الوعي بعنف الجندر



عبد الرؤوف روافي
2020 / 4 / 22





تعترض سبيلنا يوميا أصناف من النساء : الطبيبات و الأستاذات و المعلمات و الموظفات و العاملات و الفلّاحات…مشهد يبعث على الفخر بأن نساء بلادي نساء و نصف لولا هذا الصوت النشاز ينعتهن بالسفور ويطالبهن بوجوب العودة إلى الخدر . و ها قد حلّ وباء جعل الحجر لا خيارا بل اضطرارا. فهل انتهى العنف ضد النساء بمجرد مكوثهن في المنزل؟
إن روتين تواجد الزوجين بالمنزل و حالة الضغط النفسي الناتجة عن القلق إزاء وباء غامض ،و كثرة عدد المصابين ، و قلة ذات اليد أحيانا في توفير ما به تقتات العائلة….يمكن أن تفسّر عنف الزوج ضد الزوجة ، لكن ذلك ليس مبررا كافيا للعنف بدلالة توفر هذه الأسباب جميعا عند بعض العائلات دون تسجيل أشكال عنف .
يمكن إذن أن نطل على المبررات من كوة نفسية فالعنف الذي يمارسه الرجال على النساء يعود إلى مكوثه طويلا في البيت الذي يحوّله في لاوعيه إلى امرأة طالما أنه صار يتجوّل في جغرافية المنزل : المطبخ و الغرف ويستمع إلى كلام حول وصفات الطبخ و كيفيات التنظيف و طرائق الغسيل وترتيب الغرف.
و قد يكون بعضهم قد انتقل بفعل المكوث، إلى المشاركة في الأعمال المنزلية دفعا للملل أو استجابة لطلب الزوجة ومساعدتها في بعض الأعمال. فيرى في الاستجابة ضربا من التنازل عن العصبية الجنسية و تخلٍّ عن ذكورية متعالية لصالح سطوة نسائية و ربما رأى في تلك الأدوار مساسا بالفحولة أصلا فهي أفعال أنثوية.
أمّا البعض الآخر فيحتاج إلى أن يعود إلى ديدنه: رجلا عنيفا يغتصب نساء في الشارع أو يحول وجهة زبونة في تاكسي أو أن يعنف زوجته ليذكّرها بأنه هو الرجل و هي المرأة. و هو سلوك يعكس واقعا يرثه الخلف عن السلف، فكر متخلف يرى أن النساء هنّ المؤدبات و من دور الرجل أن يكون الضاربَ. هو فاعل و هن مفعولا بهن هكذا اريد لهنّ أن يكنّ طيعات لصالحه...
إن الرجلَ المحجور داخل المنزل والمنقطع عن عالمه الرجالي يحتاج إلى تعنيف زوجته ليثبت لذاته قدرته على استعادة ذكورته وليبرهن لزوجته أنه الآمر فلا يمكن أن تمنعه مثلا من التدخين في المنزل…وهو سلوك ناتج عن صراعات لا شعورية تلعب الظروف الاجتماعية و الثقافية دورا كبيرا في تفعيلها. فمتى شعر الرجل بأن ذكورته قد صارت محل اشتراك مع المرأة فإنه لا يجد سوى العودة إلى العنف بحثا عن التوازن .
إن العنف بأنواعه ضد النساء و اغتصاب أجسادهن رمزيا بالتلصص و واقعيا بالتحرش أو التماس أو المفاحشة إنما هو ممارسات في المكان سليلة أفكار في الأذهان صادرة عن فكر رجالي محكوم بكوجيتو على نوعين:
الأول متخلف قائم على احتقار النساء وتأديبهن.
الثاني:شعور بالاستعلاء فأنا رجل إذن أنا ضارب . أي فاعلية الضرب المبني على الجندر .صحيح أن العنف ضد النساء ، قد تراجع مقارنة بماضي المجتمعات بفضل القوانين ونضالات الحركات النسوية عبر العالم و بروز طلائع من الباحثات في حقوق النساء و دراسات الجندر . غير أن الحساسية اليوم ضد العنف المسلط على النساء صارت أرهف لأننا نحيا في الظاهر زيف المدنيّة و الحداثة و المساواة بين الجنسين و نعيش في الباطن حقيقة الجاهلية و الرجعية و تمييز الرجال على النساء في العمل و السياسة و الثقافة..
فهل نكتفي برصد عدد النساء ضحايا العنف ونستسلم لثقافة العنف ضد النساء أم ننشر الوعي بقضية العنف المبني على الجندر ؟