مدخل إلى كتاب “نقد الحركة النسوانية “لتوني كليف



حياة الموسوي
2020 / 5 / 2

عرض: حياة الموسوي
مؤلف الكتاب توني كليف مفكر اشتراكي بريطاني كان قائدًا لحزب العمال الاشتراكي، ولد في فلسطين عام 1917 وعرف بمواقفه المعادية للصهيونية، وله العديد من المؤلفات في الفكر الاشتركي، والعنوان الأصلي للكتاب الذي نتناوله هو: “النضال الطبقي لتحرر المرأة”، ونستعرض هنا المقدمة التي كتبتها للترجمة العربية للكتاب الكاتبة والمناضلة التقدمية المصرية فريدة النقاش، بعنوان: “دروس وخبرات لنا”، حيث تعرض المنطلقات الأساسية للقضايا المطروحة في الكتاب.
هذا كتاب في تاريخ النضال النسائي الأوربي والأمريكي على امتداد قرن أو يزيد. هو كتاب لكل الإشتراكيين رجالًا ونساء، حزبيين ونقابيين مثقفين وعمال، بل لكل المهتمين بقضية المرأة. وتزداد أهمية الكتاب لإن جذورالحركات التي يضيء عمليات تأسيسها ثم صعودها وانهيارها خاصة في بداية القرن الماضي كانت قد نشأت في ظروف تحمل بعض خصائصها سمات مشابهة للمرحلة التي نعيشها نحن الآن، فإن الخبرة المتراكمة في هذه البلدان تصبح ذا فائدة عظيمة لنا .
يرى المؤلف في بداية كتابه أن نقطة إنطلاقه في تحليل مكانة المرأة في المجتمع هي علاقات الإستغلال الطبقي، ولذا ترتبط الحركة النسائية ارتباطا وثيقا بالمد والجزر في الحركة العمالية سواء في النقابات أو الأحزاب السياسية وبالأوضاع الإجتماعية الأقتصادية التي كان تدهورها يؤدي بشكل مباشر الى تراجع حركة النساء وانهيار أوضاعهن.
وتبرز النساء العاملات في هذا الكتاب، شأنهن شأن أي من الجماعات البشرية المضطهدة، مع فارق واحد بينهما هو أن النساء أضعف بسبب الإرث التاريخي والتحيزات التي وضعتهن في خانة أدنى. ويبين الكاتب كيف أن هذه التحيزات قد إنحدرت بالمقلوب الى تيار رئيسي في الحركة النسوية، ويضرب مثلًا على ذلك كيف أن الإشتراكيين حين نجحوا في تنظيم النساء وإشراكهن في النضال الطبقي مع العمال كسبوا قوة إضافية هائلة، وكسبت النساء أنفسهن وعيًا وخبرة وحقوقًا. كما أن النساء في الثورة يصلن الى أرقى حالاتهن وتتفتح قدراتهن بلا حدود ويدفعها إلى الأمام، كما تقول الكسندرا كولونتاي المناضلة والمفكرة السوفيتية التي شاركت هي نفسها في ثورتي 1905 – 1917. ففي 1905 لم يكن هناك ركن في البلاد إلا ويسمع صوت إمرأة تتحدث فيه عن نفسها وتطالب بحقوق جديدة .
وفتحت أبواب النقابات على إتساعها للنساء منذ البداية في روسيا، وعندما اندلعت الثورة البلشفية كانت النساء يشكلن نصف قوة العمل تقريبًا، والثورات كما يقول لينين هي “أعياد المقهورين والمستغلين، ففي زمنها وحده يتاح لجماهير الشعب أن تطرح نفسها بفاعلية كخالقة لنظام جديد”. وبطبيعة الحال فحين تصبح النساء قوة فاعلة في مثل هذه الأعياد فإن ثقل الماضي الذي يجثم على كاهلهن سرعان مايسقط شرط أن يكون الطابع الشعبي هو الغالب في الثورة، كما هو الحال في الثورة الفرنسية حيث كانت نموذجا لحركة شعبية عارمة قادتها النساء جماعة. ويطبعن المطالب الثورية بطابع حاجاتهن كجزء لايتجزأ من الجماهير العاملة المسحوقة. “عند نساء الطبقة العاملة حيث كانت مشكلات التضخم والبطالة والجوع أكثر إلحاحا بكثير من مسائل الطلاق والتعليم والوضع القانوني. يقول أحد الكتاب الفرنسيين: “إن مظاهرة خبز بدون نساء هي تناقض بحد ذاته.. كذلك كانت قاعدة نفوذ الأذرع العارية تكمن في الجمعيات الشعبية التي تضم عددًا كبيرًا من الجمعيات النسائية.
ولعلنا نجد خبرة مشابهة لإنخراط النساء في ثورات القرن الماضي فيما حدث في الجزائر أثناء حرب التحرير حيث نظمت الثورة النساء المعدمات، وفي الإنتفاضة الفلسطينية حيث تلعب المرأة دورًا بارزًا يحتاج إلى دراسة. وفي حال تراجع الثورة أو عدم نضجها السياسي تدفع المرأة الثمن مضاعفًا، ومع تراجع المد الثوري تتراجع الحركة النسائية، كما حدث في روسيا كان تراجع العاملات أشدّ من الجميع حين منيت الطبقة العاملة بسلسلة من الهزائم الفظيعة. وفي باريس في مايو 1795 اقترع المؤتمر الوطني على منع النساء من حضور اجتماعاته، على أن يسمح لهن في المستقبل بالفرجة فقط إذا كن بصحبة رجل يحمل بطاقة مواطن.
أما كومونة باريس فقد سقطت في واحدة من أغرب مفارقاتها ألا وهي “أن نساء الطبقة العاملة وقد لعبن دورا ضخمًا في الثورة لم يحصلن على مجرد حق الإقتراع”. كانت هزيمة الثورة تعني هزيمة النساء .
ورغم أن تزايد تشغيل النساء واندماجهن في العملية الإنتاجية هو بكل المقاييس عملية تقدمية لصالح تحرير المرأة، إلا أن هناك حقائق تنفي هذه العملية في بعض الأحيان، فقد رصد الاقتصاديون المصريون ظاهرة خاصة بعمل المرأة التي زادت نسبتها من 5% الى 11%في زمن الإنفتاح الاقتصادي رغم أن البطالة تزايدت في نفس الفترة تزايدًا هائلًا. وتبيّن أن أجور النساء في القطاع الخاص أقلّ بكثير من أجور الرجال، بالإضافة إلى عدم انخراطهن في النقابات، وهو مايجعلهن فئة ضعيفة عاجزة عن الدفاع عن نفسها وتصبح بذلك مطلوبة لضرب الحركة العمالية.
وتبقى الحقيقة الأساسية في تشغيل المرأة أيًا كانت الظروف وألاعيب أصحاب العمل والمعارك التي تخوضها النساء العاملات من اجل تحسين ظروفهن هي مفتاح لتغيير أفكارهن ورفع الوعي لديهن، لأن العمل الجماعي يزيد ثقة المرأة بنفسها وفي زملائها وفي طبقتها. إنه في الواقع السبيل الوحيد لتحطيم إيديولوجية الإضطهاد التي هي نتاج للتربية تاريخيًا والعزلة وانخفاض الأجر، حيث “تؤدي العزلة إلى إعادة إنتاج مثل هذه الأفكار الطبقية السائدة في الإعلام والتعليم والثقافة بشكل منظم، فبالرغم من إنخراط النساء في العمل بدرجة وصلت في بعض البلدان الى نصف قوة العمل، فإن نظام التعليم يربط الفتيات برؤية وظيفتهن مستقبلا كربات بيوت وزوجات وأمهات لا كعاملات.
وبالرغم من أن خروج المرأة للعمل ارتبط بظهور الرأسمالية ونموها فإن الكاتب يكشف كيف أن اول من ثبت فكرة الأسرة التي لاتعمل المرأة فيها خارج البيت هي الطبقة الرأسمالية ذاتها، إذ كان هذا الحل الذي يوفر ثلاث مزايا، فهو يتيح إحلال كمية إضافية من العمل غير المدفوع الأجر محل إنفاق إجتماعي، ويتيح قدرًا من الصحة العامة في حياة الطبقة العاملة حيث تربي المرأة الأطفال وتنهض بعملية التغذية. وأخيرا فإن هذا سيمكن الرجل من ضبط المرأة، وهذا ماتفعله الجماعات الدينية في العالم العربي. وأكثر ماتخشاه الرأسمالية التي تخطط حتى في أكثر حالاتها تقدمًا لإبقاء قدر من البطالة في المجتمع تستخدمه ضد العمال هو أن تواجه في حالة انخراط النساء على نطاق واسع في الإنتاج وتنظيم الخدمات المنزلية والأسرية اجتماعيا هو طبقة عاملة قوية موحده برجالها ونسائها قادرة على الدفاع عن حقوقها وتوسيعها والنضال بهمة أكبر من أجل تحويل المجتمع وبناء الإشتراكية .
الدروس والخبرات المستفادة من هذه التجارب لحالتنا العربية:
* لا يمكن فصل نشاط نساء الطبقة العاملة والكادحات عموما عن نشاط ومصير الطبقات التي ينتمين اليها، فقد نهضت العاملات حين ثارت طبقتهن، وسقطن حين هزمت الطبقة هزيمة كاسحة، وبسبب العجز عن صياغة الوحدة الطبقية في أمريكا بين جميع العمال رجالًا ونساءً انجذبت الحركة النسائية الى لون من وحدة الجنس، وحدة السيدات وخادماتهن.
* لقد بذلت فرسان العمل الأمريكية جهودًا جبارة لإقامة وحدة عمالية تتجاوز بقوتها فوارق المهارة والعرق والعقيدة والجنس والأصول القومية.
* ضرورة إرتباط القدرات التنظيمية إرتباطا وثيقا بعملية التحريض، إذ أن هذه العملية ذاتها كانت تؤدي الى إكتساب النساء قدرات جديدة لأنفسهن. وكما قالت جيرلي فلين: “معظمنا محرضون رائعون ولكننا ضعفاء كمنظمين نقابيين”.
* وعن تجربة إنشاء منظمة نسائية تضم الجميع مالكات وكادحات في روسيا، كالجماعات التي نظمتها النسويات البرجوازيات، فإن تكن قد صعدت سريعًا فقد تحللت سريعًا، أحد الأسباب هو عمق الهوة مابين السيدات البرجوازيات والبرجوازيات الصغيرة من جهة، ونساء الطبقة العاملة من جهة أخرى
* في ألمانيا تمثل فشل روزا لوكسمبورج وكلارازيتكين وأنصارهما في إنشاء منظمة يعتد بها في صفوف النساء كما في صفوف الرجال، في ظروف موضوعية، وهي توسّع الرأسمالية الذي أدى إلى تحولات بيروقراطية في الحركة العمالية وتحولها العميق إلى حركة إصلاحية، أما الفشل الذاتي لليسار فتمثل في عدم تدخله في النضالات اليومية، أي أنه لم يطور من ممارساته الثوريه (الدعاية الثورية).
* لم تكن مواقع العمل هي مكان نشاط المنظمة الرئيسي، بل الشوارع والإجتماعات العامة. وفي مثل حالاتنا حيث “تمنع القوانين المعادية للحريات النشاط السياسي في أماكن العمل كما تمنعه في الشوارع والاجتماعات العامة”.
* ولعل الخبرة الفرنسية في إنشاء منظمات نسائية – إشتراكية أقرب إلى واقعنا العربي من كل الخبرات إذ “وحدت أولى الإشتراكيات أنفسهن معزولات عن بعضهن بانتسابهن لكثرة من الجماعات الحلقية التي ميزت الإشتراكية الفرنسية في طور تكوينها .
* غالبا مايؤدي التعاون الطبقي لطمس الصراع الطبقي للإضرار بقضية تحرر النساء إضرارًا بالغًا. ففي بريطانيا “أضرت سياسات التحالف مع الليبراليين بمصالح العاملات، فقد أعيقت قدراتهن الكامنة وشوهت ولم يتح لها النمو أبدًا ،بينما يجري دفعهن الى التحالفات الطبقية”. وفي إبقاء االنساء غير منظمات وضعيفات، وعلى طرفي نقيض كما في أمريكا .
* وبقيت حركة النساء في بريطانيا متخلفة كثيرا عن حركة العمال والسبب هو الطبيعة المحافظة للأخيرة، حيث نجد بعض قادة حزب العمال البريطاني يقولون مثلا “إن النساء مثلهن في ذلك مثل الأجناس السوداء من عينة أدنى”.
* وفي الإتحاد السوفيتي لدى قيام الثورة البلشفية كان الفلاحون يمثلون أربعة أخماس السكان، ووجهت البطالة ضربة عنيفة لمحاولات تحرير النساء، ودعمت اعتماد النساء على الرجال اقتصاديًا، واكتسبت الإتجاهات الرجعية القهرية قوة، راحت تتوقف المؤسسات الجماعية الكثيرة، المطابخ الجماعية، وقاعات الطعام الجماعية، وبيوت الأطفال ودور الحضانة مع سعي الحكومة لخفض الإنفاق .”