زيارة خاصة لامرأة متمردة في زمن الحجاب



هويدا طه
2006 / 6 / 24

برنامج زيارة خاصة على قناة الجزيرة برنامج هادئ.. يختار عادة شخصيات عربية لها تجربة خاصة مميزة في مجالها، يزورها في موقعها لتحكي للمشاهدين عن تجربتها في الاشتباك مع الحياة والناس والسلطة والنوازع البشرية المختلفة، مقدم البرنامج سامي كليب يتمتع بأدب جم وهدوء غير مفتعل وطريقة مميزة في طرح أسئلة قصار وذكية، وهو ما يتيح للمشاهد فرصة الالتحام مع شخصية الحلقة (سواء بالرفض أو بالقبول لكل ما تقول)، فهو لا يقاطعها إلا نادرا بعكس برامج أخرى.. تجد نفسك (تشعر بالراحة) عندما تتحول عنها وعن صداع وذاتية مقدميها.. الذين لا يتحكمون برغبتهم الدائمة في الاستيلاء على الوقت لأنفسهم، حلقة زيارة خاصة هذا الأسبوع كانت مميزة.. كانت الزيارة للدكتورة نوال السعداوي، وهي تلك الطبيبة الناشطة المتمردة التي تريد كسر الحدود.. رغم تخطيها السبعين من العمر، حتى أن أحد كتبها التي تزيد عن أربعين كتابا يحمل (كسر الحدود) عنوانا لمحتواه، تلك (الحدود) هي التي لم يكن وقت البرنامج كافيا لذكرها كلها.. الحدود التي تجعل النساء العربيات مكبلات بثقافة متخلفة.. تريد من المرأة كل شيء وتخشى منها- في نفس الوقت- بشكل هستيري عجيب! ثقافة يختصرها المثل الشامي (نفسي فيه واتفو عليه)! (هم) يخافون منها ويدَعون الخوف عليها.. فتكون النتيجة أنهم يجعلون من فرض الوصاية عليها ضرورة بديهية، (هم) ليسوا فقط الرجال كما يظن البعض.. (هم) هذه تشمل رجالا في المجتمعات العربية يتملكهم التناقض والزيف في نظرتهم للأنثى.. تلك النظرة التي لا تقر بإنسانيتها، وتشمل أيضا نساء في تلك المجتمعات تقبل وتستسلم لثقافة تجعل منها شيئا قابلا للاستعمال، الدكتورة نوال متمردة أصيلة على هذا التناقض في ثقافتنا تجاه الأنثى.. تصدت للسلطة وتصدت للقهر وتصدت للخرافة وتصدت للظلم.. وهي أيضا لم تقع فريسة الانبهار بوضع المرأة (الأخرى) غير العربية.. فقد لمست كذلك ما تعانيه المرأة الغربية رغم مكتسباتها.. تماما كما لمست معاناة المرأة العربية من التكاتف غير الشريف بين السلطة والدين والثقافة لقهر إنسانيتها، غضب منها أساتذة في جامعة بمدينة نيويورك- كانت تدرس فيها كأستاذ زائر- عندما انتقدت تسليع المرأة الغربية وتعرية جسدها بهدف الربح.. وغضب منها كذلك أشاوس وأساطين الثقافة العربية-الإسلاموية لانتقادها هوسهم بتغطية المرأة العربية- وهي التي بحوزتهم- من رأسها إلى أطراف أصابع قدميها، قالت لمقدم البرنامج:" أنا ضد الحجاب وضد العري"، تتابع طبيبتنا المتمردة وهي تروي قصص اشتباكاتها الكثيرة مع ثقافة قهر المرأة داخل البيت وخارجه.. وتجد نفسك أمام تساؤل.. من أين جاءت هذه المرأة بكل تلك القوة الممتدة منذ طفولتها وحتى ما بعد السبعين من العمر؟! هل هو الوعي وحده أم الوعي يدعمه (الاستغناء)؟! هل يكفي (وعي) المرأة بأنها مقهورة.. وعينا بأننا مقهورون.. أم نحن بحاجة كذلك إلى الاستغناء عمن يساوم على الاستقلال بلقمة العيش.. حتى نتمكن من (كسر الحدود)؟! من بالضبط الذي يساومنا؟ هل هو أشخاص معينون أم ثقافة متهالكة أم دولة راكدة أم كتل متراصة من قوانين القرون ما قبل الوسطى أم .. أم بقايا (همس الجواري) بداخلنا؟! أين نحن يا ترى من تلك المعادلة؟ حتى تلك الطبيبة المتمردة ورغم ما عاشته من اشتباكات جراء تمردها.. لا يرضيها ما كسرته من حدود، قالت في نهاية الحلقة:" نفسي أكسر حاجات كتير" فتخلى مقدم البرنامج عن أسئلته بالعربية الفصحى وقال لها بلهجته الشامية المحببة وهو مندهش:"لسه عندك شيي بعد ما كسرتيه؟!" أجابته.. هو أنا كسرت حاجة.. لسه.. لسه عايزة أكسر حدود كتير!".. ليتنا يا دكتورة نتمكن من كسر بعض أغلالنا مثلما فعلت.. لكنك كنت أسعد حظا.. أمسكتي بالمعول في لحظة تاريخية.. كانت مجتمعاتنا فيها رغم عنادها معك.. أكثر استعدادا لتقبل تكسير حدودها، إذ كانت تعيش (طفرة) الحلم الغامض بالنهضة والتحرر.. تلك الطفرة التي رجعت عنها سريعا.. معلنة ندمها على (أضغاث أحلام) التحرر والنهضة وكسر الحدود.. فولدنا نحن مكبلين.. لتنتظرنا في أواسط العمر ثقافة.. تفخر بأنها تعيش.. عز زمن الحجاب!
** الخروج من جلباب أمي
وبمناسبة الحديث عن د. نوال السعداوي بصفتها (متمردة أصيلة).. فإن امرأة أخرى يمكن التطرق إليها حول مسألة (أصالة التمرد).. ففي أحد حلقات برنامج العاشرة مساء كانت د.منى حلمي بين الضيوف.. للحديث عن مبادرتها بتغيير اسمها إلى (منى نوال حلمي) في إعلان منها عن رغبة قي تكريم الأم.. بإضافة اسمها إلى اسم أبنائها بجوار اسم الأب، بالطبع المحاولة ذاتها- على غرابتها- تصب في دعوة محمودة لإثارة التفكير فيما يعتبر ثوابت ضمن منظومة قيمية ذكورية متكلسة في ثقافتنا، لكن.. بغض النظر عن مدى الحاجة الفعلية لطرح قضية اسم الأم- على الأقل في اللحظة الحالية- فإن هناك أشياء تفوت الدكتورة منى على أهميتها.. منها أنها لم تستطع أن تقنع الكثيرين أنها (خرجت من جلباب أمها) أو أنها مستقلة بما يكفي عن أمها.. الدكتورة نوال السعداوي! إذ أن نوال هي متمردة أصيلة وليست استنساخا من أحد.. هي مناضلة جريئة وشجاعة بإبداعها هي.. بينما تجد نفسك كلما قلت اسم منى حلمي.. لابد أن تلحقه بعبارة (بنت الدكتورة نوال!) حتى يمكن للمستمع أن يكوّن انطباعا! لم تستطع منى حلمي- رغم مشروعية مطالبها وحتى تمردها- أن تفهم أهمية (الحوار في وسائل الإعلام) لدعم تيارها التقدمي الذي تنتمي إليه، كما فهمته الدكتورة نوال- الأم- التي تتحدث بثقة وهدوء وفهم واع لأسرار تأثير وسائل الإعلام، فقد كانت د. منى الابنة تثور كثيرا وتقاطع الآخرين كثيرا.. حتى أجهدت من شاهدها.. فضاق بها وبطريقتها في الحكي.. وحتى بجلستها التي لم تراع كثيرا أن النفور من المبشر بالأفكار.. ينفر من الفكرة ذاتها!