سيكولوجية متفردة للنساء



عدوية السوالمة
2020 / 7 / 10

سيكولوجية المرأة عنوان يحمل في طياته الكثير من الغموض والغرابة ويثير فينا الكثير من الفضول والتساؤلات حتى بالنسبة لنا كنساء.
فما المتوقع ايجاده في خضم البحث والتنقيب في العمق النسوي. لا اعلم حقيقة ماذا بالإمكان ان نجد , وان كان في السنوات الأخيرة قد شهد هذا النوع من الدراسات انتشارا وترحيبا دوليا إلا أنه مازال يدفع نحو الإحساس بالغرابة وعدم الجدية . و رغم اني كنت قمت سابقا بتدريسه لطلبة ماجستير دراسات المرأة إلا أنني ما زلت أتساءل عن الدافع والأسباب.
هو عنوان يحيلنا للتفكير بالرغبة المفاجئة للعالم _الذي يبدو أنه كان متمثلا بالذكور فقط كجنس أوحد معترف به على سطح الأرض وما عدا ذلك أشياء لا تذكر _ للتعرف الى ساكنيه الجدد أو المعاد اكتشافهم _أي النساء_ بغية فهم ضرورة وجوب مشاركة الكوكب معهم و التي باتت تفرض نفسها بقوة. مشاركة لا يمكنها ان تتحقق دون دراسة هذا الكائن الذي بات مرئيا أكثر فأكثر بفعل الوعي بأهمية وجوده ورفضه استمراء العيش مهملا في العتم حتى لم يعد يستحق مجرد ذكره , وبفعل طرقات اثبات الذات التي باتت أقوى وأشد وضوحا برغم كل محاولات كتمها في الكثير من المجتمعات خاصة المهمشة منها والمشبعة بانكسارات دولية مثل مجتمعاتنا .
أتساءل مالذي يتوقع ايجاده العالم أحادي الوجود من دراسته السيكولوجية للمرأة ما هو الشيء الخفي العصي على الفهم بالنسبة للكائن الجديد او المعاد اكتشافه.
كيف سننظر الى دراسات في باطنها تقول اننا هبطنا فجأة من الفضاء الخارجي ويريد الرجل ان يبحث ويكتشف كنه هذا الكائن .
إذا ما عدنا الى مراجعة الدراسات النفسية الخاصة بسيكولوجيا الطفولة سنجد أنها لم تسفر عن وجود واقع نفسي مختلف يعود للجنس في مرحلة الطفولة ولم نشهد وضع دليل تشخيصي خاص بالاناث وآخر بالذكور .
لا يمكننا ان نجد مثلا ان سوء معاملة الفتيات ستتفاعل بشكل مختلف في الطفولة عما هو موجود لدى الذكور فينتج عنها صعوبات نفسية مصنفة بشكل خاص للإناث دون الذكور . التأثير النفسي لا يملك اختلافات واضحة كما الجانب التشريحي . .بالنهاية ليس هناك ما يسمى اكتئاب للذكور واكتئاب للإناث قلق للذكور وقلق للإناث وان سجلت بعض الدراسات فروق تعود للجنس في بعض الجزئيات _كمدى انتشار _ إلا ان ذلك لم يسفر عن تقديم اضطرابات او امراض خاصة بكل جنس وبالتالي اجد انه من غير المنطق افراد دراسات نفسية خاصة بالمرأة .
حقيقة ما يجب التركيز عليه هو التنشئة المختلفة ,وتوقعات المجتمع من الافراد وفق جنسهم هو ما يجب التركيز عليه .فغالبية الاختلافات تعود الى التعلم والتوقعات الاجتماعية من كلا الجنسين.
يكفي أن ندقق في الرسائل المشبعة بالدونية التي توجه للإناث مقارنة بالرسائل المشبعة بالتفوق وبالاهمية الموجهة للذكور, هذا النوع من الرسائل على سبيل المثال سيخلق مجموعة تباينات في المستقبل بسبب محتوى هذه الرسائل التي ستمنح واقعا نفسيا شديد العمق والاختلاف بفعل التوقع والتعلم .
فاذا كانت الرسالة تفيد بأن وجود الأنثى مرتبط بوجود الذكر فهذا يعني ببساطة إلغاء تام لوجودها وعليه أن تسعى لايجاد ذاتها من خلال , ذكر ما , تنسب إليه لتصبح زوجة فلان وابنة فلان واخت فلان .
رسائل تورث دون وعي من جيل الى آخر دون تقكير أو نقاش في مدى صوابيتها وتأثيرها . نسعى للتماهي معها سلوكيا بما يتماشى مع محتواها لتحقيق نبوءة التوقعات منا .نبوءة تتعلق بعدم أحقيتنا وعدم أهليتنا .
وبالمقابل لو بحثنا في مضمون الرسائل الخاصة بالذكور سنجدها تمنحهم الإحساس بالفوقية .فلو عدنا لتعريف مصطلح الرجولة كنا سنجد مايلي :
رجل : اسم
الرجل : البالغ من بني آدم
رجولة : اسم -الاسم من الرجل
نعرة الرجولة شعور مبالغ فيه بالصفات الرجولية ويشدد فيه على بعض الخواص كالشجاعة والقوة والسيطرة على النساء .
اذا كانت الرجولة تعني التحلي بالأخلاق والصفات والخصال الحميدة التي يتصف بها الذكر البالغ ومن ضمنها السيطرة على النساء , فهل يمكننا ان نفهم من ذلك أنها حكرا على الذكور ليصبحوا رجالا . ولكن ماذا اذا تحلت بهم المرأة ماذا ستصبح وما هي الخصال التي يحق للمرأة أن تتصف بها.
لما على الذكور فقط ان يتمتعوا بهذه الصفات لما يجب ان تستثنى منها النساء بل وأكثر من ذلك فنحن عندما نريد أن نهين ذكرا ننعته ( حريمه ) من (حرمة ) أو يتصرف مثل (النسوان ) الإهانة الكبرى لأي ذكر هي في تشبيهه بالنساء والعكس صحيح اذا ما اردنا امتداح أنثى نقول (اخت الرجال ) أو ( حرام تكوني مره )
في التربية كثيرا ما نركز على خلق نمط قيمي متباين بين الجنسين يبدأ من مرحلة الطفولة ليشكل فروقا سيكولوجية واضحة المعالم عند الرشد .
في الطفولة يتعلم الذكور ان البكاء ضعفا لذا هو صفة تخص النساء وأن الجرأة والشجاعة والقوة من ضرورات الرجولة , وأن السيطرة والتحكم في الاناث تعتبر من مقوماتها الأساسية لدرجة أننا مازلنا حتى الآن نحرص على غرسها في أطفالنا الذكور ونبارك تعنيفهم للنساء بغرض فرض الهيمنة حتى وان وصل لحد القتل وهو ما توحي به قوانينا الغير جادة في معاقبة الفاعل المتنصل من فعلته بزعم جرائم الشرف وان كان هو المعتدي. في حين ان الاناث يتم التشديد في تربيتهن على الطاعة والخجل والخوف وقلة الحيلة ليسهل السيطرة عليهن لاحقا .
من قال أن الأخلاق والإنسانية يجب أن يتحلى بها الذكور دون الاناث . لما علينا أن نطالب الطفل الذكر بتمثل الخصال الإنسانية الحميدة كالشجاعة والمروءة والصدق والأمانة والايثار الطموح النجاح في المال والعمل في حين نعفي الأطفال الاناث من ذلك ويتم التركيز في تربيتنا لهن على ضرورة التحلي بصفات مثل الطاعة الخجل الاهتمام المبالغ فيه بالمظهر الخارجي الجمال سهولة الانقياد والتركيز كل التركيز على كيف تصطادين رجلا وكيف تحافظين عليه .

التوقعات الاجتماعية سابقا تضمنت مجموعة كبيرة من القيم والمثل الخاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء توقعات لم تعد صالحة كفاية للتعقيدات الحياتية التي نعيشها حاليا .
سابقا كانت قيم مثل الشجاعة والمروءة والنخوة والصدق والقوة خاصة بالذكور عليه التحلي بها لينتقل الى مرحلة الرجولة وإلا قيل عنه امرأة .
سابقا كانت الانوثة تعني الضعف والخجل والاتكالية وقلة الحيلة وإلا قيل عنها مسترجلة
الان ما لذي حصل ؟
المواصفات المطلوبة ليخلع عليك لقب رجل او لقب امراة سابقا باتت في وقتنا الحالي ضاغطة وغير مناسبة.
الحياة أصبحت مختلفة فالقوة والشجاعة وغيرها كانت مطلوبة سابقا في الغزوات والحروب او الصيد اما الان هناك واقع جديد خلقه تطور الحياة البشرية القائم اكثر على الرفاهية واستخدام المزيد من الذكاء لتحقيق مزيدا من الرفاهية .
القوة الجسدية اختفت الحاجة اليها الان أصبحت تطلب لتحقيق الجانب الجمالي التسويقي للذكور (كابراز العضلات ) الشجاعة في الحروب غير مطلوبة امام تطور المعدات الحربية التي اصبح التفوق فيها يعتمد على الذكاء في تطويرها, فابادة كم كبير من البشر الان فقط يتطلب الضغط على زر ليس اكثر لافناء العالم اجمع ان شئتم .
الكل يتحاشى الذهاب للحروب ويفضل البقاء امام شاشته ليحقق انتصارات وهمية بدون أي مساءلة أخلاقية .
سابقا اعتمدت النساء على هذه القيم لتحقق ذاتها من خلال العيش في كنف ذكر استحق لقب رجل وبالتالي ارتبط أمان ووجود المرأة بمدى تحقيق الذكر لقيم الرجولة .
الان ومع طول مرحلة الطفولة لكلا الجنسين وعيش تجربة إنسانية واحدة ومشتركة لفترة طويلة جعل الحديث عن قيم مختلفة باختلاف الجنس امر غير مقبول لكلا الطرفين .
أمر خلق تشابه في الأدوار رغم محاولة مجتمعاتنا في نزاع أخير التمسك بالتمييز الفاقع القائم على الجنس .طبيعة الحياة الحديثة ضغطت باتجاه إلغاء الفروق لصالح تعاون أكبر بين الشركاء لتحقيق رفاه أكثر متاح في الشراكة داخل وخارج المنزل .
الصراعات القائمة قائمة بفعل ما هو متوقع وما هو قائم .صراع بين ما هو مناسب وما هو غير مناسب ولكنه ضاغط اجتماعيا .

إذا كان التشريح النفسي لم يجد فروقا ذات دلالة بين الجنسين أليس من الأولى أن نركز جهودنا باتجاه التشريح القيمي لمجمل المنظومة القيمية المجتمعية لاجتثاث الغث منها وزرع ما يمكنه أن يرفع فرص التعايش المتكافئ بين الجنسين وهو شيء علينا الاعتراف به في ظل تطور الحضارة البشرية التي يبدو أنها تسير في طريق ونأبى أن نسير إلا في الطريق المعاكس له .
التفحص الجيد للرسائل الموجهة لكلا الجنسين هو ما يجب التركيز عليه وتطوير الدراسات بخصوصه. رسائل الاعلام يجب أن تتبع خطة مدروسة سيكولوجيا لاعادة صياغتها بشكل يدفع نحو تبني قيم أكثر إنسانية من قبل الطرفين .المناهج المدرسية هي ما يجب دراستها والحرص على تقديمها بشكل غير متحيز .فلسفة التربية يجب أن تشمل بشكل واضح القضاء على التمييز القائم على الجنس .
هناك أشياء عديدة علينا دراستها وإعادة تقييم محتواها يمكنها أن تكون ذات جدوى في التعرف الى كل ما بإمكانه أن يخلق فروقا بين الجنسين بشكل لا يخدم معه التطور المجتمعي القائم على التطور القيمي البشري في الدرجة الأولى .
تطوير القيمة الذاتية لأي فرد سيقدم فرصة جيدة للقفز بإمكاناته كلها الى أقصى درجة في حين أن العمل على زرع قيم ذاتية مهزومة ومنكسرة ستجعل منه فردا عالة إن لم يسعى لعرقلة الآخرين .فإذا كانت الاناث تعدادا مساويا أو أكثر للذكور علينا احتساب خسائر و أرباح المجتمع من عملية فقد أو كسب كفاءات أفراده من الاناث المساوية للنصف أو يزيد كتعداد .