نظرة ماكرو للثقافة الذكورية.



طارق حجي
2020 / 8 / 7

من التعليقاتِ التى تتكرر هى القول بأن النساءَ مسؤولاتٍ عن وضعيتهن غير الإنسانية فى مجتمعات منطقتنا الناطقة بالعربية. وهذا كلام "غير علمي". فالدراسات التاريخية والأنثروپولوچية والسوسيولوچية تؤكد أن "الثقافة الذكورية" هى إبنة أبوين هما : (1) الرجال ، و (2) المؤسسات الدينية ، أي الرجال مرة أخرى. وهذه الدراسات تؤكد أيضاً أن الرجل إستعمل تاريخياً أداتين لترسيخ الثقافة الذكورية التى تجعله صاحب اليد العليا والأمر والنهي ووضع المرأة فى الإطار التاريخي للنساء. أما الأداة الأولي ، فهى قوته الجسدية فى مواجهة المرأة. وأما الأداة الثانية فهى كونه الذى يحقق الدخل المادي وكونه الطرف الذى يُنفق على الطرف الآخر. وإذا كانت أهمية وفعالية الأداة الأولى قد تناقصت فى العصر الحديث ، فإن الأداة الثانية قد نقصت فعاليتها بدرجة أقل. وتاريخياً ، ولكون رجال الدين هم قبل كل شيء ذكوراً ، فقد وظِفت الأديان لشرعنة روح الثقافة الذكورية وشرعنة كل تفاصيل علاقة الرجال بالنساء المؤسسة على أساس أن الرجل هو صاحب اليد العليا وصاحب الحق فى الأمر و النهي والمستحق لأن يسود ويهيمن ويُطاع. وعندما أُخضحت النساء لهذه النوع من العلاقة لقرونٍ وواكب ذلك توظيف دؤوب للدين رسَّخ سيادة الرجل لحد كون السماء تغضب من المرأة التى تُغضب زوجها وتدخل الملائكةُ على الخط ، فتسهر وهى لا تفعل شيئاً عدا لعنها للمرأة التى نام زوجها وهو غاضب منها ، منذئذٍ تحولت المرأة (أو كثير من النساء) لمؤمنات بعلو مقام الرجل وبكونه السيد ولكونها الملزمة بخدمته وطاعته وإراحته. ويجيء علم النفس المعاصر فيقدم لنا نظرية أو فكرة "متلازمة ستوكهولم" والتى تلخصها هذه الكلمات وهى : إفتتان المسجون بسجّانه. وهو ما ينطبق على ما وصلت له حالات نساء كثر ، أصبحن متفانيات فى الدفاع عن كل فسيفساء الثقافة الذكورية : فوقية الرجل وسيادته وأنه صاحب الأمر والنهي وأنها (المرأة) ملزمة بطاعته مع قبول كامل بتجليات كونه الطرف الأسمى ، مع كسوة كل ذلك بالدين حتى نصل لنصوص تقول بأنه لو كان هناك مستحق لأن يُسجد له بعد الله فسيكون هو الرجل الذى يجب على أمرأته أن تسجد له. ولكن المرأة أُعفيت من هذا السجود لأنه يناقض وحدانية الإله المستحق وحده دون سواه لأن يُسجد له. والخلاصة ، أن الدراسات العلمية التاريخية والأنثروپولوچية والسوسيولوچية وضحت لنا كيف نشأت وتجذرت وترسخت الثقافة الذكورية ، ودور رجال الدين فى تدعيمها. كما أنها وضحت لنا بدء عملية التآكل النسبي للثقافة الذكورية فى بعض المجتمعات الأكثر تقدماً. وأخيراً ، فإن علم النفس هو الذى يكشف طبيعة وحقيقة أثر متلازمة ستوكهولم على النساء اللائي يتحولن لمحاميات مدافعات عن فوقية الرجل وعن كل مزاياه وحقوقه ككائن أعلى وأسمي من المرأة ، بل وككائن يغضب الإله (والملائكة) لغضبه. ولكن هذا العشق من بعض النساء بفوقية الرجل ليس هو سبب الثقافة الذكورية وإنما هو عرض من أعراضها.