شهوة منفلتة .. أم وسيلة إخضاع؟



حنان محمد السعيد
2020 / 7 / 14

كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول مشكلة التحرش، وهي مشكلة متجذرة في المجتمع المصري لم تنجو منها طفلة في الثالثة أو عجوز في السبعين، ولا حتى المنتقبات ومرتديات العباءات.

المبررون وانتحار المنطق

ولأنك في مصر مضطر للجدال في أكثر الأمور بديهية ومنطقية وجدنا أنفسنا أمام فيضان من التبريرات الغير عقلانية، فهذا يؤكد أن ملابس المرأة السبب، وذاك يعتبر أن خروجها من منزلها السبب، وأخر يجد أن الأفلام الإباحية وفتيات التيك توك من الأسباب الرئيسية في استفحال المشكلة بغض النظر عن ملابس المرأة التي يتم التحرش بها.
ولا أعرف حقا كيف يجد إنسان مبررا لانتهاك جسد إنسانا أخر لم يتعرض له بسوء وكيف يكون حق المرأة في السير أمنة في الطريق العام مسألة مطروحة أصلا للنقاش، وأين تحديدا وجد المبررون في دينهم الذي يتذرعون به ما يبيح لهم هتك الأعراض والاعتداء على حرمة الجسد ومتى كانت مثل هذه الأفعال وسيلة للدعوى إلى الله!!
والحقيقة أن التحرش موجود في مصر من قبل عصر الانترنت والسماوات المفتوحة، والمتحرش لا يعنيه سن أو ملابس المرأة أو حتى شكلها وفي بعض الأحيان قد يتحرشون بصبي أو حتى رجل!

أسباب قد تكون وجيهة

من وجهة نظري الشخصية أعتقد أن السبب الأهم وراء التحرش هو الرغبة الدفينة التي تعتمل في صدور هذا الشعب في كسر القواعد والإتيان بفعل غير لائق أو مجرم والهروب من العقوبة فهذا الأمر يعطيهم شعور بالقوة والسطوة وهو ما استقر في ذهنهم منذ عصور خلت لمعنى القوة والسطوة.
فالقوي في مصر هو ببساطة من يمكنه فعل أي شئ دون مسائلة، وإذا كان كائن الذكر المصري لا يمكنه تأكيد قوته وفرض إرادته من خلال الانتخابات على سبيل المثال، وليس له يد فيما يفعله به النظام الحاكم أو مديره في العمل، فهو يتجه نحو فرض سيطرته على كائن يجده أكثر ضعفا منه ولا يمكنه الدفاع عن نفسه أمامه أو ردعه بالشكل الذي يمتنع به عن الإتيان بمثل هذه الأفعال مستقبلا وهذا الكائن هو المرأة أو الطفل وربما الحيوانات!!
أما الأسباب الأخرى التي قد تكون وراء هذه المشكلة فهي البطالة وانتشار المخدرات وفقدان الهدف وعدم وجود نشاطات مشروعة يمكن للإنسان توجيه طاقته إليها مثل ممارسة الرياضة أو تعلم أحد الفنون كالرسم أو العزف أو الرقص أو التمثيل أو النحت أو الصناعات اليدوية.

رجال الدين

أحد أهم الأسباب وراء ظاهرة التحرش في مصر فكل الموضوعات تقريبا محظور الحديث بشأنها وقد تودي بهم إلى السجن، فليس أفضل من جسد المرأة موضوع يمكنه الحديث بشأنه وقول ما شاء له من أقاويل وأحاديث وقصص تراثية دون أن يعرض نفسه للعقوبة أو لغضب الأجهزة الأمنية.
غطوا النساء، اقهروا النساء، لا تسمحوا لهن بالخروج، لعن الله قوما ولوا أمرهم امرأة – لاحظ أن الدول الأكثر استقرارا ورخاءا في عصرنا دول تحكمها النساء مثل ألمانيا ونيوزيلاندا وفنلندا على سبيل المثال – إلا أن هذه بضاعتهم الوحيدة التي يبيعونها لمريديهم وهو موضوع تجاري يجمع حولك الكثير من الشباب فيعتقد أن قمع المرأة واجب ديني ووطني، واسألوا صاحب الحلوى المكشوفة الذي صدقه الاف الشباب وامتثلوا به!
إن مشكلة التحرش في مصر في حاجة إلى قوانين رادعة وحتى تتغير هذه المفاهيم في عقول الناس، فنفس الشخص المتحرش في الشارع المصري لن يجرؤ على الإتيان بفعل مماثل في عمله إذا كان يعمل في مجال السياحة أو يحرس كمبوند يقطنه السادة، ولن يجرؤ على الإتيان بفعل مماثل إذا سافر للعمل بالخارج فهو يعرف في داخله أن هذا الفعل سيوقعه في مشكلة حقيقية فيتحكم في نفسه خوفا من المسائلة.