من حياتهم التي مضت وهم يناضلون باصرار على رسم ملامح حياة جديدة مقبلة
من فراشات زاهية الألوان إلى مقاتلات يحملن قساوة الفولاذ و البارود في مواجهة بناء حياة جديدة
داعش ذلك الطاغوت الأسود المقيت المقزز الكاره للجمال و الرافض لأي شكل من أشكال تحول النساء إلى انسان فهم لا يرونها الا جسدا للمتعة فقط..
قتلوا بارين الجميلة فمثلوا بها و شوهوا الجمال وهم لا يعلمون انهم جعلوا منها قديسة و أيقونة للثورة و لنضالات المرأة المستمرة لخلق حياة متجددة و رمزا للجمال الثوري النقي..
اتذكر انني سمعت مقاتلة كردية كانت تضع احمر الشفاه و قليلا من بودرة الفونتان قبيل المعركة بدقائق سئلتها و لما ذلك و انت ستدخلين بعض لحظات ميدان المعركة؟
أجابت انها تحب أن تبقى جميلة حتى و ان ماتت تحب أن يراها الأعداء جميلة أيضا..
فالرقة و الجمال و العناية بتصفيف الشعر كان يشكل كل ذلك كابوسا حقيقيا لداعش و رجالها اللذين كانوا يؤمنون بأن أحدهم ان مات على يد امرأة مقاتلة فأنه لن يرى الجنة و لن يكتب له الشهادة عند التنظيم و عند الله..
و من هنا كان حقدهم على المقاتلات الكرديات و اجرامهم المضاعف حيالهن و هذا كان أيضا سببا في انتحار كثير من المحاربات للحيلولة دون الوقوع في الأسر حيث معاملة فظة و قاسية و عنيفة يتعرضون لها على أيدي اولئك المتوحشين من تعذيب و تعنيف و اغتصاب جماعي و تمثيل بالجثث بعد الاجهاز عليهن.
احساس الأنثى.. المرأة في ظل المجتمع الذكوري و لقرون طويلة جعل منها ظلا للرجل الذكر و حينما اتاحت لها الفرصة و وجدت طريق حريتها و تحررها من ركام سنوات و فلسفات وضعية او لاهوتية و خلاصها الابدي من ربقة تقاليد بالية رثة و عادات مقيتة عبر توجهها لخلق و صناعة حياة جديدة معبرة بذلك بشعارها : ان المراة هي الحياة و الحياة هي المرأة (جيان بيه جن نابه) و جن جيانه المرأة حياة ثم إن التقارب اللفظي مابين كلمتي الحياة و المرأة باللغة الكردية قريب و متداخل حيث يمنحنا ذلك الحجة القوية في مضمار اللسانيات أيضا بأن اللغة الأم المرتبطة بالمرأة الأنثى الأم أيضا ترتبط عضويا بالحياة" زمان زيان زين.."
اللغة المرأة الحياة و من هنا كانت الحضارة و بداية جديدة للحياة..
القرون الطويلة من الظلام و الظلم الذي اسدل على روح و قلب و فكر المرأة جعلها شبه عمياء فاقدة الارادة و الحق في تقرير مصيرها بنفسها.. حتى وصلت بهم الحال ان ينكروا على انفسهن الحرية او الحق في التملك او التصرف فقد بتن يعتقدن بأن الذكر مقدس لدرجة انهم يحلفون برأس أبنائهم الذكور و آبائهم أيضا اما الأم او الأخت او الابنة او الزوجة فتتعرض لأقذع عبارات الشتم الجنسية حيث مازالت الفروقات تعاش اجتماعيا و فكريا و دينيا بل وحتى على المستوى القانوني حيث المرأة تعامل بالدستور على أنها نصف انسان..
المرأة الكردية ربما تحررت من بعض المفاهيم الخاطئة التي كانت تمارسها ضد ذاتها الا انها في السنوات الأخيرة من القرن العشرين بدأت بحركة دؤوبة للانعتاق و بدأت تشارك في الجلسات العامة و ضمن حركات و أحزاب سياسية و جمعيات ثقافية او اجتماعية وصل بها الأمر للالتحاق بمنظمات و أحزاب ثورية تؤمن بطريق الكفاح المسلح كحل للتحرر وكان للفتاة الكردية مكانها المميز ضمن صفوف قوات عسكرية مقاتلة في بيئات جبلية قاسية حيث
تخلت عن كل شيء لأنها اصلا لم تكن تملك شيئا سوى انتظار رجل يصبح زوجها و فقط أو لتنجب له أطفالا و تكون لهم مربية و خادمة و محظية له حينما يريد مع احتفاظه بحق طلاقها او الزواج من غيرها أيضا لذلك شقت دربها يحملها معنوياتها و ارادتها الحرة
و ضحت بروحها و سالت دماءا زكية فوق بقع عديدة من الوطن خضبت صخوره بدمها القرمزي و سقت تراب الوطن و شجرة حريتها بأغلى ما تملك و حملت البندقية و أصبحت محاربة لا تعرف المهادنة و لا المساومة و منذ أن أطلقت طلقتها الأولى في اتجاه قوى الشر و الظلام أدركت انها ستدحر داعش و ستهزم ضعفها و ستقتل الجبن الذي سكن و عشعش طويلا في "وعييها" و أدركت انها ترسم درب خلاصها الابدي و انتصارها الساحق على المجتمع الذكوري و عقليته الظلامية المريضة و انها بدأت بخلق أسطورة حياة جديدة و من جديد...


ماجدة داري*