فتيات السودان السئات الجدد



محمد عبدالله الحسين
2020 / 6 / 14

فتيات السودان السيئات الجدد
النساء المغنيات في الشتات السوداني
تأليف: انيتا ه فابوس

New Bad Girls of Sudan
Women Singers in the Sudanese Diaspora
ANITA H. FÁBOS

ترجمة: محمد عبدالله الحسين

مقدمة تعريفية عن الكاتبة:‏
الدكتورة انيتا ه. فابوس. تعمل استاذة مشاركة في جامعة كلارك بالولايات المتحدة ، ‏من عام‎ 2009 ‎حتى تاريخه. وهي مهتمة بدراسات الهجرة واللاجئين والمرأة، والنوع‎
الاجتماعي. وقد أجرت أنيتا فابوس العديد من الدراسات والأبحاث حول حياة وهوية ‏اللاجئين والمهاجرين السودانيين في مصر على وجه الخصوص. ‏‎
كُتِب هذا المقال ضمن أحد فصول كتابBad Girls of the Arab World)‎‏)- ‏‏(فتيات العالم العربي السيئات) الذي حررته كل من نادية يعقوب، ورولا قواس، ونشرته ‏مطبعة جامعة تكساس عام 2017‏‎.
ويتناول الكتاب سيرة النساء اللائي اخترن عبء مجابهة الانتهاكات الاجتماعية ‏والسياسية، وتم اعتبارهن بذلك متجاوزات للأعراف والمعايير الاجتماعية،أي وفقاً ‏لموقفهن المتحدي‎.‎
عن عنوان المقال:‏
جاء في العنوان إطلاق وصف(سيئات) على هؤلاء الفتيات من قِبَل ممثلي السلطة‎
السياسية والقيّمين على الضبط الاجتماعي، بمثابة عقوبة لهن تحمل كل معاني‎
الغيظ والتشَفِّ لكونهن تجرَّأن وتحدّين المعايير السياسية والاجتماعية‎.
أما من وجهة نظري الشخصية فإن كلمة (سيئات) خلاف ما تحمله من إشارات ‏ومضامين مسيئة حسب المعايير الاجتماعية فهي كذلك تعتبر مجحفة في حق هؤلاء ‏الفتيات تصفهن.‏
‏ وبالتالي فإني أرى أن وصف(متحديات) قد يكون هو الوصف الأدق والأنسب ‏لإطلاقه على هؤلاء الفتيات. إلا أنه في سبيل توضيح ما عانينه، وفوق ذلك، وتماشياً ‏مع ما تواضع عليه الكتاب الأم سوف أبقيِ على كلمة ‏(سيئات) في الترجمة، ‏بالرغم ‏مما شاب مضمونها من عوار، وإجحاف‎.‎
أخيراً لابد من التنويه بأن الآراء المذكورة في هذا المقال هو رأي الكاتبة فقط، و ليس ‏بالضرورة أن تتفق مع آراء المترجم.‏

‏**************************************************‏
دخلت ستونة مجروس إلى قاعة محاضرات مركز السودان للثقافة والمعلومات بالقاهرة ‏، متبوعة بحاشيتها. بعد تقديم قصير من قبل مدير المركز، بدأت في الغناء ، ‏بمصاحب(الدلّوكة), وهي طبل متوسط الحجم مرتبط بالثقافة الادائية للمرأة في شمال ‏السودان تحديداً ب(أغاني البنات)، وهي الأغاني التي تغنيها النساء والتي ترتبط لدى ‏الجمهور بتقاليد الزفاف السودانية. كان كل الجمهور السوداني بأسره في تلك اللحظة‏ ‏في منتصف 19905 تقريباً، قد عّبر عن تقديره لسماع الموسيقى المألوفة لديه، ‏والمرتبطة بطقوس الزواج الوطنية والمفاهيم الجنسانية للتقاليد الثقافة السودانية، من ‏خلال التصفيق والغناء معها بحماس.‏
إلا أن ذلك الفعل لم يكن مجرد تعبير عن الحنين (النوستالجيا) من قِبَل مجموعة من ‏المهاجرين توقاً إلى ما قد ألِفوهُ. كان كلُّ واحدٍ من الحضور في تلك الأمسية تقريباً ‏ضمن من غادر السودان إلى مصر في ظل ظروف التهديد التي أوجدتها الحكومة ‏الإسلامية، والتي استولت على الحكم بانقلاب ‏عسكري في عام 1989. ‏كان بعض ‏من هؤلاء المنفيين، من الخاسرين في المعركة بين التغيير الديمقراطي والحكم ‏لعسكري الاصولي، حيث تعرّضوا للعنف الفائق على يد النظام ففروا بحياتهم. كما ‏تعرض بعضهم للمضايقات والتنمر وللفصل من العمل، بالإضافة لبعض الوسائل ‏الأخرى- الإدارية و(البلطجية) على حد سواء، وذلك لمعاقبة السودانيين من الرجال ‏والنساء لتجاوزاتهم المزعومة.‏
يتم تحديد مثل هذه التجاوزات بشكل مختلف بالنسبة للنساء وبالنسبة للرجال وذلك ‏غالبا من خلال الاتهام بالسلوك اللاأخلاقي، كما هو محدّد في المادة 152 من قانون ‏العقوبات ، وهي أداة مهمة ضمن مجموعة أدوات مشروع الحضارة الإسلامية للدولة ‏السودانية. وكان من بين أكثر من عومِلوا بقسوة بواسطة النظام هم الموسيقيون ‏‏والموسيقيات على وجه الخصوص. فخرجت أعداد كبيرة الموسيقيين إلى المنفى
احتجاجًا و كذلك للاستمرار في أنشطتهم المهنية دون قيود أو ‏عقوبات.‏
كانت ستونة مجروس، وهو الاسم المسرحي لفاطمة علي آدم عثمان – واحدة من ‏بينهم حيث تركت مسيرتها ‏الموسيقية خلفها في الخرطوم للانضمام إلى سودانيين ‏آخرين في الشتات‎‏ الممتد.‏
إنني أركز هنا على مشاركة مجموعة من المطربات السودانيات خارج السودان وذلك ‏في إطار الجدل السوداني المستمر حول الهوية والتغيير. إن المطربات في الشتات ‏هم في خلافٍ مع إعادة تنظيم النظام الجنساني(الجندري) في السودان الذي ترعاه ‏الدولة، و الذي يتجاوز حدود الوطن السوداني و المعايير الجنسانية. بغض النظر ‏عن تفضيلاتهم الشخصية أو علاقاتهم المعقدة مع السودان ضمن المطالبة بالهوية، ‏فإن النساء السودانيات اللائي يقمن بالأداء كفنانات مُتعرِّفات كسودانيات، فإنهن ‏يُصبِحن محط انتقادٍ، وذم من المستفيدين من الوضع الراهن.‏
وعلى هذا النحو، فإن دورهن المهني نفسه يعتبر متجاوزا، ويُوصَم بالتالي حسب ‏النظام الاجتماعي والسياسي والقانوني، ووفق كبار ‏الأوصياء، باعتبارِه مخلاً بالآداب‎‏.‏
‏ إنني أقدم هنا ثلاثة من النساء المغنيات في الشتات المعاصر، ستونة، ورشا، ‏والسارة.‏
حيث ان مشاركاتهن الموسيقية في جغرافية السودان المعقدة ‏للشتات السوداني تربط ‏بين الأنواع الفنية والثقافات والتاريخ. بينما كانت النساء (السيئات) جزءً من ‏المشهد ‏الموسيقي الشعبي في السودان منذ قبل الاستقلال، فإن الانترنت ومواقعَ الوسائط ‏‏التفاعلية على وجه الخصوص، قد اتاح ‏ الفرصة لمجموعة جديدة من الفتيات ‏السودانيات (السيئات) ليكنَّ بعيداً عن متناول الدولة السودانية، والمشاركة في ‏النقاشات الوطنية.‏
إن هؤلاء النسوة الثلاث لا يرين أنفسهنَّ (‏سيئات)، إلا أن أصولهم السودانية ورؤيتهن ‏العالمية وتحديهن للوضع الاثني والديني والطبقي والجنساني الراهن، يضعهنّ في نظر ‏اللوائح الحكومية العقابية المتعلقة بالأداء الموسيقي، كعناصر هدامة. جاء أولئك ‏المطربات، الفتيات السيئات الجدد في أعقاب مجموعة كبيرة من النساء المشهورات ‏في حقبة سابقة للموسيقى السودانية واللائي دفعنَ باتجاه تضمينهن في صناعة ‏الموسيقى المزدهرة التي ترعاها الدولة، واللائي تصدّين لأولئك الذين منعوا مسارات ‏المرأة للمشاركة علناً كفنانات.‏
إن الظروف السياسية قد أدت إلى غياب فتيات سيئات جديدات عن المشهد ‏الموسيقي الوطني، وهي الظروف التي اتاحت لأصوات مطربات الشتات منصةً رحبةً ‏لتعليقاتِهن ومشاركاتِهن. كان للمطربات الثلاثة تجارب مختلفة جداً، فيما يتعلق ‏بالمنفى والمسارات المهنية، والعلاقات مع المشهد الموسيقي السوداني. فهنّ يُقِمنَ في ‏كلٍ من مدريد، وبروكلين، والقاهرة، ولكنهن يقدَّمِنَ معاً رؤية حول جدلٍ أوسع لمجتمع ‏سوداني مُتخيَّل يربط بين الأمة والشتات.‏
إن مصطلح (الفتاة السيئة) هو منظور مفيد، يمكن من خلاله النظر إلى السياسة ‏المعاصرة في السودان لعدة أسباب. في تحليلِها لتَكَوُّن الدولة الإسلامية في فترة ‏الثمانينات من القرن العشرين، توضّح هيل (1996)، هيمنة الرجل على وضع المرأة ‏في كل من اليسار، أو الحركات الثورية الإسلامية، في التحول الاجتماعي والسياسي ‏ما بعد استقلال السودان و الذي امتد من منتصف الخمسينات إلى التسعينات، كذلك ‏لاحظت هيل وغيرها من علماء الدولة السودانية(علي،2004 برنال199،ويليمسي ‏‏2007)، مشاركة المرأة النشط في السياسة السودانية. كما لاحظوا كذلك أن هذه ‏المشاركة قد صاحبتها مصالح ذكورية/أبوية مؤثرة، وإعادة هيكلة للأدوار العامة للمرأة ‏في السنوات التي أعقبت استيلاء الإسلاميون على الدولة في عام 1989. إنّ النساء ‏اللائي ابتعدن عن النص الاجتماعي والثقافي الذي صاغته الحركة الإسلامية، على ‏سبيل المثال، قد جرى وصمَهِن ب(السيئات). ليس ذلك بناءَ على الأخلاق الدينية ‏فقط، ولكن أيضا تأسيساً على مجازات سابقة للأنوثة خاصة بالقومية(الوطنية)الإثنية، ‏باعتبارها تتضمن الاحتشام (فابوس 2010)، والتكامل الجنساني(بودي ‏‏1989)،والبياض(فابوس 2012).‏
‏ الموسيقيون والأخلاق: تخطِّي النظام الاجتماعي

ان ارتباط التعبير الموسيقي بتخطِّي الأدوار الاجتماعية الجنسانية ليس بجديد. ‏وبالتأكيد لا يقتصر ذلك على السودان أو أي مجتمعات اخرى في العالم العربي. ‏وتؤكد كارين فان نيوكيرك: ( في أقطار كثيرة، وفي فترات تاريخية مختلفة، كان ‏المغنيون ولا يزالون ذوي مكانة متدنية(1995، 3). إن تفسير المكانة المتدنية ‏للموسيقى والرقص
يتضمن معارضة بعض الأديان للملذات الدنيوية، وعرض تفاصيل الجسم، خاصة ‏الجسم الأنثوي، باعتباره غير أخلاقي، أو مرتبط بالجنس، وبالطبيعة المشّائية بالنسبة ‏للعديد من الفنانين الذين يخدمون الاحتياجات الدورية للمجتمعات المستقرة لحفلات ‏الزفاف والاحتفالات الأخرى(برلاند 1983؛ فان نيوكيرك 1995). ‏
في المجتمعات التي تكون فيها الأدوار العامة للمرأة محددة، فإن الفنانات اللائي تقع ‏مهنهن خارج المعايير الاجتماعية فيما يخص أنشطة المرأة، واللائي قد يعرِضْن ‏أجسادَهن من خلال فنّهِن، فإنهن يتجاوزن النوع(الجندر)، وكذلك النظام الاجتماعي، ‏وبالتالي فإن ذلك كثيرا ما يحض على القمع.‏

في السودان، فإن تنوع الممارسات الثقافية والأساليب الموسيقية والمعايير الجنسانية ‏يجعل من المستحيل التعميم حول وضع الموسيقيين، إلا أنني أركز هنا على ‏الموسيقى الشعبية المسجلة ذات قيم الإنتاج العالية التي يتم تسويقها عالميًا ولجمهور ‏حضري إلى حد كبيرٍ، في شمال السودان. يتجلَّى التناقض تجاه التعبير الموسيقي ‏وأصوات النساء بوضوح في الخطاب الوطني، حيث أن دور المرأة العام في الثقافة ‏الموسيقية قد شهد مدّاً و جزرا، على مدى عقود منذ الاستقلال.‏
‏ منذ بداية القرن العشرين وظهور السودان كمشروع وطني، كان للموسيقيين ارتباط ‏بالنضالات والاحتجاجات الوطنية.‏
منذ الستينات وحتى عام اواخر 198 اتجه عدد قليل من المطربات إلى المسرح ‏العام. بيتر فيرني يسمي ثلاثة: صدى رزين تردد مع ظهور مجموعة الفتيات في ‏الستينات في الغرب، فقد حقق بعض من الثنائيات(المغنيات) من الإناث شعبية ‏محلية من بينهن ثنائي كردفان، وثنائي النغم، وثنائي السمر(1999,676).‏
‏ ومع ذلك ففي منتصف، وحتى أواخر الثمانينيات، كانت النسوةُ المؤديات يتعرّضن ‏للرقابة بشكل صارم نتيجة للمد المتصاعد من التعصب السياسي والاجتماعي- اللذين ‏رافقا سماسرة السلطة الإسلامية الناشئة في السودان، ونفوذ الإسلام الوهّابي من خلال ‏عودة الرجال المهاجرين، وإحياء الحرب مع متمردي جنوب السودان. أدى كل ذلك ‏إلى جانب الضغوط الاقتصادية والسياسية الأخرى إلى وقوع انقلاب عسكري في عام ‏‏1989، وإلى ظهور أشكال جديدة من السيطرة الاجتماعية، بما في ذلك اللوائح ‏القانونية الصارمة بشأن أجساد وسلوك وأدوار النساء.‏
عانى المطربون والموسيقيون من النساء والرجال من هجماتٍ عنيفة مرتبطة بمراقبة ‏السلوك المنافي للفضيلة. في عام 2012، وبينما كان يتم تكريم رمز مكافحة ‏الاستعمار المحبوبة (حواء الطقطاقة) من قبل الرئيس عمر البشير، وذلك لغنائها ‏للقوات السودانية بينما هي متلفِّعَة بالعلم الوطني في يوم الاستقلال الوطني السوداني، ‏قبل ما يقرب من ستة عقود، كان مجموعة رجال الدين السلفيين يزورون إنصاف ‏مدني، التي تجسِّد حواء والمُتَوّجَة كملكة (الدلوكة) المعاصرة، في منزلها في الخرطوم ‏بحري ويأمرونها بالتوقف عن الغناء (الحرام)، وتكريس موهبتها للترانيم الحلال ‏‏(الجزولي 2012) .المغنية الجريئة حنان بُلو بُلو (مادونا السودانية) التي فُضِحَتْ ‏والتي أسعدت المجتمع السوداني في الثمانينات فقد تم منعها من الغناء ضربها ‏وإهانة إرثها نصف الإثيوبي تلميحاً للسلوك غير المشروع(فيرني،1999؟).‏
كان الموسيقيون من أوائل المستهدفين من قبل النظام الإسلاموي السوداني بعد أن ‏استولى على السلطة في انقلاب عسكري عام 1989. فقد تم اتهامهم بتشجيع السلوك ‏غير القويم مثل الرقص المختلط بين الجنسين والتعبير عن المعارضة السياسية من ‏خلال كلمات الأغاني. ذهب العشرات إلى المنفى للاحتجاج ولمواصلة مِهنِهُم. في ‏عام 1991 أنشأ المغني وقائد الفرقة يوسف الموصلي استوديو تسجيل في القاهرة ‏حيث يمكن حيث يمكن للموسيقيين إنتاج الموسيقى المحظورة في السودان، إلاّ أن ‏سياسات
الهجرة الصارمة في مصر دفعته هو وآلاف آخرين في المنفى، للتحرك بعيداً في ‏مسارات الهجرة نحو أوضاعٍ أكثر استقراراً، في الدول المانحة للجوء مثل الولايات ‏المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة.‏

ضبط سلوك النساء الموسيقيات:‏
تقوم الدولة السودانية الآن(عند كتابة هذا المقال) بالضبط والسيطرة على السلوك العام ‏للنساء اللآلئ يعشن في السودان، وذلك من خلال قانون العقوبات لعام 1983 ‏والقانون الجنائي لعام 1991، وكلاهما جزء من الاتجاه السائد في بعض البلدان ‏الإسلامية لإعادة أسلمة النُظُم القانونية العلمانية السابقة من خلال إدخال المخالفات ‏والعقوبات الجنائية الإسلامية ضمن قوانينها المسجلة( سيد أحمد 2001،188).‏
كافحت مغنيات الموسيقى الشعبية للتغلب ليس فقط على ارتباطهن بالموسيقيين من ‏ذوي الأصول المُسْترَقّة(تحتاج هذه النقطة لمزيد من التوضيح)، ولكن أيضًا على ‏المفاهيم السودانية مثل عدم الاحتشام الجنسي، بما في ذلك الأداء في الأماكن العامة.‏
كنتيجة للمراقبة الحكومية المستمرة واقتحام فضاءات الاداء العامة والخاصة - فعلى ‏سبيل المثال، تم اعتقال 2009 شخص، ومعاقبة لبنى حسين واثني عشر آخرين لعدم ‏الاحتشام، بسبب لبس بنطلون في نادي ليلي وهكذا فإن الأداء الموسيقي العام للمرأة ‏يتم فحصه وتدجينه. حتى حفلات الزفاف الخاصة تخضع لسياسة الدولة، حيث تُطلب ‏تصاريح لحفلات الزفاف، الساعة 11 مساءً هو توقيت وقف الاحتفالات وحظر ‏الرقص بين الجنسين. علاوة على ذلك، بالإضافة إلى أن بث الثقافة السودانية، مثل ‏تلك التي في قناة النيل الأزرق التلفزيونية التي ترعاها الدولة، تقيّد صور المؤدين ‏لأسلوب رقصات الزفاف الجسدية لتحيله إلى مجرد حركات خجولة.‏
‏ إن سيطرة الدولة السودانية الرقابية على أجساد النساء في مجال الاداء الموسيقي له ‏أنصاره في السودان وفي الشتات. ظل الإنترنت يعمل كموقع للمراقبة والمضايقة ‏والتحقير على أساس خطوط الجندر والعرق، استناداً على تراتبيات السلطة الذي تَتبِعَه ‏النخبة العربية المسلمة المهيمنة في السودان،(وريتا،وفابوس2012).‏
على الرغم من محاولات القائمين على للوضع الراهن من تهديدٍ لمواطنيهم السودانيين، ‏فقد أطلّت رؤىً بديلة للهوية السودانية، وازدهر فنانون مبدعون جدد بعيدًا عن متناول ‏الدولة. وكما توضح المسارات المهنية لكل من رشا والسارة وستونة، فإن تمدّد ‏الخطاب الثقافي والجنساني السوداني ليشمل المطربات/ المطربين الذين يعرِّفون ‏أنفسهم بأنهم سودانيون، وإن كانوا لا يعيشون في السودان، قد جعل من الصعوبة ‏ضبط سلوك
المطربات اللواتي يتجاوزن المعايير الثقافية السودانية.‏
تحدي السلطات- المغنيات الثلاثة في الشتات السوداني:‏

بينما يستمر الرجال والنساء في أداء الأعمال الموسيقية في عدة مواقع خاصة، أو في ‏مواقع تحت الارض في السودان، إلا أن خطر الاحتجاز أو العنف لايزال كبيراً(كندا ‏‏2014). بعيدا عن هذه المهددات المباشرة، فإن النساء المغنيات مثل رشا، والسارة ‏ستونة لهنّ الحرية في التغنِّي بما يختَرنَه، والمشاركة في الجدل السياسي حول مستقبل ‏السودان.‏
في اوائل عام 1990 دفع تنامي مد العسكرة والأسلمة كلَّ واحدةٍ من المغنيات لمغادرة ‏البلاد. فقد غادرت ستونة ورشا إلى القاهرة، بينما اصطحبت السارة الصغيرة التي ‏كانت نوعا ما، والديها إلى اليمن.‏
وجدت ستونة جمهوراً لموسيقاها ذات الأسلوب الشعبي، ولِفنْ نقش الحنة، لدى مجتمع ‏معتبر من السودانيين المنفيين حديثا، بالإضافة لمجتمعات قدامى المهاجرين ‏السودانيين في القاهرة.‏
لفتت ستونة من خلال قدراتها الموسيقية والتنظيمية انتباه مروجي الموسيقى العالميين ‏حيث اصدرت البومها العالمي الأول( طريق السودان) في عام 1998.‏
انتقلت رشا من القاهرة إلى اسبانيا في منتصف التسعينات، وطورت اسلوباً موسيقيا ‏يجمع بين التعبير الموسيقي السوداني وبين التأثيرات الاسبانية والجاز، وترتيباتها ‏الصوتية الخاصة. وقد تم إصدار البومها الأول (سودانيات) عام 1997 حيث وجد ‏الاستحسان العالمي.‏
انتقلت أسرة السارة إلى أمريكا في منتصف التسعينات. درست السارة علم موسيقى ‏الشعوب، وفي عام 2010، وبتأثيرٍ من المشهد الموسيقي النابض بالحياة في ‏نيويورك، فقد أنشأت مجموعتها الخاصة (نوبة تونز).‏
تخصصت ستونة في ما تصفه صناعة الموسيقى توليفة من التقاليد الشعبية، والدولية، ‏والعالمية والأفريقية، والشرق إفريقية و/ أو السودانية، إلا أن جمهورها من السودانيين ‏يفضلون أغاني البنات. النساء اللّاتي يؤدين أغاني البنات في شمال وأواسط السودان ‏لهن تاريخ من التعليقات الاجتماعية، والتي قد تكون في بعض الاحيان وقحة للغاية، ‏حول الجنس والطبقة والتراتبيات الأخرى في السودان(مالك 2010).‏
كان هؤلاء المؤديات( المغنيات) مُستبَعدات إلى حدٍ بعيد من صناعة الموسيقى ‏الشعبية السودانية بسبب ارتباطهن الجندري بأعمال المسترقين السابقين. راق لستونة، ‏باعتبارها مغنية شعبية، الفخار السوداني والشغف لثقافة اصيلة. إلا أنها لم تكن تملك ‏صِنعَة تسجيل ذات اهمية، إلا بعد ان انتقلت للقاهرة. عمِلت رشا والسارة، قبل أن ‏تصبِحا مشهورتين بسبب موسيقاهِن السودانية، مع مجموعات موسيقية ذات جذور ‏افريقية وشرق اوسطية.‏
وجدت النسوة الثلاث اهتماماً من مروّجي الموسيقى العالمية مع استمرارهن في جذب ‏الجماهير داخل السودان وفي الشتات السوداني. لا يمكن تصنيف موسيقى هؤلاء ‏النسوة بسهولة باعتبارها صنف واحد. تُغنِّي المطربات الثلاث بشكل رئيسي باللغة ‏العربية، ويعترِفنَ علانية بأصولِهن وارتباطهِن بالسودان. بالإضافة إلى أنّهن يعتمِدَن ‏على بعض عناصر الموسيقى السودانية التقليدية، مثل السلم الخماسي، والإيقاعات ‏الشائعة في التقاليد الموسيقية في شمال السودان، والآلات السودانية مثل البنقُز ‏والدربكُّة (وهما نوعان من الطبول)، والعود. إن التقاليد الشعبية الأنثوية في شمال ‏السودان المتعلقة بأغاني البنات عبارة عن تأثير موسيقي وفلسفي متماسك في كل ‏أعمال هؤلاء النسوة الثلاث. في حين أن ستونة تغني حصريًا أغاني البنات، فإن ‏موسيقى رشا والسارة مستوحاة من التأثيرات الموسيقية الأخرى أيضًا - رشا من ‏موسيقى إسبانيا والسارة من مجموعة واسعة من شرق إفريقيا وأنواع أخرى.‏
إن الإنتاج الفني لستونة ورشا والسارة، والذي يمثل أجيالًا موسيقية مختلفة، قد ساعد ‏على توفير نقطة مرجعية للسودانيين في الشتات ليتصالحوا مع الحياة المتنقلة ومفاهيم ‏الانتماء الفضفاضة. إن هؤلاء الثلاثة جميعهن مشهورات داخل وخارج السودان، ‏وبالتالي يلعبن دورًا تجسيريًا من خلال تسجيلاتهن وعروضهن الحية، ووجودهن على ‏الإنترنت.‏
إذا تم رسم خريطة للسيرة المهنية ولأنواع الأغاني لهؤلاء المغنيات الثلاث مقابل خط ‏زمني للمغتربين السودانيين، فقد كان لستونة حضوراً أطول حضور في السودان، ‏ولكنها لم تلفت انتباه صناعة الموسيقى العالمية كمحترفة راسخة، إلا بعد سنواتٍ ‏عديدة.‏
بدأت رشا أيضاً حياتها المهنية في السودان، إلا أنها كانت صغيرة جدًا عندما انتقلت ‏إلى إسبانيا، وطورت نهجًا جديدًا للتعبير الموسيقي السوداني كمغنية وككاتبة أغاني. ‏أخذت مهنة السارة شكلها بالكامل خارج السودان، وهي تصف موسيقاها بأنها تنتمي ‏إلى نوع موسيقى البوب القديمة في شرق إفريقيا.‏
توضِّح هذه الخريطة التقريبية لقرارات المغنيات حول عبور الحدود والتخوم، التأثير ‏المتبادل بين تحركات السودانيين في الشتات، وبين التعبير الموسيقي، كما تحدد أيضاً ‏المعايير حيث يتم من خلالها الحكم على ابتكاراتهم، وممارساتهم التجارية، ومواقفهم ‏الهووية من قبل مستمعيهم السودانيين داخل وخارج السودان، لكونها مقبولة أو ‏متجاوزة.‏

اعطاء صوت للقناعات السياسية:‏

فيما يتعلق بسياسات المنفى السوداني، فإن خطاب المعارضة يتشارك في كثير من
نفس الافتراضات العرقية والجنسانية للأمة، التي يتبنّاها النظام الذي في السلطة(علي ‏‏2015). من ناحية أخرى، فإن التعامل الموسيقي لكل من ستونة، ورشا، والسارة، يقوم ‏على تقاليد المشاركة السياسية والاجتماعية في موسيقى النساء السودانيات لتعكس ‏سياسات بديلة، بل وحتى متحوِلة.‏
داخل السودان كانت النسوة الموسيقيات قد اعتدن منذ زمن على استخدام الاغاني ‏لتبادل تحليلات الفعاليات والعمليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.‏
‏ إن النساء باعتبارِهِن جماعةً مهمشة سياسياً واجتماعياً فقد كنّ تاريخياً غائبات عن ‏الخطاب العام، ولكن التجمعات النسائية الخاصة بما في ذلك عناصر حفلات الزفاف ‏التي يتم عزلها عادة، قد اتاحت مساحة مهمة للتعبير عن وجهات نظر غير موجودة ‏في الفضاء العام. ترتبط ( أغاني البنات) بشكلٍ خاص، بالنساء السودانيات ‏المنحدرات من الرقيق(هذه النقطة تحتاج لمزيد من التوضيح)، وبالتالي فإن لها دلالة ‏عنصرية محددة (مالك2010، وستندي2009).‏
يوضّح مالك: على الرغم من وصف أغاني البنات بأنها (هابطة)و( سيئة )، إلا أنها ‏وفّرت مساحة خطابية عبرت من خلالها النساء السودانيات عن رواياتِهن البديلة ‏للعلاقات الاجتماعية والجنسانية. كما وفّرت الأغاني إطارًا للحوار حول العلاقات ‏القائمة،وكذلك حلماً بالتحسين (2010, 3).‏
بصرف النظر عن أغاني البنات، فإن النساء المؤديات للموسيقى الشعبية في السودان ‏اليوم فهن يقدِّمن أغاني أو شعراً كتبه الرجال(فابوس والسراج 2016). توُقدِّم وسائل ‏الإعلام السودانية الآن أغاني البنات كتقاليد شعبية سودانية، إلا أن كلماتِ الأغاني ‏أيضاً كتبها رجال.‏
يقول مالك:(إن الملابس، وحركات الرقص للمؤدين مُقيَدة)، وذلك لكي تتوافق مع ما ‏تعتبره الحكومة صورة ( مثالية) للمرأة السودانية في الإعلام (2010،141).إلاّ أن ‏هذه العروض المعدّلة والمحسّنة إنما هي عالم بعيد عن أغاني البنات، التي لا تزال ‏تؤديها النساء في الخاص.‏
إن خلف قيود الدولة والحكومة السودانية على وسائل الاعلام المُسيطَر عليها، تستغل ‏النساء في الشتات فضاء المنفى لتجاوز الحواجز الثقافية والسياسية علناً من خلال ‏موسيقاهن. منحت السارة صوتاً للتجارب والخبرات الثقافية للنساء السودانيات من ‏خلال أدائها للأنواع التقليدية مثل أغاني البنات وأغاني العودة في سياق جديد عابر ‏للحدود الوطنية، فقدمت بذلك إفادةً مهمة حول قيمة الموسيقى النسائية للجمهور ‏العالمي الجمهور. كما أنها تعبِّر عن احترام عميق للأشخاص الذين يعانون من ‏العنف البنيوي:( (أنا أغني عن الهجرة ،الطوعية والقسرية، وأنا أغني عن الناس الذين ‏يتجاهلهم العالم إلا عندما يتحدثون عنهم في الماضي، وأنا أغني عما يعنيه الحنين ‏إلى المنزل. أنا أيضاً أغني عن الحياة، والحب، والفرح، وهي حول كيف يستمر الناس ‏على الرغم من السياسات التي تغيِّر أسلوب وجودهم (في هانسن وأوبلنج، 2013).‏
إن (سِلْت) هو أول البوم تسجله مع (نوبة تونز)في عام 2014، وهو يدور ‏حول(أغاني العودة) النوبية. في الستينات حيث تم إجبار حوالي مليون نوبي على ‏جانبي الحدود المصرية السودانية، على تغيير مواقعهم، وذلك عندما تم غمر أرض ‏اجدادهم من خلال إقامة سد على نهر النيل عند اسوان.‏
في كل من مصر والسودان، كان قد تم إدراج الهوية النوبية ضمن المشروع الوطني
الأوسع؛ وقد منعت الدولة السودانية منذ فترة طويلة تدريس اللغات النوبية. وفي عام ‏‏2007 قمعت بعنف مظاهرة قام بها القرويين النوبيين احتجاجاً على إقامة السدود ‏المخطط لها النيل باتجاه المنبع (اسانزي2015).‏
من خلال إصرارها على غناء (أغاني العودة) هذه فإن السارة لا تستغل بذلك فقط ‏تراثها الاثني، وتُندِّد بالدول الباطشة لقمعها للأقليات، ولكنها تفعل ذلك لجمهور ‏عالمي.من ناحية أخرى، فقد كانت رشا ولا تزال ملتزمة علنًا بالقضايا الاجتماعية، ‏واستخدمت موقعها كموسيقية معتَرف به دوليًا للتحدث من أجل حقوق اللاجئين ‏والنساء والشباب السوداني. ومن خلال الحفلات الخيرية، والزيارات إلى مخيمات ‏اللاجئين، ومن منصاتها الموسيقية الخاصة فقد كان لها وجود إنساني نشط منذ ‏بدايات الألفية. ‏
كذلك لرشا وجود أيضا في النقد السياسي المصوّب نحو الحرب الدائرة والعسكرة في ‏السودان. و يتضمن ألبومها (‏Let Me Be‏) (اسمح لي أن أكون) لعام 2001 أغنية ‏‏(‏Your Bloody kingdom‎‏) ( مملكتك الملطخة بالدماء) والتي تجمع بين التعليق ‏المنطوق باللهجة السودانية العربية حول كيف ضل السودان طريقه، في حين تطالب ‏الجوقة الإنجليزية (‏freedom to be‏ ‏myself‏)( حريتي في أن أكون) من خلال ‏سيرة ذاتية قصيرة في برنامج المهرجان توضح رشا:‏
‏(حاولت أن أرسل رسالة في تلك الأغنية لأتحدث عما يجري فيها السودان بطريقتي.‏
أنا لست سياسية على الإطلاق، ولكنني في نفس الوقت، لا أستطيع أن أصنع أغاني
الحب فقط ،مثل معظم الأغاني السودانية. بالتالي فقد كنت أحاول الحديث عن ‏الوضع في السودان، عن كل هذه الحرب في القرن العشرين)،(ديميوي 2008،9).‏
تنهمك كل من ستونة، ورشا، والسارة بشكل مباشر في السياسة السودانية بدرجات ‏مختلفة. في حين أن حساسيات ستونة السياسية أقل وضوحًا في أغانيها، فإن رشا ‏والسارة صريحتان في مواجهة انتهاكات السلطة التي يُقرِنونها بالحكومة العسكرية. إن ‏كلمات أغنية السارة "تصويت"، والتي تتضمن موسيقى الراب باللغة الإنجليزية من قِبل ‏مغني الراب أوديسي، في أغنيتها التي في اغلبها باللغة العربية، حيث تمجِّد فضائل ‏الديمقراطية والمشاركة لجميع شعب السودان:(اخرج من منزلك واقف /بجانب أخيك ‏الرجل/ سواء كان هو من الشمال أو الجنوب / الأمر ليس حول لونك أو دينك)، بينما
هي تقدِم انتقادات لاذعة للنظام الإسلامي، وهي تخاطب (اللحى الطويلة والصلاة ‏المزيفة والأكاذيب)، بينما تقول: "البلد تنتظر من ينقذها". وفي أغنية ( يا سودان ما ‏شاء الله) فإن رشا تقدّم كذلك الأمل لمستقبل السودان وعودة النساء المغنيات للوطن ‏السودان من الغربة اللافحة(الشتات). وتخاطب السودان على أنه المحبوب الذي ‏سيعود أبناؤه من الخارج، ثم تذهب لترثي الشباب الذين ماتوا في الحرب، وتصف ‏الأسى الذي تكبّدته أمهاتهم لفقدهم.‏
إن الأحاسيس المعَبَّر عنها في كلتا هاتين الأغنيتين تشير إلى انخراط المغتربين في ‏السياسة السودانية والنقد العام الذي هو بعيد عن متناول المطربات داخل السودان.‏
إن أهمية مشاركة ستونة، ورشا، والسارة في الحوارات حول السياسات القومية/الوطنية ‏والهوية يتجلّى في استقبالهم المثير للجدل من قبل الجمهور السوداني الذين ‏يستخدمون عروضهم للتعبير عن القلق حول العرق والجنس والهوية القومية. ‏
في تعريفه بستونة(1998)فإن (حَسَن) يلاحظ أن ستونة تلجأ لاستمالة جمهور ‏الموسيقى في العالم الغربي من خلال الأفكار النمطية للأفريقانية. ويعرض اليوتيوب ‏على مقاطع الفيديو الموسيقية للمغنين من المشاهدين المقيمين في السودان والشتات ‏والذين يعرّفون أنفسهم بأنهم مسلمون، فإن السودانيين المتحدثين باللغة العربية لا ‏يُظهِرون مواقف مختلفة فيما يتعلق بالهوية السودانية، بينما تُنْبِئ ثلثا التعليقات عن ‏الموافقة والدعم والاستحسان للأغاني وللمؤدين، فان البقية تتراوح بين الرفض ‏والفظاظة والإساءة. فقد تركّزت التعليقات حول عدد قليل من المواضيع الرئيسية: ‏الإرث العرقي والاثني للمغنيات المغنيين ومظهرهم المرتبط بالنوع الاجتماعي ‏وسلوكهم، و(سودانيتهم) من حيث الجوهر، وحقهم نحو تمثيلهم للسودان للعالم من ‏خلال الموسيقى والكلمات.‏
تضمّنت التعليقات عن شعر المغنيات:( دعوة المطربين للتحكم في شعورِهم، أو ‏تعبيرات الاستحسان للشعَر الطبيعي)في إذكاء الجو المحموم حول ما اذا كانت ‏الأفريقانية جزء من الهوية القومية. ‏
وحولَ أداء رشا في فيديو (يا سودان معليش)، يقول احد المعلقين: مهما كان فأنتِ ‏حتى لا تشبهين أي من النساء السودانيات. مهما تقولين ومهما تفعلين فإن امرأةً مثلك ‏لا تعني أي شيء بالنسبة لنا. أتمنى أن تكون خلفيتك غير سودانية، كما أتمنى ألا ‏تعودين مرة أخرى للسودان لأنك لا تنتمين إلينا. نحن لسنا فخورون بأن امرأة تشبهك
تكون سودانية. نحن سعيدون جداً بحكومتنا تباً لك. وبالمثل، فإن التعليقات على ‏ملابس المطربين، مثل النصح بارتداء غطاء الرأس في بعض الأحيان، ترتبط بانتقاد ‏المطربين لعدم أصالتهم، و لعيشهم في الغرب، والاندماج فيه بشكل لا يتناسب مع ‏التقاليد السودانية من الاحتشام المستوحَىَ من الدين.‏
إن الشكوك حول أصول المطربات أو المطالبات بأن يتخلوا عن الزعم بأن لموسيقاهم ‏أي علاقة بالتقاليد السودانية، إنما هي امتدادات لهذا التوجّه.‏

ملخص:‏

يؤكِّد (صلاح حسن) بأن العمل كمغنية أنثى أمام الجمهور لم يفقد دلالته الضمنية ‏بعدم الاحتشام في المجتمع السوداني(1998,1).إن المغنيات(السيئات) الجدد فيلا ‏الشتات السوداني يرفعن اصواتهن ضمن سياق الأنماط المتحولة للهجرة الدولية ‏وسياسات التكامل الوطني/القومي، وتشتت العائلات، وكذلك ضمن التعبيرات ‏المعاصرة لأصالة اسلامية مفترضة، والمشاعر المعادية للإسلام في الغرب والتوترات ‏بين الجنسين وبين الأجيال، وسط اللاجئين والمهاجرين السودانيين.‏
ان الموسيقيات (السيئات ) الجُدد في الشتات السوداني يرفعن اصواتهم في سياق ‏الانماط المتحولة للهجرة الدولية و سياسات التكامل القومي وتشتت العائلات، ‏وكذلك ضمن التعبيرات المعاصرة لأصالة اسلامية مفترضة، والمشاعر المعادية ‏للإسلام في الغرب والتوترات بين الجنسين و بين الأجيال لدى اللاجئين والمهاجرين ‏السودانيين.‏
إن المؤديات مثل السارة، ورشا، وستونة يستخدِمن مسرح الموسيقى العالمي لانتقاد ‏الجنسانية والتراتبية العنصرية، وللتنديد بوسطاء السلطة السودانيين حول انتهاكاتهم، ‏ودعون لمجتمع أكثر اندماجاً وعدلاً. إن وجهات نظرهن الجندرية صارت أكثر فاعلية ‏من خلال مواقعهم خارج السودان، حيث أن الشتات السوداني غير خاضع للضبط. ‏إن خطاب الشتات المتعدد المواقع و تمدّد المجال العام بسبب الإنترنت، يتيح سماع ‏أصوات فتيات السودان(السيئات)الجُدد بالرغم من الضبط الحكومي المستمر، ‏والمقاومة الأبوية/الذكورية لأفكار الجندر، والمساواة العرقية داخل السودان.‏