ليليث وحقوق المرأة



يزيد عاشور
2020 / 6 / 28

للمرة الأولى في حياتي تتم دعوتي لحضور ندوة من قبل جمعية نسائية سيتم مناقشة لحقوق المرأة فيها ولن أكون متحمس لحقوق طالما أعتقدت ان المرأة تبالغ بعض الشيء في التعبير عنها شعوري هذا ليس مرده موقف عدائي من المرأة قدر ماهو عدم فهم لهموم لم أتعامل معها بجدية حقيقية ربما لأنني لم أشعر بهذا الفارق بين الرجل والمرأة في الحسكة فأنا عشت في حي أغلبه سريان وكنت على احتكاك مع المرأة بشكل دائم فلا البيت ولا الحي ولا معهد المعلمين المختلط ولا مرحلة التعليم القصيرة في سورية جعلتني أشعر بأي فارق انساني بين رجل وأمرأة الا أن المرأة مخلوق أجمل من الرجل ولأنني هاجرت للسويد مبكراً فقد كان للمرأة قوة اجتماعية تفوق قوة الرجل وصوتها عادة ما يعلو على صوت الرجال حتى أني كنت أشعر بالضيق من النسوة اللواتي حملن رايات الفيمينست ليصنعن منها حروباً غبية أذكر أحداهن قالت لماذا لا أترك شعر أبطي يطول مثل الرجال مثلاً وأذكر أنها قالت هذا حقي مثلما هو حق للرجال ولسان حالي يقول طوليه يا أختي ليش مين ماسكك وأجلسي مثل الرجال ودخني مثل الرجال وقهقهي بغباء مثل الرجال أنا شو علاقة أهلي ؟
لا أخفي أننس كنت أسخر من هكذا مطالبات غبية وأدري ان لهن مدرستهن فقد كانت رائدتهن سيمون دي بوفوار التي قادت حركة التحرر النسوية منذ القرن التاسع العشر كردة فعل على تهميش المرأة والتي تجاوزت فيها مطالب شريكتها بهذا المضمار والأكثر تعقلاً الكندية لويز توبان حين تبنت نظرية انتزاع الحق النسوي بشكل فردي وجمعي وصولاً للمساواة الكاملة بين الجنسين لكن دي بوفوار بعد كتابها الجنس الأخر ذهبت أبعد من ذلك بكثير وطالبت باهمال الرجال تماماً والاعتماد على المرأة في كل شيء فالرجل هو الوجه القبيح للحياة ورغم أنها كانت على علاقة بجان بول سارتر في تلك الأيام الا أنها عُرفت بنفس الوقت بعلاقاتها الجنسية مع طالباتها فكانت تتفاخر بالسحاق كوسيلة تؤكد فيها عدم الحاجة للرجال وسارت على دربها الدكتورة جيرمن غرير بعد كتابيها الخصي المؤنث والجنس والقدرة والذي حصد أكبر نسبة مبيعات في العام 1970 ثم ما لبث الأمر أن تحول الى تيارات نسوية تبنته مدارس مختلفة مثل تيار النسوية الراديكالية وهو التيار الأكثر تعصباً وكردة فعل على تهميش المرأة في مجتمع ذكوري طالب هذا التيار بعزل النساء وفصلهن تماماً عن المجتمع الذكوري والأقل حدة هو تيار النسوية اللليبرالية أو المدرسة الاصلاحية وهذه المدرسة دعت للنضال من أجل قوانين مساوية بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وأعتبرت نفسها امتدادًا للثورة الفرنسية 1789ثم لحقت بهاتين المدرستين مدرسة النسوية الماركسية والتي جعلت تهميش المرأة ضريبة للصراع الطبقي وسوف تتحقق العدالة حسب هذا التيار اذا ما انتفت الملكية الخاصة بانقلاب على المجتمع الرأسمالي وصولاً الى اللاطبقية
تفسيرات تبدو مُحقة في الكثير من جوانبها ولكن طرائق المعالجة والوسائل التي استخدمتها تلك المدارس جعلتني أشعر أن هكذا مطالبات هي شغل من لا شغل له وجعلتني لا أحمل الأمر برمّته محمل جد الا أن أوقفتني قصة ليليث وليليث هذه هي زوجة سيدنا أدم الأولى وهي أول أنثى خلقها الرب كما جاء في التوراة وتم اغفالها بل ونكرانها في كل من الأنجيل والقرأن
أول أمرأة خلقها الله من طين تماماً مثلما حلق أدم ورفضت محاولات سيطرة أدم عليها طالما أنهما متساويان ومن نفس الطين وحين شكى أدم محاولات تمرد ليليث لرب الأرباب غضب عليها الرب وطردها من نعيمه وكي ينتهي من صداع مشكلة المساواة مابين الرجل والأنثى خلق حواء من ضلع أدم فأصبحت ليليث أو ليلو وأحيانا ليليتو حسب الثقافة السومرية ألهة الريح الشريرة وأول شيطانة تمردت على سيدها أدم وعلى ربها قبل ابليس الذي رفض السجود لأدم
حين شعرت ليليث بالغبن وبأنها أقل شأناً من أدم تركت له أولادها وهربت حينها ازداد غضب الرب فحول أطفالها الى شياطين وتم التجني عليها حين ذُكرت في التوراة كأول أم للبشرية اذ قيل أنها شعرت بالغيرة من حواء فحولت نفسها الى حية أغوت أدم لتحل لعنة الرب عليه ويطرده من الجنة
ما يهمني من أسطورة ليليتو أمنا الأولى هي شعورها بعدم المساواة بينها وبين أدم وهما من نفس الطين اذاً يبدو أن أن ظًلم المرأة ولد بمشيئة الرب مع المرأة الأولى ولم يزل يتوارثه الرجال حتى اليوم أما في الوطن العربي فقد أقتصرت بعض الحركات الخجولة على جهود فردية لنساء قررن وبشجاعة السباحة عكس التيار وطالبن بالمساواة بين الرجل والمرأة بالحالة السياسية مثل التصويت والانتخاب واجتماعية مثل تجريم الختان وحق المرأة بانهاء الحمل دون موافقة الرجل ألخ وقاد تلك الحملة حينها نساء متفوقات مثل هدى شعرواي وصفية زغلول ثم فيما بعد لحقتهم نوال السعدواي
اللافت أن المرأة في نضالها لانتزاع حقوقها كأدمي مساو للرجل ورثت خطيئة ليليث أول أمرأة في البشرية وعليها أن تحارب أكثر من جبهة وعليها أن تنتصر فمطلوب منها أن تحطم قلاع أصحاب الفروق الجنسية وتقتل حماة تلك القلاع حراس الدين وتحطم جدران بُنيت من ثقافات متوارثة تراكمت جيل بعد جيل وجعلت تلك الجدران أكثر سماكة من جدار الصين
توظيف قبيح للمرأة في مجتمع ذكوري جعلها لا تثق بنفسها ولا تثق بالنساء بمؤامرة حاكها الرجال منذ بدء الخليقة واتفقوا عليها أجيال تتبعهم أجيال
سمعنا عن علماء ولم نسمع عن عالمات سمعنا عن فلاسفة ولم نسمع عن فيلسوفات سمعنا عن موسيقيين ولم نسمع عن موسيقيات مفكرين ولا مفكرات وتطول القائمة كل هذا الظلم وذاك يُبيح للمرأة كامل الحق في انتزاع حقوقها كاملةيزيد عاشور كاتب