تجربة الثقافة السويدية مع جسد المرأة.. يوميات من مشفى ليس اسمه الأسد..



أحمد جميل حمودي
2020 / 6 / 24

تدخل عليّ فتاة طويلة القوام زرقاء العينين مع اتساعها عريضة الابتسامة خافضة الجناحين. تمارس الفتاة الجميلة عملها دون كلل، مُزَخرِفة شغفها بالكفاءة المطلوبة لمساعدة الأشخاص الذين ربما كان لديهم حظوظ سيئة، من حيث المبدأ، لأن يمروا زوارا لمكان يزوره الموت بين الفينة والأخرى وتزوره الحياة في معظم الأحيان وربما لذلك السبب سمي "مشفى" منذ أن كانت المعابد في اليونان القديمة، مكرسة للإله الشافي أسقليبيوس، والمعروفة باسم أسقيليبيا والتي كانت تعمل كمراكز للمشورة الطبية، والتشخيص، والشفاء.

المشهد لم ينتهي بعد فالمناوبات المتتالية بين اوقات مختلفة وبين ممرضات مختلفات القوام والجمال وحسن المقابلة، بالإضافة إلى أنك لا تقابل الشخص نفسه في الغالب في اليوم التالي وذلك للمحافظة على نزاهة موظفي الرعاية، الذين لا ينبغي لهم محاباة المرضى، وإنما معاملتهم سواسية بنفس العطاء والقابلية والاستقبال وتوزيع الاحترام بين كل المرضى بنفس الدرجة، لذا أطلق دائما على هؤلاء الممرضات بالملائكة البيضاء the White Angels.

ولكن لماذا لم ألمح مريضا اشرأبّت عنقه ليغازل فتاة بلمزها أو غمزها أو ترك رقم تلفونه على مكتبها أو حتى محاولة استلطاف غير بريئة؟ ولماذا هي نفسها، تلك الفتاة المتطلعة إلى الحياة، لم تختر فارس أحلامها من داخل مكان يسعى فيه جنوده إلى إحياء المرضى وعودتهم إلى الحياة من جديد؟

الجواب لقد هذبوا النفس البشرية بطريقة راقية. فمنذ أن تنمو مشاعر الغريزة عند الجنسين في هذه المجتمعات تبدأ عملية تهيئتهم إلى مفاهيم الجسد عند الجنسين او ما يطلق عليه ب "الهوية الجنسية" من خلال سعي المناهج إلى تعريف الجنسين بهويتهم الجنسية، وأنها مسألة خَلّْقية تفرض الاحترام المتبادل
عن طريق زرع مبدأ القبول بين الطرفين كوسيلة للوصول الى الحب، غير مستبعدين التجربة الجنسية والعاطفية كبوابة إلى النضج الذي سيأتي في الغالب في سن الشباب الناضج.

إنها فلسفة ذكية. لقد نجحوا بمنهج لم يستخدموا القوة فيه ولا الكبت الاجتماعي لتهذيب الغريزة الجنسية إنما زرع مبادئ وقيم بالمجتمع تقول: أن على الجنسين احترام كل منهما جسد الآخر وعدم الاستحواذ عليه دون رضا الطرفين. لذا فالاغتصاب جريمة مغلظة بعرف المجتمع هنا كذلك شراء الجنس (الدفع لفتاة ليل) والمضايقة الجنسية. لذا تجد المجتمع، القانون، والإعلام لا يرحم أولئك المشاهير الذين يقعون بخطايا كهذه! خلال عام 2017 طباخ شهير بالسويد يدعى Martin Timell ويقدم برامج شهيرة ويملك الملايين اتهمته السكرتيرة بالتحرش بها فلم يكن من القناة التي يقدم بها برنامجه الا أقالته وتوالت عليه الضربات حتى هرب من السويد وسكن في جزيرة صغيرة بسيشيل هروبا من المحاكمة. ومنذ شهرين تقريبا رجل أعمال ورياضي وطباخ شهير-لا أدري ما قصة الطباخين بالسويد- يسمىPaolo Roberto اعترف على الملأ أنه اشترى الجنس في ستوكهولم بعد أن داهمت الشرطة المكان الذي فيه فما كان من شركائه التجاريين التخلي عنه لدرجة وصلت أسهمه بالشركات إلى سعر كرونة سويدية واحدة!

لذا ألقب السويد- وربما ينطبق الحال على الدول الاسكندنافية الأخرى--بسعودية أوربا بمحافظتها نحو جسد المرأة ولكن من منطلق إنساني ومنطلق المساواة بين الطرفين. إن جسد المرأة كالرجل ينبغي النظر اليه كجسد يؤدي وظيفة انسانية منتجة وليس مفهوم يؤدي الى ان جسد المرأة فقط للمتعة.

وتبقى أخطاء هذه التجربة واردة، من وجهة نظر البعض حتى السويديين المحافظين، من بينها المثلية الجنسية والتي بنيت على نفس المبدأ وهو حرية الجسد بالإضافة إلى شطحات المراهقين في علاقاتهم والتي قد تؤدي إلى فشلهم الدراسي خاصة بين الوافدين من ثقافات غير الثقافة السويدية.

باختصار على التجربة الإنسانية أن تكون المعيار الوحيد في اختيار قيم المجتمع وهذا الاخير اي المجتمع بدوره يقوم بإعادة " تدوير" هذه القيم وانتقاء ما يصلح منها لكل زمن. اذن التجربة الانسانية هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى النضج الإنساني.