-العوامل الداعمة للعنف-



أميرة يعقوبي
2020 / 4 / 18

تتغيّر الأزمنة والسياقات الّتي تتنامى فيها مظاهر العنف ضدّ النساء ,لكن يظلّ الهدف واحدا وهو الرّغبة في إخماد أصواتهنّ والتضييق من هامش تصرّفهنّ والعمل على السّيطرة على الفضاء وتقسيمه على الشاكلة التي تتلائم مع الفكر الذكوري الذي يرغب مرارا في التموقع وكأنّ الذكورة تتحقق ببروز النساء. فهوس الذكورة وأفعال التغني بالرجولة على اعتبارها امتيازا اجتماعيّا يجعل من الرجال في اختلاق دائم لصراع " خاطئ" مع النساء لإثبات الذوات وتمسّكا بالأنوات. وهي أنوات يظنون أنّها تنمحق بقلب النساء لموازين القوى وافتكاك حقّهنّ المسلوب في الحياة وانتزاع الاعتراف والمشروعيّة في الظهور ليصدحن عاليا ضد قوى تعمد إلى إخماد أصواتهنّ وتغييب أثرهنّ وآثارهنّ منذ الأزل وإلى اليوم.
ولا يمكن أن تكون محاولات السّطو على مكاسب النساء وحقهنّ في التّمتع بأمكنة آمنة للعيش أو المساس بكرامتهنّ وحرمتهنّ الجسديّة والعمل على إحداث شتّى الأضرار المعنويّة إلاّ إذا كانت الحركات الاجتماعيّة النسويّة قد حققت نجاحا ملحوظا لا يتماشى مع ما ترغب مؤسسات الضبط الاجتماعي في إرسائه دونما تعديل. فالإبقاء على التراتبيّة الجندريّة تضمن دوام التحكّم في أجساد النّساء وحيواتهنّ وخياراتهنّ على أساس أنّهن ملكيّة للأب والأخ والزوج والابن والعشيرة وأنّ أية محاولة للتمتع بذات مستقلّة هو إعتداء على شرف عائلة بأكملها وضرب للواجهة الإجتماعيّة الّتي دائما ما يتمّ نسجها وفقا لانتظارات أطراف ليسوا/ن مقتنعين/ات بالدور الذي يضطلعون/ن به, وهي ممارسات تقام تفاديا للوصم والإقصاء : كلّ يلعب دورا عليه إتقانه لحفظ ماء الوجه .
وبما أنّ المجتمعات الّتي ينبني عليها هذا النوع من العلاقات والتفاعلات تنخرط في دائرة " مجتمعات الفرجة " إذ كلّ يتباهى بعذريّة ابنته وأخته أو زوجته التي فضّ بكارتها لما في ذلك من فعل رمزيّ لتملّكها. فهل نحن إزاء نساء ينظر إليهنّ كذوات بشريّة أم إننّا إزاء مجتمع متمثّل في قبو تخزّن فيه تجارب النساء ومآسيهنّ - لما للقبو من رمزيّة كتم الأسرار على اختلاف أزمنتها – لا لشيء إلا لأنهنّ ولدن بلا قضيب يضمن أمنهنّ وبلا فحولة تنحتها التمثّلات الاجتماعيّة لإزاحة أيّ ضيق يطالهنّ عند اجتياح الفضاء العام؟
قد خُيّل أننّا في عصر تجاوزنا فيه فكرة "جندرة الفضاءات ونزعنا فيه نحو احترام مبادئ العيش المشترك ودمقرطة الأمكنة, هذا ما تسعى السياسات إلى الترويج له خدمة لمصالح ما, لكنها تعجز عن التعامل مع ما يدور في أذهان سليلي الفكر الأبويّ وما يصدر عنهم/هنّ من تعابير تكرّس ثقافة العنف’ .
لا يزال أساس الصراع اليوم هو رغبة الرجال في احتكار الفضاء العام والمفارقة هي أنّنا نعيش حداثة مزيّفة متدثرة بثقافة تقليديّة لا تزال تشيد بفكرة القوامة والرغبة في إخضاع النساء , لكن المقاومة المستمرّة والجهود المتظافرة الّتي تقوم بها النساء بوقوفهن في وجه قوى الرجعيّة تزيد من الهجوم الوحشيّ الّذي يشنّة فئة من الرجال عليهنّ عسى أن يظفروا بأجسادهنّ فيعرضن عن المقاومة ويستسلمن لتعاليم المؤسسّات التي ترغب في أن تتخذ من أجساد النساء مرتعا لإثبات الذات والانتصار للذكوريّة. هنا يصبح القضيب أداة لتأديب النساء "المتمرّدات" اللّاتي يرفضن الخضوع باسم الشرف الّذي لخصوه لنا منذ القدم في الجسد الّذي بات مصدر الخطيئة الأولى ونالت منه الثقافات كي يظلّ مُتحكّما فيه.
ولكن لماذا لا نتساءل عن أسباب الخوف من أجساد النساء ؟ لماذا المطالبة الملحّة بالتستّر ؟ هل لنا أن نعود للبحث في عادات ختان البنات وتصفيحهنّ واغتصابهنّ للتشفي من ذويهنّ أو إذا ماحدن عن الطريق السّوي الذي خطّته الباطريكيّة لا لحفظ التوازن الاجتماعي بل التحكّم في الجنسانية .هكذا تتسبب التنشئة الاجتماعيّة في خلق صراع مع الذوات فتصبح إستباحة أجساد النّساء مطيّة للتعبير عن رغبة دفينة في التحررّ من ظوابط جميع المؤسسّات التّي تلغي في الإنسان إنسانيّته ليعيش ما عاشه السلف الذي حرم بدوره من الاختيار .