السعداوي: الأنثى هي الأصل 2/ 2



داود السلمان
2020 / 4 / 19

منزلة المرأة الثقافية:
وفضلا عن ذلك، فقد حصلت المرأة على "حظ كبير من الثقافة، ويَحكي موظف اسمه «خنوم ردي» أنه كان أمينًا لمكتبة سيدة عظيمة تُدعى «نفرو كابيث»، ويقول إن هذه السيدة قد عيَّنتني في دندرة مشرفًا على خزائن الكتب الخاصة بأمها، وكانت تحب العلوم والفنون". وعلى مستويات أخرى نالت حريات استطاعت تمارس من خلالها هواياتها الشخصية، مثل "الرياضة والسباحة والأعمال البهلوانية كالرجل سواء بسواء، وكان النساء كالرجال يشربن الخمور في الحفلات، بل ويُسرفن في الشرب ويقرعن كؤوسهن مع الرجال، وتقول إحداهن: ناولني ثمانية عشر قدحًا من النبيذ، إنني أريد أن أشرب حتى أنتشي، إن داخلي مثل القش".
وأن كان مثل هذا قد يكون معيبا في مجتمعاتنا اليوم، ولا يسمح الرجل لزوجته أو ابنته أو شقيقته، بذلك، لأن القضايا الاجتماعية والثقافية، والتقاليد القديمة قد تغيرت اليوم، وتغيرت كل المفاهيم الاخرى معها، فهي ليست كتلك الثقافات، وكل شعب من الشعوب وله عاداته وتقاليده الثقافية والعرفية، بل وحتى القبلية والعشائرية. فلا ينبغي أن نربط تقاليدنا هذه بتلك.
المرأة والحكم:
وأما في مجال السياسة، وتولي السلطة، وقيادة الحكم، فتؤكد السعداوي، بأنه "كان للمرأة نصيب كبير في تولي العرش، وإذا مات الملك عن ذريةٍ أكبرها بنت أصبح العرش من نصيبها". وتشير بأن " بعض علماء الآثار المصرية مثل «أرمان» و«موريه» و«برستد» أن الابن الشرعي كان يُنسَب إلى أمه أكثر مما يُنسَب إلى أبيه في معظم الأحوال؛ وهذا يدل على سيادة الأمومة على الأبوة في نسب الأبناء، وهي امتداد للعصر الذي كان يُعَدُّ فيه نسب الأم أقوى من نسب الأب. أمَّا الطفل غير الشرعي فكان يُنسَب إلى أمه في جميع الأحوال، وكان للمرأة حق الملكية وحق البيع والشراء وأداء الشهادة في المحاكم، وكانت تتساوى مع الرجل في الميراث، بل إن نظام التوريث في أسر النبلاء في عصر الدولة الوسطى (٢٦٤٠ق.م) كان يأتي عن طريق الإناث لا الذكور، فلم يكن الابن هو الذي يرث، وإنما كانت كبرى البنات. واشتغلت المرأة بكل الأعمال، كانت حامية وحاكمة وملكة وكاهنة وإلهة. الإلهة «ماعت» كانت ربة الحقيقية، و«نات» إلهة الحرب. وكذلك الإلهة سخمت والإلهة حتحور إلهتان للحرب، وكانت الإلهة «نايت» تتقدم الملك في المعارك الحربية، وتضع على رأسها تاج الوجه البحري، كما سموها أيضًا إلهة الفيضان التي تسكن شواطئ النيل. ومن الملكات المصريات القديمات الشهيرات: حتب، حرس، وخنت، كاوس، كليوباترة، وأماح، وحتشبسوت، وتي، ونفرتيني، وغيرهن ممن لعبن أدوارًا بارزةً في التاريخ المصري القديم".

المرأة والحجاب:
وعلاوة على كل ذلك، لم تكتف المرأة في تلك الحقب التاريخية، بما حصل عليه من منجزات وحقوق ومساواة، جعلت منها أن تصل الى منزلة الرجل، وتتبوأ مناصب رفيعة بل" كانت المرأة المصرية القديمة تعرف قيمة نفسها كإنسانة لها عقل وذكاء، ونظر إليها المجتمع نظرة متساوية مع الرجل، فساهمت في الحضارة الفرعونية وشاركت في أول حضارة إنسانية ظهرت على وجه الأرض، وحاربت في أول حرب لتحرير البلاد من المستعمرين، واشتركت في تأسيس أول إمبراطورية عرفها التاريخ القديم قبل ظهور الأديان بآلاف السنين. ولم تعرف المرأة المصرية القديمة الحجاب، وكانت تختلط بالرجال، وتشاركهم العمل والإنتاج والحرب والتجارة والعلوم والفنون والأفراح والسهرات والشراب وكل شيء، وكانت أيضًا سيدة البيت في أسرتها لها مكانتها العالية داخل البيت وخارجه".
الختام:
وتختتم السعداوي بحثها بخصوص المرأة وعن قيمتها الانسانية وما حقته في معترك الحياة، في كل الاصعدة، وعن المنجزات التي حققتها من خلال تاريخها العريق، في خضم حياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، التي عاشتها مع الرجل، جنبًا الى جنب، حتى وصلت الى ما وصلت اليه، من عطاء ثر تفتخر به المرأة اليوم، وعلى كل المستويات. تختتم بالقول: "والذي يدرس شخصية الملكة المصرية حتشبسوت يدرك قوة المرأة النابعة من شخصيتها وذكائها وقدرتها على القيادة والحكم؛ ولهذا ظهرت تماثيلها على شكل أبي الهول، لها رأس إنسان، وُجد رمزًا للعقل والقوة معًا. وكان عصر حتشبسوت يتميز بالازدهار والتعمير، وأثبتت كفاءتها كحاكمة وملكة أكثر من ملوك كثيرين، لكنها بعد أن ماتت خلفها تحتمس الثالث، وأمر بتدمير تماثيلها وتشويه رسومها ونقوشها، وكأنما أراد أن يمحوَ من التاريخ السنوات الاثنتين والعشرين (من ١٥٠٤ إلى ١٤٨٣ قبل الميلاد) التي حكمتها. ويمثل تحتمس هنا بوضوح انتقام الرجل من المرأة بسبب تفوقها وذكائها وقوتها، وكما حاول تحتمس أن يشوه حقيقة حتشبسوت وينكر ذكاءها وقوتها حاول من بعده رجال كثيرون تشويه حقيقة المرأة وإنكار قوتها، فكيف كان ذلك؟!".
من كتاب(الانثى هي الاصل) منشورات المكتبة العالمية- بغداد - بدون ذكر سنة الطبع.