المغتصبة قربان على مذبح العنف المعمم



مراد حاجي
2020 / 4 / 19

إن ما يشد الانتباه في قضية الاغتصاب التي أثارت الرأي العام في الأيام الفارطة هو مشاركة نساء في الإيقاع بالضحية ومساعدتهن للجاني في بعض الروايات إضافة إلى مواكبتهن للجريمة دون أي تعاطف مع الفتاة. وقد تساءل الكثيرون لم شاركت هؤلاء في الجريمة أو شاهدن دون أي تدخل؟ هنا يحضرني ما يقوله "روني جيرار" في حديثه عن مثلث الرغبة أي الراغب والمرغوب والمنافس. ويمكن القول إن الثنائي الأول حاضر من خلال المعتدي والضحية أما الطرف الثالث فيبدو غائبا بحكم غياب المنافسة على الجسد مبدئيا. غير أنه بالتمعن في المسألة ومن جوه الغرابة فيها أننا يمكن أن نجد بوجه ما أن المشاركات شاركن لأنهن منافسات سلبيات.ولعلنا هنا نستحضر فرويد وحديثه عن عقدة الخصاء التي تعيشها الأنثى كما الذكر وهي تحضر عند الأنثى عند رؤية الأعضاء التناسلية الذكورية فتشعر بنوع من الغبن والإجحاف الحاصل في حقها. وإن كان فرويد يربط ذلك بالمرحلة الطفولية في الغالب فإن بعض الدارسين يرون أنها عقدة قد تتواصل في سن متقدم.
من هذا المنطلق هل يمكن اعتبار مشاركة بعض النساء في الجريمة نوعا من السعي إلى التعويض عن الخصاء والشعور بالإجحاف في حقهن؟ ألا يعزز هذا التصور ما نجده من تمجيد للذكورة خاصة في الأحياء الشعبية وحتى في الأعمال الفنية التي يتم عرضها حيث يتم التركيز على أن استحقاق الفتاة يكون بال"رجلة؟ أو ال"قرحة" وتفشي ظواهر تقليد الإناث للذكور في السلوك العنيف الذي يرتبط بتمثل الذكورة.
إن غياب أي وعي اجتماعي لدى الفئات المهمشة بأن الأنوثة ليست وصما وأن النساء يمكن أن ينلن حقوقهن وحريتهن الإنسانية دون أن يغادرن إلى مربع الذكورة. هو ما يجعل الكثير من الإناث بسبب الجهل وقلة الوعي ، يشعرن بعقدة الخصاء هذه أكثر ويسعين إلى تبني سلوكات ذكورية ظنا منهن أنهن يتحررن أو يكتسبن شيئا من القوة التي يتجاوزن بها هشاشة وضعهن.
إن هذه التصورات ليست وليدة أذهان النساء المهمشات فحسب وإنما هي وليدة ضغط اجتماعي يمارس. وهو يؤكد دونية المرأة وتفوق الذكورة. ويكون لجوء نساء الهامش إلى إثبات ذواتهن في عوالم الذكورة عبر تبني سلوك ذكوري نوعا من التعويض عن ذاك الشعور بالدونية.
غير أن السؤال يضحى أشد تعقيدا هل هؤلاء النساء ضحايا أم مجرمات. ربما كانت الإجابة إنهن ضحايا ومجرمات في نفس الوقت. ضحايا مجتمع عنيف في أغلب سلوكه تطغى عليه الجريمة والعنف ويسوده قانون الغاب. وهن مجرمات بالمشاركة في الجريمة وممارسة العنف.
وبعيدا عن منطق الدعوات التأثيمة الانتقامية بعد الحادثة نلاحظ أن الخطاب السائد يؤثم النساء المشاركات في الجريمة أكثر من الجاني نفسه . ويحدث هذا حتى لدى طائفة من النساء المتدخلات لمناهضة العنف المسلط على النساء. من هنا يمكن القول إن الأمر يثبت مرة أخرى هشاشة وضع النساء الضحايا أو المجرمات. كما يثبت أن مجتمعنا انفعالي في مثل هذه القضايا، تغلب عليه دعوات التأثيم الظرفي والسعي إلى الانتقام عبر العقاب ولكنه ينسى أن العنف بنية كاملة كامنة في الذهنيات وفي التنشئة الاجتماعية وان علاج الظاهرة لا يكمن في العقوبات الانتقامية بقدر ما يكمن في البحث عن علاجات للظاهرة.
ويمكن القول إن المغتصبة كانت قربانا على مذبح العنف السائد وإن كان القربان يوقف العنف بشروط فإن المغتصبة قربان يكشف عن عمق العنف السائد في مجتمعاتنا والذي يطال الجميع وهو كامن في بنى ذهنية تستبطن ذكورة العنف وتحتاج إلى دراسة معمقة.