السعداوي: الأنثى هي الأصل 1/ 2



داود السلمان
2020 / 4 / 18

حقبة تاريخية:
تعُبّر الدكتورة نوال السعداوي عن دهشتها، (ويقول ارباب الفلسفة، أن الدهشة بداية الفلسفة)، أنها كلمها سارت في أزقة التاريخ البشرية الموغل في القدم، أي " قبل ظهور الأديان، وقبل نشوء الأسرة الأبوية لتلك القيمة الإنسانية الكبيرة التي كانت تتمتع بها أنثى الإنسان". وهي تتحدث عن فصل أطلقت عليه (الانثى هي الاصل). وتتزايد لديها هذه الدهشة، كما تقول، وهي تتصفح وريقات التاريخ، الذي يصف ما يجري من احداث حول حياة الانسان الطبيعية الاولى. فـ "في تلك العهود كان الإنسان طبيعيًّا، أي إنه كان يعيش حياته كما هي، ويتصرف تلقائيًّا، وفق رغباته ومشاعره وتفكيره". وتوضّح أن الانسان – ذكرًا أو انثى – وحدة واحدة، وبنية متكاملة، أذ "، لم يكن هناك انفصال بين جسم الإنسان وعقله أو نفسه". أي أن في تلك العصور البدائية للإنسان، كانت حياته بسيطة، ومتطلبات اليومية كانت قليلة، لم يكن فيها مثل هذا التعقيد الذي يطرأ عليها اليوم من منغصات ومعاناة كثيرة، رغم أن الانسان ترقى كثيرا، بفضل التقدم العلمي والطبي والتكنولوجي، وغير ذلك. وهي تلك الفترة التي:" لم تكن الأديان قد ظهرت بعدُ وظهر معه الفلاسفة الذين فصلوا بين الجسم والعقل، ولم يكن علم النفس أو السيكولوجيا قد ظهر بعد، أو تلك العلوم الأخرى كالبيولوجيا والفسيولوجيا، وأحدثت هذه المسافات بين الجسم والنفس".
المرأة اصل الحياة:
فتلك الفترة، تصفها السعداوي بأنها "لم يكن قد حدث فيها بعدُ انفصالٌ بين عقل الإنسان وجسمه، كان الذكر والأنثى على طبيعتهما، وكان لكل منهما قيمته النابعة من طبيعته أو تكوينه البيولوجي". ذلك المجتمع الاول البسيط الخال من التعقيدات، الذي تسير حياته بكل سلاسة وبساطة لا تعرف الملل، أدرك "أن الأنثى بالطبيعة أصل حياة بسبب قدرتها على ولادة الحياة الجديدة؛ فاعتبروها أكثر قدرة من الذكر وبالتالي أعلى قيمة". واذا كان هذا صحيحًا، فأن الفكرة هذه، قد سولت للمجتمع أن يعتقد، بـ "أن الآلهة أنثى، وأنها آلهة الإخصاب والولادة والخضرة والوفرة والخير وكل شيء مفيد".
ومن ذلك اليوم الذي أحصلت فيه المرأة على هذه القيمة الفعلية والفلسفية، وصار الكل يقر بعظمتها واهميتها و"استمرت هذه العهود آلاف السنوات، ولا أحد حتى الآن يعرف كم ألفًا من السنوات استمرت؛ لأن علم التاريخ لم يكن قد ظهر بعد، ونشوء علم التاريخ بالنسبة لنشوء أول الحياة الإنسانية يُعتبر شيئًا حديثًا، لكن معظم علماء التاريخ والأنثروبولوجيا في العالم يُجمعون على أنه في المجتمعات الإنسانية البدائية كانت للأنثى قيمة إنسانية واجتماعية وفلسفية أكثر من الذكر، وأن الإله القديم كان أنثى، وأنه قبل نشوء الأسرة الأبوية كان المجتمع البدائي أمويًّا، وكانت الأم هي الأصل وهي العصب وهي التي يُنسَب إليها أطفالها".
ارتفاع مكانة المرأة:
ولم يكن هذا فحسب، من مكانة نالتها المرأة كما تؤكد السعداوي، بل رويدا رويدا قد "ارتفعت مكانة المرأة ارتفاعًا كبيرًا... وإذا كانت شعوب العالم المتقدم الآن تفخر بأنها تساوي بين الرجل والمرأة، فإننا نستطيع أن نفخر بأن هذه المساواة، بل وأكثر منها، كانت سائدة عند قدماء المصريين، وأن تشويه العلاقة بين الجنسين وسيادة جنس على الجنس الآخر لم تكن إلا نتيجة التشويه الإنساني الذي طرأ على الحضارة القديمة بسبب الأطماع الاقتصادية التي أصبحت تتزايد مع تزايد وسائل استغلال الإنسان للإنسان".
والسعداوي تستشهد بالتاريخ المصري القديم، وتفتخر به في الوقت نفسه، لأنها تعتقد أن المصريين هم اول من اعطى قيمة حقيقية للمرأة وقنن المساواة بين الجنيين، على اعتبار أن مصر لها تاريخ عريق، وهذا مما لا شك فيه، فالحضارة المصرية لا تقل اهمية عن حضارة وادي الرافدين، سومر، آشور، بابل، فضلا عن الحضارات العالمية الاخرى. حتى "كانت المرأة تصل إلى مرتبة الإله كما يصل الرجل إليها، لم تكن الألوهية منصبًا ذكريًّا فحسب، ولكن تاريخ مصر القديم حافل بالإلهات اللائي كان يُقدَّم إليهن القرابين وتُقام لأعيادهن حفلات رائعة، ومنهن إلهة العدل وإلهة الحقول وإلهة السماء وإلهة الكتابة وإلهة الحصاد وإلهة الحب والجمال والخصب وإلهة السرور والموسيقى وإلهة الولادة".
المشاركة فعلية للمرأة:
فمن تلك القضايا التي حصلت عليها المرأة في ظل تلك الحقب من الزمن، في مصر خصوصًا، فقد وصفت السعداوي حال تلك المرأة بأنها صار يعتمد عليها كعامل منتج حاله حال الرجل، اذا ما قلنا انها كانت هي الافضل في هذا المضمار، "فقد كانت المرأة الفرعونية تعمل في المصانع بالغزل والنسيج وصنع السجاجيد، وتعمل بالتجارة في الأسواق، وتشارك زوجها أعمال الصيد. وكانت الزوجة تُرسَم على المقبرة حتى الأسرتين الثالثة والرابعة (٢٧٨٠ قبل الميلاد) بحجم زوجها، كدليل على المساواة في الشرف والمكانة والحقوق والواجبات. وفي تمثال «بانجم» (في معبد الكرنك) تتقدم الزوجة زوجها، وهناك نُصُب تذكاري خاص بالسيدة «بيسيشت» من عصر الدولة القديمة يبين أنها كانت مديرة للأطباء. وقد حوكم أحد الأزواج لأنه سب زوجته؛ فأصدر القاضي حُكمًا بجلد الزوج مِائة جلدة، كما قضى بحرمانه من نصيبه من المال الذي كسبه بالاشتراك معها إذا عاد إلى سبها".