تعقيب علي مقال المأزق الجنسي



نهال حسن القويسني
2020 / 8 / 12

طالعت باهتمام بالغ مقال الأستاذ محمد القصبي حول المأزق الجنسي. وقد لفت نظري بقوة الأسلوب الإستثنائي لطرح وتناول هذا الموضوع الدقيق والحيوي، مما استدعي ان ابادر بالتعقيب عليه.

وفي الحقيقة ان الموضوع معقد ومتشابك جدا، ومن الصعب تناوله
ببساطة او مناقشة ابعاده بصورة سطحية، ولهذا فإنني سوف أقوم بعرض بعض النقاط ورؤوس الموضوعات التي أراها اساسية في هذا المجال.

في البداية يمكننا ان نرصد حقيقة مؤكدة، وهي أن الرغبة الجنسية تختلف في طبيعتها وشدتها من شخص لآخر وفقا لتركيبته الفسيولوجية، رجل كان ام امرأة. وفي تقديري انها اقوي عند الرجل عامة منها عند المرأة. وهو أمر فطري وسنة الخلق لحكمة معينة لا مجال للدخول فيها هنا.
ومن ناحية اخري، فإن كل انسان منا، رجل كان أو امرأة تتغير احتياجاته النفسية والعاطفية والجنسية من مرحلة لأخري من حياته. انت في العشرين غيرك في الأربعين أو الستين. وكل مرحلة لها طابع تتزامن معه تغيرات جسمانية ونفسية وعقلية، وبالتبعية فأنت لست انت في كل لحظة وأحاسيسك واحتياجاتك ليست واحدة طوال حياتك.

ولا يمكن ان ننكر حقيقة واضحة في مجتماتنا العربية بالذلت، وهي ان المرأة هي الحلقة الأضعف في العلاقة لانها تتحمل وحدها تبعات ممارسة العلاقة الجنسية في اي إطار غير رسمي.

والمتامل للأمر عن كثب يمكنه ان يرصد بعض الظواهر الواضحة، اولها ان الفصام في مجتمعنا ذا جذور عميقة من ازدواجية المعايير، فنحن نلوم الآخرين وندينهم ولكننا نفعل نفس الشيئ في الخفاء. وثانيها ان القيم العقائدية لها دخل كبير في وضع المعايير الخاصة بهذا الشأن، وفي تشكيل العقل والوجدان الجمعي للمجتمع.

ولا يخفي علي أحد ان معلومات كل جنس عن طبيعة الجنس الآخر تكاد تكون منعدمة في مجتمعنا، وهي في احسن أحوالها انطباعية ومختلطة بخرافات اجتماعية علي غير أساس. وبالتالي فإن جهل كل طرف بطبيعة الطرف الآخر يجعل من الصعب علي كليهما ان يدرك الفروق ويتصرف في إطار هذا الفهم.
ومن ناحية اخري، فإن أطراف العلاقة في الأغلب الأعم ليس لديهم معلومة علمية دقيقة عن تفاصيل العملية الجنسية وتأثيرها علي كل طرف، والمؤثرات التي تشكلها وتجعل منها ممارسة للحب وليس مجرد غريزة جنسية. وكلما تحضر المجتمع، كلما حرص علي تثقيف طرفي العلاقة في هذا الشأن وتناول العلاقة بصورة تبعد بها عن الغرائز الحيوانية.
فالعلاقة الجنسية عند الرجل في غالبية الأحوال حسية بحتة، غرائزية في مجملها. وحين يكون الرجل متمرسا في مثل هذه العلاقات ولديه خبرات سابقة فإنه يستطيع أن يأخذ هذه العلاقة في الاتجاه الذي يحقق له وللطرف الآخر الاشباع والسعادة.
ولكن معظم الفتيات في مجتمعنا، علي الاقل في الأجيال القديمة، لا يكادون يفقهون شيئا عن تفاصيل تلك العلاقة، بل يخافون منها ويخشونها مثل أي مجهول. وفي معظم الأحيان لا تفهم المرأة طبيعتها الجنسية ولا تدري كيف تجعل هذا اللقاء متعة لها وللطرف الآخر. وان لم يكن الرجل ذو خبرة وتجارب سابقة فإنه يجهل مثلها تفاصيل من الممكن أن تسعده وتسعد شريكته.
فالملل لا يتسرب لهذه العلاقة اذا أدرك الطرفان كيف يستعدان لها نفسيا وجسمانيا، فيقومان بالإعداد الجيد لهذه اللقاءات الحميمة عن طريق خلق اجواء فيها قدر من الرومانسية والاسترخاء تحقق لطرفي العلاقة الهدف المنشود.
والملل يتسرب للحياة الزوجية عامة وليس فقط للجانب الجنسي منها، نتيجة الالتزامات الأدبية والمادية والرتابة في نظام الحياة.

الحياة فن، عليك ان تفهمها وتفهم نفسك جيدا كي تحسن التعامل معها والاستمتاع بها. فكم شخص ممن قابلتهم في حياتك يفهم نفسه جيدا، ويدرك امكانياته ويعلم هدفه في الحياة، ويعلم جيدا ما لا يريد. هي فلسفة وجود متكاملة ترتكز علي الوعي والإدراك والمعرفة وفهم الذات والحياة بكل تفصيلاتها وتجلياتها، ولا تقتصر علي الجانب الجنسي من العلاقة بين الرجل والمرأة فقط، فهما في النهاية قطبي الحيلة وطرف المعادلة التي لن تتصلح نتيجتها ما لم تستقيم المدخلات العقلية الواعية.