كسر حاجز الصمت



ماري تيريز كرياكي
2006 / 6 / 21

ماذا يعني الموقف الأخلاقي، وما هي الأخلاق، هل الأخلاق مسألة نسبية خاضعة للزمان والمكان أو هي تعريف مطلق. هل من الأخلاق أن نرى الحال المتردي لوضع النساء في بلادنا وأن لا نتطرق له بحجة أن البلاد تمر في ظروف صعبة وتتعرض لضغوطات من الخارج، وهل كانت البلاد على 35 عاماً لا تتعرض لأي من الضغوطات الحالية، وهل سننتظر لسنوات طويلة أخرى لنبدأ باصلاح الحال، لأن الوقت غير مناسب. اعتقد أنه من انعدام الأخلاق الاستمرار في الصمت والتغاضي عما يجري، وهل إن تكلمنا عن الأوضاع المتردية في البلاد في الوقت الحالي نصنف ونوضع في خانة العملاء والخونة. على الرغم مما سبق ومن الأحكام التي ستطلق علينا، اعتقد بأن الصمت بحد ذاته هو مساهمة في انحطاط القيم والأخلاق.

نحن نعرف ما تخلفه الحروب من كوارث لا حصر لها، فقر، وعنف يطال الجميع وعلى الأخص الفئات الأضعف في المجتمع من الأطفال والنساء والأقليات، وازدهار سوق الدعارة، والاتجار بالبشر، وأمور عديدة أخرى.

هذه الآثار لا تقتصر على البلاد التي عانت وما زالت ويلات الحرب، بل تمتد إلى الدول المجاورة لها وتنعكس عليها بشكل سلبي مما يهدد بتقويض بنائها الاجتماعي، إضافة إلى وجود قوانين، في جميع هذه البلاد، تساهم في التغاضي عن ارتكاب العديد من الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان بما فيها من تمييز وعنف وتعذيب واحتجاز تعسفي على المجتمع عموماً والنساء خصوصاً، مع بقاء الجناة بمنأى عن العقاب .

وقد دخل سورية منذ احتلال العراق نحو 700000 لاجئ عراقي، سمحت لهم الحكومة بذلك عقب تفشي العنف والتطهير الطائفي في العراق. وقد طال هذا العنف على وجه الخصوص الألوف من مسيحيي العراق الذين استهدفوا من الفئات الدينية والعرقية المعارضة لهم وذلك إما بتخوينهم أو تكفيرهم، بعد وضعهم موضع الشك بسبب عملهم مع الأجانب أو السلطة المؤقتة أو السلك العسكري كمترجمين أو كسائقين ومعلوم أن ناس الاقليات يتقنون العديد من اللغات الأجنبية مما يمكنهم من القيام بالأعمال المذكورة.

وكما هو معلوم لا يسمح للاجئين في سورية للقادمين من الخارج بممارسة العمل. وكثيرون من هؤلاء يعيشون على مدخراتهم التي لا تلبث أن تنفد، ويحاول العديد منهم الحصول على أي تأشيرة ولأي بلد في العالم مع علمهم بأن الأمل ضعيف في ذلك. وهذا ما يدعونا في ظل هذه الظروف السيئة لا نستغرب أن تشهد سورية نمواً في الاستغلال والدعارة.

وقد كان لزاماً على الدولة قبل السماح للاجئين بالتدفق على أراضيها بأن تكون مستعدة لاستقبالهم في بيوت تابعة لها، وتقدم لهم المأكل والشراب والرعاية الصحية، وأن تسمح لهم بالخروج بعد حصولهم على عمل يمكنهم من العيش، وأن تعاملهم معاملة تليق بكرامة الإنسان إسوة بمعاملة دول العالم للاجئيها.

فبعد أن مزقت الحرب العراق، أضطر العديد من الفتيات اللاجئات إلى سورية إلى بيع أجسادهن لكي يقمن بإعالة أسرهن المشردة، وتوزعن في شوارع دمشق كل منهن حسب انتمائها الطائفي، المسيحيات في جرمانا، والشيعيات في السيدة زينب، والسنيات في مساكن برزة. يدير أعمالهن شبكة كاملة من مهربين وقوادين وسماسرة عقارات ورجال أمن وأطباء بكافة الاختصاصات وأصحاب ملاهي ليلية ومطاعم ومراكز الخدمات الأخرى.

هذا، يضاف إليه العاملات في السوق المحلي من سوريات ومغربيات وأجنبيات، واللواتي بدأن بالتذمر جراء رخص الأسعار لزيادة العرض، هذه العروض التي تتم أولاً عبر الهاتف بعد السؤال عن عمر الفتاة، وزنها، طولها، لونها، وثانياً عبر معاينة البضاعة حيث يأتي القواد بالفتيات إلى المكان ويتم الاختيار وهن باللباس الكامل ثم بعد خلع الملابس. وفي موسم السياحة تكون فرص الاختيار أقل، وتتراوح الاسعار ما بين 2000 إلى 7000 ليرة سورية. وأحياناً تعمل الفتيات تحت اشراف أحد أفراد العائلة كالزوج أو الأخ أو الأم.

وأخطر هذه الظواهر يتمثل في تواجد فتيات في عمر الطفولة (11 و 12 و 13 سنة) يجبرن على هذا العمل المهين، هذا ما يؤكده عضو اللجنة العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة السيد عبد الحميد العوالي. وهذا بحد ذاته انتهاك لحقوق الطفل والمرأة معاً.


وقد روت الصحافية بهية مارديني في (ايلاف الالكترونية 26/12/2005) عملية استدراج ناريمان الشابة إلى ورشة للخياطة في جرمانا حيث تم اغتصابها وتعذيبها وربطها بالسلاسل لرفضها الانصياع للعمل كمومس، ثم ما لبث أن تمكنت من الهرب، وأقامت دعوى قضائية ضد العديد من الشخصيات التي تعمل في الأمن والقضاء والطب، خصوصاً الطب النسائي. ووعدت السلطة بعد قيامها بالتحقيق مع ناريمان ومحاميتها ميساء حليوة بعقاب كل من يثبت تورطه في هذه الفضيحة. وحتى الآن لم يدن أحد. وقد بقي الخوف من أن تدان المغتصبة بتهمة الفعل المشين وتحكم بالسجن ويُبرأ من قضى على مستقبلها.

صحيح أننا لن نستطيع إلغاء مهنة الدعارة. ولكن ناقوس الخطر قد دق منذ زمن. والخطر ليس محصوراً فقط في الصعيد الاجتماعي، بل هو مائل على الصعيد الصحي أيضاً. وهذا يتطلب منا وقفة جادة وصريحة. والسؤال أولاً هو: هل لدينا مشكلة ولا ندري بها؟ أو أننا نعرف بوجود المشكلة ونتحاشى التطرق لها بحجة أننا مجتمع محافظ ولا يمكن طرح هكذا قضية على العلن، مما يزيد من تعاظم هذه الظاهرة واستفحالها. ونحن نرى أن القضية تتطلب منا وقفة جادة وأن علينا:

1) البدء بإعداد احصائيات متكاملة تحدد:
أ) حجم المشكلة
ب) حصر الأمراض الجنسية والتناسلية والايدز
2) إنشاء مراكز الرعاية للاجئين.
3) إقامة حملات توعية للاجئات حتى لا يسقطن فريسة للاستغلال الجنسي.
4) إنشاء المزيد من مراكز الرعاية للسيدات اللواتي مارسن الدعارة وإعادة تأهيلهن.
5) إقامة دورات تدريبية لرجال الأمن والقضاء.
6) مكافحة الفساد في الجهازين الأمني والقضائي.
7) ضرورة التصدي لظاهرة الدعارة وللأسباب المؤدية لها:
أ) العمل على نشر ثقافة بديلة تحترم المرأة كإنسان كامل الحقوق، ولا تختزل كيانها الإنساني بجسدها.
ب) تفعيل منظمات المجتمع المدني للمساعدة في مكافحة هذه الظاهرة.