هل الاغتصاب علامة فحولة ؟؟؟



خالد عبداوي
2020 / 4 / 21

في قضايا الاغتصاب غالبا ما ينظر إلى المرأة – الضّحيّة باعتبارها مجرمة أو تتحمّل مسؤوليّة ما جرى لها لأنّها أسهمت في إثارة الذّكر وتحريك أهوائه الجنسيّة ودفعته إلى ردّ الفعل وممارسة الاغتصاب... وهي نظرة تختصر المرأة في كونها كائنا مغريا ومغويا ينبغي أن يحتجب ويتوارى عن أنظار الذّكور حتّى لا تشتعل نار الفتنة في المجتمع. وفي الحقيقة إنّ موضوع الاغتصاب يحتاج إلى تغيير عدسة التّحديق. وإن عدنا إلى الثّقافة السّائدة التي يغترف منها الذّكور والإناث منذ ولادتهم وجدناها ثقافة تعلي من شأن الذّكور وتحدّد لهم خصالا ينبغي اكتسابها وأعمالا محدّدة ترتقي بهم إلى مصاف الرّجولة مثلما استقرّت ملامحها في المتخيّل الجمعيّ .وفي المقابل اسندت إلى المرأة صفات الضّعف والجبن والسّلبيّة والانفعاليّة والدّونيّة ولم تكن المرأة في التّمثّلات الاجتماعيّة سوى وسيلة لتسلية الرّجل وخدمته وإمتاعه أو وعاء يفرغ فيه الرّجل مكبوتاته الجنسيّة .
وألحّت الثّقافة السّائدة التي تحدّد أدوار كلّ جنس على أهمّيّة الفحولة الجنسيّة التي تفرض على الرّجل الاستعداد الدّائم للانتصاب والإيلاج والفتح والنّفاذ إلى جسد المرأة بواسطة آلته التي تحدّد هويّته الجندريّة إذ يفلت القضيب من كونه عضوا بيولوجيّا ليكتسب دلالات ثقافيّة واجتماعيّة تتعلّق بمدى قدرته على الغزو والفتق دون شرط ولا قيد. فالثّقافة التي اضطهدت المرأة على مدى قرون وحشرتها في دائرة الخضوع والتّبعيّة والاستنقاص وأنكرت هويّتها ما لم تكن مقترنة بهويّة ذكوريّة سواء أكان أباها أو أخاها أو زوجها ، هي ذاتها التي جعلت من العدوانيّة والعنف ضدّ المرأة سمات رجولة وعنوان فحولة لا تنضب.
إنّ الثّقافة الذّكوريّة التي تنقلها الجدّات لأحفادهنّ والأمهات لأبنائهنّ والكبار للصّغار عبر القصص والحكايات والأمثال والألغاز هي التي أنتجت علاقات تتغذّى من التّحيّز الجنسيّ وكره النّساء والعدوانيّة وتوارثتها الأجيال عبر وسائط مختلفة منها البيت والمدرسة والشارع ووسائل الإعلام وكلّ المؤسّسات الذكوريّة. فالرّجولة المثقلة بعباءة التّقاليد والأعراف السّائدة تحتاج إلى الفعل والبروز واحتلال واجهة المسرح الاجتماعي. ويجد هؤلاء المجرمون أنفسهم في حاجة إلى تجسيد ذكورتهم والتّعبير عن ذواتهم الذكوريّة والتّقليل من الشّعور بالضّآلة والاحتقار إزاء نجاح المرأة واحتلالها ركح الفعل الاجتماعيّ بما حصّلته من معارف ومهارات بوّأتها مراتب عليا أربكت الكثير من التصوّرات الاجتماعيّة التّقليديّة للذّكورة والأنوثة وأحدثت تشويشا. وتجد النّساء أنفسهنّ يدفعن ضريبة نجاحهنّ وتألّقهنّ ويتحمّلن وزر فشل فئات من الذّكور المجرمين الذين يرتكبون هذه الجرائم بحثا عن الاعتراف الاجتماعيّ ولفت الأنظار إليهم وتعبيرا عن رجولتهم التي لا تكون إلاّ بالإفراط الجنسيّ واغتصاب النّساء واتّخاذ الشّارع مسرحا للجريمة استعادة لفحولتهم الجنسيّة وتعويضا عن خصائهم النّفسيّ والرّمزي الذي يعبّر عن فشلهم في ولوج عالم النّجاح والتّميّز الذي لم يعد حكرا على عالم الرّجال.
ولعلّ حضور المرأة في مسرح الجريمة دليل آخر على أن الثقافة الذكورية ليست حكرا على الذكور فقط وإنّما هي معين تنهل منه النّساء أيضا وأنّ كره النساء لا يقتصر على الرّجال فحسب بل يتعدّاه إلى كره المرأة للمرأة والتّآمر عليها والمساعدة على اقتراف الجريمة. وتدعونا قضيّة الاغتصاب إلى إعادة النّظر في الثّقافة السّائدة وتغيير قواعد بناء الرّجولة والدّعوة إلى احترام الذّات الإنسانيّة وشروط العيش المشترك وتغيير العلاقات الجندريّة التي تختزل النّساء في المتعة والتّسلية . وتقودنا أيضا إلى اعتبار الاغتصاب ليس قضيّة نسائيّة بل قضيّة تهمّ الرّجال والنّساء ، قضيّة شعب ووطن ، قضيّة إنسان.