دور المرأة في التنمية الإجتماعية-الإقتصادية ما بعد النزاعات المسلحة مع التركيز على العراق



سناء عبد القادر مصطفى
2020 / 8 / 13

المقدمة
تلعب المرأة دورا أساسياً في عملية إعادة البناء الإجتماعي-الإقتصادي في أغلب أماكن النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط. و قد تم التأكيد على هذا الدور في قرار مجلس الأمن رقم 1325 الذي اتخذه في جلسته المعقودة في تشرين الأول 2000. والذي يؤكد فيه على الدور الهام للمرأة في بناء السلام، والجهود الرامية إلى حفظ السلام والأمن وتعزيزهما. وكذلك الإعلان الصادر من لجنة بناء السلام بخصوص التمكين الاقتصادي للمرأة بتاريخ 26 أيلول 2013. فقد نص القرار على أهمية دور المرأة في إحلال السلام وأكد على أهمية التمكين الاقتصادي في سياسات الانتعاش الاقتصادي ”نعترف بأن التمكين الاقتصادي للمرأة يسهم إسهاما كبيرا في فعالية الأنشطة الاقتصادية والنمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد انتهاء النـزاع، ويؤدي إلى تحسين نوعية تدابير وسياسات الانتعاش الاقتصادي ونتائجها الاجتماعية وإلى تحقيق التنمية المستدامة, ونؤكد أهمية مراعاة المنظور الإنساني، حسب الاقتضاء، عند الاضطلاع بالأنشطة الاقتصادية بعد انتهاء النـزاع” و كذلك شدد القرار على ضرورة إدخال التمكين الاقتصادي في مبادرات و برامج الامم المتحدة للانعاش الاقتصادي بعد انتهاء النزاعات.
وتعتبر قضية دور المرأة في تحقيق السلام من القضايا المهمة التي تشغل بال السياسيين وعلماء الإجتماع والإقتصاديين وحتى المثقفين على حد سواء أو بدرجات متفاوتة. كما يرجع الإهتمام بهذه القضية الحيوية الى بداية القرن العشرين، حيث شهدت هذه الفترة الزمنية تطورا ملفتا للنظر في مناقشة قضايا المرأة وإعطائها صبغة تقدمية من خلال ربطها بمسائل مهمة على الصعيد الدولي مثل حقوق الإنسان والتنمية الإجتماعية-الإقتصادية ومكافحة الإرهاب والنزاعات المسلحة والعنف والإصلاح الإقتصادي والسياسي الذي يصب بدوره في مسألة تحقيق السلام العالمي الذي يعتبر الهدف الأسمى لدى الأمم المتقدمة.

مشكلة البحث
إيجاد حلول عملية مبنية على منهج علمي لمعالجة مشكلة تمكين المرأة من المساهمة بشكل فعال في التنمية الإجتماعية-الإقتصادية في مجتمعات الشرق الأوسط بعد انتهاء النزاعات المسلحة التي كانت سبب أساسي في دمار الإقتصاديات الوطنية من منشئات إقتصادية مهمة وبنى تحتية تعتمد عليها.
فرضيات البحث
الفرضية الأولى: الاعتماد على التخطيط الاستراتيجي الطويل الأمد (خطط لمدة 10 سنوات) وخطط اقتصادية خمسية تلائم الشرق الأوسط وتناسب بيئته الاجتماعية من أجل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية-الاجتماعية المنشودة.
الفرضية الثانية: إن نظم المعلومات في المؤسسات والمشاريع الإنتاجية التي لها علاقة مباشرة بالإقتصاد الوطني هي من الدعائم الأساسية المساهمة في حل معظم مشاكل الإقتصاديات الوطنية من خلال اتخاذ القرارات الرشيدة والقضاء على البيروقراطية الإدارية المستشرية في الشرق الأوسط وخصوصا في العراق وكذلك التداخل في المهام الإدارية بين الوحدات التنظيمية المختلفة.
هدف البحث
يهدف البحث الى القاء الضوء على دور المرأة في التنمية الإجتماعية - الإقتصادية ما بعد النزاعات المسلحة مع التركيز على العراق من حيث:
1- بيان وتحديد الأسباب الحقيقية التي تقف حجر عثرة أمام تنمية وتطور دور المرأة في التنمية الإجتماعية - الإقتصادية ما بعد النزاعات المسلحة وخصوصا في العراق، اعتمادا على التحليل العلمي الذي تحدده منهجية هذا البحث.
2- طرح الحلول العملية من خلال الخطط الاقتصادية الطويلة والمتوسطة الأمد لضمان تحقيق تنمية وتطوير شاملين مستمرين ومتواصلين في جميع مشاريع التنمية الإجتماعية - الإقتصادية ما بعد النزاعات المسلحة حسب التصورات المرسومة لها.

منهجية البحث
من أجل تحقيق الأهداف المنشودة من هذه الدراسة والوصول الى اثبات فرضيات البحث أو نفيها اعتمدت في هذا البحث استخدام المنهج الاستنباطي الوصفي الذي يستند الى أساليب الاحصاء الاقتصادي ومحاولة معرفة العلاقة الكمية التي تربط هذه المتغيرات بعضها ببعض وكذلك آراء وتصريحات جميع المسؤولين في مختلف دوائر الدولة وعلى اختلاف درجاتهم الوظيفية ومواقعهم في السلم الوظيفي والإداري. وقسم البحث إلى ثلاث مباحث، الأول، وجود المرأة في خضم النزاعات المسلحة وضرورة السلام العالمي ،المبحث الثاني، العلاقة بين التنمية الاجتماعية للمرأة وتحقيق السلام، والمبحث الثالث ، التمكين الإقتصادي للمرأة العراقية وعلاقته بالسلام.

الكلمات المفتاحية:
دور المرأة في التنمية الإجتماعية-الإقتصادية، عملية إعادة البناء، التمكين الاقتصادي للمرأة، دور المرأة في إحلال السلام، النمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد انتهاء النـزاعات المسلحة.

المبحث الأول ،وجود المرأة في خضم النزاعات المسلحة وضرورة السلام العالمي

لا يزال العالم ومنذ انعقاد المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين بجمهورية الصين الشعبية في الفترة الزمنية 4-15 من شهر أيلول العام 1995 وتحت شعار: العمل من أجل المساواة والتنمية والسلام(مؤتمر بكين) يعاني من النزاعات المسلحة المنتشرة في أماكن متعددة من المعمورة. وقدشكل إعلان ومنهاج عمل المؤتمر تتويجاً عمليا لإتخاذ خطوات إيجابية للاعتراف بحقوق المرأة كإنسانة وتشكل نصف المجتمع في ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي من جانب المدافعين عن حقوق الإنسان وجمعيات المرأة في العالم. ويظل الاعلان الصادر عن المؤتمر يمثل الاتفاق الأكثر شمولاً حتى الآن بين الحكومات حول ما ينبغي القيام به لتمكين المرأة من العمل وإظهار مكانتها في المجتمع وكذلك الإعتراف بحقوقها من حيث المساواة بينها وبين الرجل.
وعلى الرغم من أن عدد النزاعات الكبرى يبدو صغيرا فإن الحرب في سوريا واليمن وليبيا منذ العام 2011 لا زالت مستمرة وحتى في جنوب السودان بعد استقلاله عن الشمال في العام 2011.
تعد قضية دور المرأة في تحقيق السلام من القضايا المهمة التي تشغل بال السياسيين وعلماء الإجتماع والإقتصاديين وحتى المثقفين. ويرجع الإهتمام بهذه القضية الحيوية الى بداية القرن العشرين، حيث شهدت هذه الفترة الزمنية تطورا ملفتا للنظر في مناقشة قضايا المرأة وإعطائها صبغة تقدمية من خلال ربطها بمسائل مهمة على الصعيد الدولي مثل حقوق الإنسان والتنمية الإجتماعية-الإقتصادية ومكافحة الإرهاب والنزاعات المسلحة والعنف والإصلاح الإقتصادي والسياسي الذي يصب بدوره في مسألة تحقيق السلام العالمي ( ) الذي هو المطلب الأول والأهم للبشرية جمعاء، حيث تم النظر للمرأة على أنها شريك أساسي في تدعيم قيم السلام في المجتمع.
في ضوء ذلك واستناداً إلى حقيقة حيوية دور المرأة في عملية التربية بفرعيها الاجتماعي والسياسي، فإن الموضوع يتعلق بدور المرأة في تدعيم قيم السلام في الشرق الأوسط،وذلك من خلال توعيتها بهذه القيم وإرشادها لكيفية استخدامها في توجيه أبناءها، من خلال المنظمات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، وعلى هذا الأساس نطرح الأسئلة التالية:
1. ما هي أهمية التربية في غرس قيم السلام؟
2. ما هو الدور المطلوب من المرأة لتعزيز ثقافة السلام وما هي شروطه ومعوقاته؟
3. ما هي القيم والمبادئ المساندة للسلام وما هي معوقاته؟
4. ما هو دور منظمات المجتمع المدني في تدعيم وإرشاد دور المرأة في نشر ثقافة السلام؟

لقد طرحت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها سنة 1998 باعتبار العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين 2001-2010 عشرية دولية لدعم ثقافة اللاعنف والسلام لفائدة أطفال العالم الذي يستند على: "مجموعة من القيم والتصرفات والسلوكيات، التي تعكس وتشجع قيام تفاعل اجتماعي، وبناء عقلية تقاسمية يقومان كليهما على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية وعلى جميع حقوق الإنسان وعلى التسامح والتضامن ونبذ العنف، ويعملان على ردع النزاعات بالتعرض لأسبابها العميقة، وحل المشاكل بالحوار والتفاوض، ويضمنان ممارسة كاملة لجميع الحقوق والإمكانيات لتحقيق مساهمة كاملة في عملية تنمية المجتمع" . ولهذا فإن الثقافة حسب تعريف منظمة اليونسكو "هي كل السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمع بعينه أو فئة اجتماعية بعينها وتشمل الفنون والآداب وطرق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان والنظم والقيم والتقاليد والمعتقدات" .
أما العلاقة بين التربية والثقافة فهي علاقة وثيقة الصلة لأن الثقافة بيئة مناسبة للتربية لتحقيق أهدافها وطموحاتها، كذلك التربية تستخدم الثقافة في بناء الأجيال كما يريد المجتمع.

إن تطور مفهوم السلام وسبل تحقيقه. كان السلام ولا يزال حلماً للبشرية منذ عصور عديدة فقد عانت البشرية كثيراً من ويلات الحروب والصراعات والعنف والإرهاب لدرجة أن السلام يكاد يشكل استثناء في مواجهة قاعدة الصراع والحرب، وخاصة في الوقت الحالي ونحن في الألفية الثالثة إذ نشهد تزايداً ملحوظاً في معدلات الصراع والعنف بجميع أشكاله على الرغم من تطور الوعي بوحدة المصير الإنساني وبأهمية السلم كفرض من فروض التنمية والرخاء.
أن الحرب تنشط التقدم والتطور بمعدل أسرع من وقت السلم إذ أن الصراعات المسلحة تدفع الإنسان إلى الاختراع أو الهلاك. وهذا يدفعنا إلى الجزم بأن السلام أبداً لم يكن حاله دائمة في أي مكان أو زمان، فالصراع هو جوهر الحياة ولا يمكن تصورها بدونه، فهو سمة من سمات الحياة الإنسانية، ووسيلة من وسائل تعديل النظام الاجتماعي كما أنه أداة لتحقيق توازن القوى بين ما نريد وما يمكن أن نحصل عليه. حتى أن هناك من يرى بأن تعريفنا للسلام بأنه غيبا الحرب والعنف والصراع، فيه تناقض مع حقيقة أن الصراع أمر أساسي في الحياة، فإذا كان السلام عدم وجود صراع ففي هذه الحالة فإن السلام يعني الموت. وحديثنا هذا لا يعني اليأس في تحقيق السلام أو ابتعدنا عن طلبه فإذا كان الصراع سمة الحياة فالسلام هو الذي يعطينا الحياة، إذاً ما هو السلام وما الذي نعنيه بهذا المفهوم، وهل هو مطلب واقعي يمكن تحقيقه أم أنه شيء غير واقعي.
لقد اختلفت الآراء والتوجهات في تعريف هذا المفهوم، كما اختلفت في توضيح ورصد أسباب إحلاله وكذلك انهياره، وهو كأي مفهوم آخر تعددت تعريفاته تبعاً لتعدد استخداماته وأغراضه، هذا فضلاً عن أن المفهوم عادة ما يرتبط بإطار فكري وثقافي معين يكون له أثر كبير في تعريفه وتحديد طبيعته، ففي اللغة السلام من سلم، وهو يستعمل أسماً بمعنى الأمان والعافية والتسليم والتحية، ومن جهة نظرة سياسية وعسكرية فالسلام في أبسط معانيه يعني (عدم الحرب. وحالياً لم يعد موضوع السلام هو فقط عدم الحرب، بل أصبح للسلام أبعاد عديدة ترتبط بها إشكاليات كثيرة، فالعدل، احترام حقوق الإنسان، الأمن، الحفاظ على البيئة، عدم العنف، الاستقرار، التسامح، التعاون، فهم الآخر، الديمقراطية، حرية التعبير والمشاركة السياسية، وعدم التمييز، الهوية، كلها تدخل ضمن أبعاد مفهوم السلام المختلفة والتي لم تعد تقتصر على المدلول السياسي فقط، فهناك المدلول الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والأمني والبيئي إلى الجانب السياسي هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك إشكالية تتعلق بالعلاقة بين ثلاثة أبعاد تتصل بمفهوم السلام وهي المفهوم نفسه أي "السلام"، تعريفه، والعمل على تحقيقه. فإذا ما عرفنا السلام بأنه عدم الحرب فإن كل جهودنا تكون مركزه على الحرب كيف نمنع قيامها، كيف نتحكم في مسارها، كيف السبيل إلى إيقافها وما إلى ذلك، فهذه استراتيجيات ارتبطت بتعرفنا للسلام بأنه عدم الحرب، وبالتالي إذا ما توصلنا إلى منع الحرب أو إيقافها فإننا في هذه الحالة حققنا السلام المنشود.

أ ـ السلام العالمي: بعد الحرب العالمية الثانية وتشكيل الأمم المتحدة ساد مفهوم العالمية على كل وصف وتصنيف للظواهر السياسية خاصة في مجال العلاقات الدولية، وانبرت المنظمات الدولية والإقليمية تتسابق في تحقيق العالمية لأهدافها ومبادئها فقد استشعرت الأمم المتحدة كمنظمة دولية أهمية تكاثف الجهود الدولية لتحقيق الازدهار والرخاء والسلام العالمي لفترة ما بعد الحرب، والذي بينته خبرة الحرب، فنبهت بأن مطلب حفظ السلم والأمن الدوليين والذي جعلته أولى مقاصد المنظمة، هو مطلب عالمي يجب على كل الدول أن تتكاثف لتحقيقه. فبينت بأن السلام العالمي لا يتحقق فقط من منع استخدام القوة في العلاقات الدولية، أو مشروعية إعلان الحرب، وإنما في الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وتحقيق العدالة واحترام الالتزامات وبالاعتراف بكرامة الفرد والحقوق المتساوية للرجال والنساء، والتسامح وحسن الجوار. ومع تطور الثورة العلمية والتكنولوجية في نهاية القرن العشرين دخلت مضامين حديثة على السلام العالمين فصار هناك أمن مائي وأمن بيئي وأمن غذائي وارتبط ذلك بالسلام العالمي، فأزمة الغذاء الحالية تهديد للسلام العالمي والصراع على المياه يحمل معه بذور صراعات دولية مستقبلية جديدة. هذا إلى جانب تغير وتطور أشكال الصراعات الدولية وزيادة حدتها فلم تعد صراعات حدود وزعامة ومناطق نفوذ فقط. بل أصبحت صراعات أفكار أيديولوجية ومعتقدات دينية. كما حملت الصراعات المحلية بذور تهديد للاستقرار الإقليمي وتطلبت تدخلاً دولياً لإنهائها كصراع البوسنة أو أزمة البلقان، حتى أن صراع الإقليم داخل الدولة الواحد غدى ينظر إليه على أنه تهديد للسلام العالمي كصراع (دارفور) مثلا وتعددت مجلس الأمن الدولي بخصوص قضايا محلية، وإقليمية نوقشت على أساس تهديدها للسلام العالمي.
ب ـ السلام الإقليمي : وهو ما يرتبط بتحقيق الاستقرار والأمن في منطقة إقليمية معينة، في الماضي انصرف هذا المفهوم إلى تدعيم قيم حسن الجوار، وعدم التدخل في شئون الداخلية للدول الأخرى، واحترام الدول الكبيرة للدول الصغيرة، والتعاون الاقتصادي بين الدول المتجاورة، وتنشيط وتفعيل الاتصال الثقافي والمصالح المشتركة بين الدول المتجاورة، وحالياً مع تزايد حدة الصراعات الطائفية لوجود الأقليات المنتشرة في الأقاليم المتجاورة، تضمن مفهوم السلام الإقليمي مضامين محلية كانت تقتصر مناقشتها على الدولة القومية، الأمر الذي استدعى تطوير آليات جديدة لتحقيق هذا المفهوم واستنفار وتكاثف الجهود الإقليمية مجتمعة لإعادة الاستقرار في المنطقة.

جـ - السلام المحلي: هو السلام داخل الدولة الواحدة، وهنا تختلف المفاهيم والرؤى فما تعتبره الدولة شأن داخلي قد لا تعتبره الدول الأخرى كذلك. فأحداث كصراع الفئات الاجتماعية على السلطة، والعجز الاقتصادي، والتهديد الخارجي، وشغب الأقليات الطائفية، الدينية، والضعف السياسي كلها مسببات للصراع الداخلي العنيف الذي يمكن تصديره للخارج عن طريق الأقليات المتجاورة عند الحدود المشتركة وبالتالي تحمل بذور تهديد إقليمي يستلزم التدخل في الشئون الداخلية للوحدة السياسية وأحداث العراق خير مثال على ذلك.

وهناك من يرى أن الإشكالية في السلام التي نواجهها هي اختلال في التوازن والانسجام بين القيم، فهناك خلل في الأفكار والمواقف والسلوكيات التي نتعامل بها ومعها وهذا من شأنه أن يشكل عائقاً أمام تحقيق السلام وقبوله كقيمة أو رفضه وبالتالي فإن عوائق السلام ليست عوائق سياسية فحسب، بل هي عوائق اقتصادية واجتماعية وثقافية تتصل بالإرث الثقافي والتاريخي للمجتمعات، ومن هنا كانت أهمية بناء ثقافة للسلام تعمل على جعل السلام جزءاً من البناء الإدراكي والقيمي للفرد أو محدداً من محددات سلوكه. وما يلاحظ على مفهوم السلام في الوقت الحاضر:
أولاً : هو تغير النظرة والفكرة للسلام، ففي الماضي كان السلام يعني مجموعة من الاستراتيجيات والآليات اللاحقة للصراع أو الحرب"، أي تهدئة الأوضاع وحل الصراعات ووقف الحروب ومعالجة آثارها لمنع قيامها من جديد، أما في نهاية القرن العشرين فإن التفكير في السلام والنظر إليه أصبح– معنى استباقي – إذ أن الجهود بدأت مركزة على كيفية فاعلية منعنا لقيام صراعات مستقبلية كتلك القائمة حالياً، هذا بالإضافة إلى جهود حل الصراعات القائمة.
ثانياً : وبدت النظرة على فكرة السلام بأنها جزئية أكثر منها كلية إذ نلاحظ تركيز أكبر على الفرد مقابل المجتمع وعلى الدولة مقابل دول وعلى العوامل والروابط التي تربط إقليم بعينه مقابل العالم ككل. فكثرت الدراسات التي تناولت الفرد وتنشئته الاجتماعية وانتماءاته الدينية والطائفية والسياسية، كذلك الدراسات التي تركزت على بناء الهوية والانتماء والولاء في المجتمع، والروابط الفكرية والثقافية التاريخية بين المجتمعات المختلفة والتي من شأنها أن تدعم السلام أو تقوضه، فهذه الدراسات اتخذت منحنى داخلي أو محلي خلافاً لدراسات السلام ذات المنحنى الدولي.
ثالثاً: تطور الوعي الفكري من قبل الساسة والمفكرين والمثقفين على حد سواء بأن مسئولية إحلال السلام لا تقع على الجيل الحاضر فقط وإنما المسئولية الأكبر هي في حماية الأجيال القادمة من ويل صراعات وحروب وترسبات ماضية تهدد مستقبلهم ومعيشتهم.
رابعاً: هو اتساع مفهوم السلام وشموليته واتصاله بكل مجال من مجالات الحياة لدرجة يتطلب فيها جهود جميع الجهات لتحقيقه. حكومية وغير حكومية محلية وإقليمية ودولية. وهذا راجع لتعقد طبيعة الصراعات الحالية وتشابكها وعجز الجهات المحلية عن حلها.

معوقات تحقيق السلام

بما أن عوامل تدعيم السلام عديدة فإن معوقاته عديدة كذلك،ويمكن أن نقول بأن عوامل تدعيمه يمكنها أن تكون عائقاً لإحلاله إذا ما استخدمت لغرض الصراع والعنف، فالعنصرية والاعتقاد بتفوق جنس معين عن بقية الأجناس أو حضارة عن الأخرى، يمثل عائقاً للسلام، والاختلافات الثقافية يمكنها أن تكون عائقاً لسلام إذا ما كانت سبباً في سوء الفهم والشك كذلك القومية أو التعصب القومي وارتباطه بالسيادة، هذا إلى جانب الظروف الاقتصادية والاعتقاد بأن الحروب وسيلة لحل المشاكل، والاختلافات الطائفية والدينية تعد من أقوى أسباب الصراعات الأهلية والدولية إذا وجدت الظروف الموضوعية المساندة. وأخيراً فإن التفكير المحدود لأفكار السلام يعد سبباً لإعاقته. وهذه الأفكار هي ما يتناولها "مفهوم ثقافة السلام" فهي تحمل معنى الاستباقية الذي تحدثنا عنها من حيث تركزيها على جوانب ثقافية، فردية، اجتماعية، اقتصادية، سياسية، دينية، تربوية، قانونية، معنوية أكثر منها إجرائية أو مادية وكذلك تتضمن في محتواها معنى – المقاومة – أي المقاومة – أي مقاومة كل ما شأنه أن يعوق السلام ويمنع تحقيقه، وربما ذلك راجع للاعتراف بأهمية التكوين النفسي والفكري للفرد كمترجم لسلوكه وارتباطه ذلك بطبيعة المجتمع وتركيبته الثقافية وتأثير ذلك كله على طبيعة الصراعات وتطورها. لقد ظهر مفهوم ثقافة السلام في بدايته بعد الحرب العالمية الثانية تحت عنوان "بحوث السلام" ومن بعد تبنته منظمة الأمم المتحدة، غير أن هذا المفهوم قد تطور أخيراً في نهاية القرن الماضي وظهر ذلك في عدد من المؤتمرات والندوات والإعلانات ذات الصلة التي تناولت تحليل أبعاد هذا المفهوم ومرتكزاته وطرق تحقيقه، على اعتبار أن ثقافة السلام هي "ثقافة للتعايش والتشارك المبنية على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والتضامن، هي ثقافة ترفض العنف وتدعو لحل المشاكل عن طريق الحوار والتفاوض" هل يوجد مصدر لهذه الفقية؟ كما حدد بيان موسكو بشأن السلام أهم مرتكزات ثقافة السلام فقد اعتمدت الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) برنامج ثقافة السلام (عام 1992) كإستراتيجية لبناء السلام والمصالحة في مرحلة ما بعد النزاعات. وفي عام 1996 أطلقت اليونسكو مفهوم ثقافة السلام وبالنسبة للمنظمة فإن هذا المفهوم يعني المكونات التالية :
1. إحلال اللاعنف محل القوة والعنف كآداب لإحداث التغيير.
2. تعبئة الناس لتشجيع التفاهم والاحترام، والتضامن.
3. إحلال نظم الديمقراطية الفعالة محل الأنظمة التراتبية أو الاقتصادية في الحكم.
4. وجود تدفق حر للمعلومات متوفر للجميع يحل محل احتكار بعض المجموعات للمعلومات.
5. إحلال ثقافة مبنية على التقاسم المتساوي للسلطة بين الرجال والنساء محل ثقافة السيطرة الذكرية.

المبحث الثاني،العلاقة بين التنمية الاجتماعية للمرأة وتحقيق السلام

للمرأة دور أساسي ورئيسي في عملية نشر ثقافة السلام، غير أن هذا يتطلب القبول بإعطائها هذا الدور، وأن تحرير المرأة والقبول بمشاركتها في الحياة العملية قد مر بمراحل عديدة خاصة في دولنا العربية حتى أنه فقي بعض الدول مازال تطور المرأة وتحريرها في مراحله الأولى، ذلك إن مشاركة المرأة على الصعيد الاقتصادي والسياسي تعترضه عوائق عدة وتتفاوت هذه العوائق من حيث التكوين الثقافي والتطور الاجتماعي في المجتمعات المختلفة، وحالياً ونحن نعلق آمال عريضة على دور المرأة في تعزيز ثقافة السلام علينا الانتباه إلى عدة أمور:
أولاً: علينا أن نحدد ما هو المطلوب من المرأة تحديداً أو بمعنى آخر ما هو الدور الذي نريد للمرأة أن تلعبه في هذه القضية.
ثانياً: يجب الاهتمام بمعوقات دور المرأة بشكل عام فالمناخ الفكري والثقافي السائد في المجتمع ودرجة التعليم عوامل من شأنها أن تخبرنا بمدى قبول أو رفض المجتمع لهذا الدور.
ثالثاً: يجب التركيز على حملات التوعية على مستويين مستوى خاص يكون مركز على المرأة ذاتها لتوعيتها بما هو مطلوب منها، وبمستوى عام يكون موجه إلى المجتمع ككل بجميع فئاته ليستوعب أهمية وفائدة ما تقوم عليه ثقافة السلام، وهنا يجب أن ننوه بأهمية الجهة المسئولة عن القيام بهذه الحملة، ما إذا كانت حكومية أو غير حكومية، ففي هذه الحالة قد لا يتم الالتفاف إلى الجهات الخاصة كثيراً، ولا تعطي أهمية كبيرة خاصة إذا كانت هذه الجهات نسائية، أما إذا كانت الجهة حكومية واتخذت في نشاطها طابع قومي، عندها تكتسب ثقل أكبر، كما أن الإمكانيات في هذه الحالة تكون أوسع وأشمل بشكل يخدم حملة التوعية وأهدافها، هذا لا يعني عدم أهمية المنظمات المحلية غير الحكومية، فهذه إن وجدت الدعم والإمكانية تكون عنصر فعال في هذه المسألة.

أن من أهم القيود التي تعترض دور المرأة هو النظرة الدونية المتخلفة لها، فمازالت بلادنا العربية أسيرة النظرة الموروثة للمرأة على أنها مخلوق في مستوى أدنى من الرجل فغلبة الذكورية داخل الأسرة والمجتمع أدت إلى إقصاء المرأة عن ميادين الخدمة العامة، الاجتماعية والسياسية بسبب هذه النظرة.

1. العنف والفقر: هذه الثنائية المأساوية التي تهدم طاقات المرأة فالعنف المنزلي وسوء المعاملة، فالعنف قد يكون نتيجة للفقر أو سيادة النظر الدونية للمرأة وفي الحالتين يمثل قيداً على عمل المرأة وحريتها في ممارسة دورها. والحاجة قيد بإمكانها أن تهبط أي عزيمة، فهناك رابط بين العنف والفقر وهذا لا يعني عدم وجود العنف ضد النساء في الدول الغنية ولكن الفقر يعد سبباً قوياً من أسباب العنف فالظروف الاجتماعية القاسية التي تعيشها الأسرة الفقرة تمثل شكلاً أساسياً من أشكال العنف الاجتماعي الذي يعاد إنتاجه مرة أخرى داخل الأسرة بناءً على توزيع القوى الداخلية والخارجية فقد ذكر في تقرير الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة في المغرب إن ما يزيد على 96% من أعمال العنف ضد النساء ترتكب من طرف الزوج. وفي دراسة لعادل مجاهد الشرجي، عن العنف العائلي ضد المرأة في اليمن أن أسباب العنف العائلي هو النظرة التمييزية القائمة على أساس الجنس، ويقدم تحليله للعلاقة بينهما من خلال منظورين رئيسيين هما: التوجهات الثقافية، وبناء السلطة العائلية. حيث يشرح فيهما علاقات النوع الاجتماعي والمستوى الاجتماعي والثقافي وتأثيرها على العنف ضد المرأة. أما الفقر والذي تركد المؤشرات العالمية المتاحة حول الفقر بأنه يشكل أحد أخطر التحديات التي نواجهها في الألفية الثالثة خاصة ذلك الواقع على المرأة والذي عبرت عنه وثائق عالمية وعربية ومصطلح "تأنيث الفقر" فإنه يمثل أهم القيود على دور المرأة( ).

2. التعليم: فهناك تفاوت بين الجنسين في كل مراحل التعليم. فالتعليم أمر مهم وأساسي لتحقيق استفادة قصوى من المرأة فكيف نتوقع أن تربي الأم الجاهلة علماء؟ وكيف تربي الأم المضطهدة أحراراً؟ وكيف تربي الأم عديمة الشخصية أبناء ذوي شخصية قوية. فالتعليم والمعرفة هما السبيل لأي تنمية حقيقية وحرمان المراة من التعليم يعني حرمان المجتمع من التنمية، لذا يجب الاهتمام بتعليم المرأة ومحو الأمية فقد جاء في تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة عام 2004 أن نسبة الأمية في صفوف المرأة في العالم العربي تصل إلى 50%. وفي الألفية الثالثة ومع التطورات المذهلة في مجالات التكنولوجيا الحديثة وخاصة ثورة الاتصال والمعلومات فإن المرأة تواجه خطر الإقصاء بسبب انخراطها المحدود في العلوم، وفي التكوين التقني. وفي ظل ذلك لن يكون بإمكان المرأة أن تكون شريكة فاعلة في نشر ثقافة السلام.

3. انتشار الحركات الأصولية الدينية والفكرية: قد اتسم الخطاب الديني المعاصر برفض مظاهر التغيير التي أدت إلى تحول نوعي في وضعية المرأة. كما طرح تصورات قمعية، تنادي بعودة المرأة إلى بيتها.

4. عدم تطبيق التشريعات الدولية التي تكفل حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والإنسانية، فمازالت التشريعات قاصرة في معظم البلاد العربية عن حماية المرأة ويقلل مساحة الممكن لديها.

5. ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني في دول كثيرة سواء تلك الخاصة بالمرأة أو التي تهتم بالمجتمع بشكل عام عن القيام بدورها في توجيه وإرشاد وتثقيف المرأة بحقوقها وحل مشاكلها ورعايتها بنشر ثقافة السلام وهذا يحتاج إلى توعية مكثفة للمرأة في كل مكان. إن تجاوز تلك المعلوقات يتطلب القيام بالإجارءات الآتية:ـ

أ‌. إصلاح وضع المرأة من خلال التشريعات الخاصة بها وهذا يتطلب وعي المرأة بحقوقها والدفاع عن قضاياها وهذا لا يتحقق إلا بشرط آخر وهو المعرفة والمشاركة الفعلية المتكافئة للمرأة في الواقع النظري والفكري وإزالة جميع أشكال التمييز التشريعي ضدها.
ب‌. تحسين أوضاع البيئة الاجتماعية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى يمكن الحديث عن دور للمرأة في بناء ثقافة. فهناك تعارض بين الأفكار النهضوية والتنويرية بخصوص المرأة مع الإطار الثقافي والاجتماعي فنجاح هذه الأفكار يشترط أن تتحول إلى ركن أساسي في الوعي الاجتماعي. إذَ كيف نطلب من المرأة أن تنشر ثقافة وهي ضحية ثقافة في كثير من المشاكل التي تعانيها، وهذا يتطلب أن نبدأ من البداية أي عن طريق التربية الاجتماعية للأجيال التي تراعي الفوارق بين الجنسين والتدريب من أجل اللاعنف والمساواة والشراكة، مع التركيز بصفة خاصة على الفتيان والشبان. ويمكن عمل ذلك من خلال تخليص الكتب والمناهج الدراسية من الصور والنماذج النمطية التي تكرس التمييز ضد المرأة وتظهرها في أدوار معينة، فقد تضمن إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في العام 1995هذا المعنى في إطار العمل المتكامل بشأن التربية من أجل السلام وحقوق الإنسان والديمقراطية. وذلك بتشجيع إعادة النظر في المناهج التعليمية.
ج. تحقيق التقدم على صعيد تعليم المرأة ومحو الأمية ورفع الوعي والمعرفة في تعزيز قيم السلام وتقدير قيمة التنوع والتعاون في عالم اليوم المتداخل.

هـ. ويجب توعية المرأة ذاتها بحقوقها من خلال نشر مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان للمرأة من خلال مجلات توعية شاملة ولفئات عمرية مختلفة بين الرجال والنساء وتقديم برامج توعية تعد لهذا الغرض.
و. ضرورة إشراك المجتمع المدني على الصعيد المحلي والإقليمي والوطني وتوسيع أنشطته المتعلقة بثقافة السلام خاصة تلك التي تتناول المرأة في برامجها. اثراء برامج الأحزاب السياسية ودعمها من خلال دور منظمات المجتمع المدني في نشر ثقافة السلام على الصعيدين المحلي والدولي.
ز. الحماية القانونية للمرأة وذلك من خلال مواصلة الإصلاحات القانونية وملائمتها للمعايير الدولية لحماية حقوق المرأة من كل أشكال التمييز والإقصاء والعنف.

المبحث الثالث - التمكين الإقتصادي للمرأة العراقية وعلاقته بالسلام

أولاً، مفهوم التمكين الاقتصادي.
يرتبط تاريخ مصطلح التمكين بتاريخ حركات التحرر الوطني وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية . حيث يركز على تمكين أفراد المجتمع اقتصاديا وسياسيا من خلال تغيير البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تولد الاضطهاد والتمييز العنصري ليس ضد النساء فقط ولكن ضد الغالبية من الفقراء والمعدمين والمهمشين اجتماعيا واقتصاديا.

تختلف الآراء حول جوهر مفهوم التمكين إذ يتم التركيز في الإقتصاد الرأسمالي على توسيع خيارات الأفراد وتمكينهم لاتخاذ القرارات المتعلقة بمستوى معيشتهم والذي يساعد المرأة من السيطرة على حياتها والوصول إلى المصادر المعيشية المتوفرة كالمشاركة في سوق العمل والاستفادة من الخدمات الرأسمالية الموجودة. ينتقد هذا المفهوم بكونه لايربط تمكين الإفراد بالجماعة ولا يتطرق للأسباب التي أدت إلى التهميش أو عدم التمكين وهو مايستدعي فحص المفاهيم ونقاط التقارب التي تتبعها المؤسسات الرسمية والغير الرسمية في تشكيل الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للنساء والرجال والتي تشكل صميم العلاقات الاجتماعية.

يتم الربط في هذا الإطار بين التمكين الفردي والجماعي من جهة وبين توسيع الخيارات من جهة أخرى بحيث تتضمن القدرة على تحدي وتغيير التمييز وعدم المساواة بين الطبقات الإجتماعية. وتؤدي الدولة في هذا التوجه وليس الأفراد فقط أو الجماعات دورا أساسيا في تغيير بنى التمييز وعدم المساواة سواء عبر التشريعات او السياسات المتبعة.
ويستلزم تمكين المرأة تحقيق مايلي:
1- المساواة في فرص اكتساب القدرات والمؤهلات البشرية وتوظيفها من قبل الرجال والنساء.
2- ضمان حقوق المواطنة لجميع النساء على قدم المساواة مع الرجال.
3- الإقرار بوجود الاختلاف بين الجنسين واحترام هذا الاختلاف ولايمكن استخدام هذا الاختلاف في تبرير الدعوات للتمييز بين الجنسين( ).
ثانياً، الواقع الاقتصادي للمرأة العراقية:
يؤثر الاقتصاد العراقي تأثيرا كبيرا على درجة التمكين الاقتصادي للمرأة في العراق، حيث يتميز نمط الإنتاج وطبيعة الأداء الاقتصادي في العراق بسيادة الريع وضعف النمو الاقتصادي. تشير بعض الأدبيات الى ان العائدات النفطية قد خولت البعض إلى أن يعيلوا عددا كبيرا من الأشخاص غير العاملين التابعين لهم خاصة النساء فضلا عن انتشار قيم ثقافية محافظة مثل إعلاء دور العائلة التي تركز على ادوار تكاملية بين الرجل والمرأة وليس على المساواة. الافتراض بأن الرجل هو المعيل الرئيس للأسرة فضلا عن مفهوم شرف العائلة الذي يربط بين شرف وكرامة العائلة بصيت نسائها أو مايطلق عليه إجمالا مؤشر العادات والتقاليد او (القيم الاجتماعية) من الأسباب المهمة التي تؤدي إلى ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل وفي تدني نسبة مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي في العراق.
وتترتب على الصفة الريعية للإقتصاد الوطني العراقي وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وهشاشة البنى الانتاجية وضعف وتائر التطور في الاقتصاد العراقي مما أدى إلى انتشار الفقر والبطالة وانعدام العدالة الإجتماعية في توزيع الدخل والموارد مما اثر سلبيا على التمكين الاقتصادي للشعب عموما والنساء بالذات. ونتيجة لضيق سوق العمل في العراق وانتشار التعليم بين الإناث والتحيز المجتمعي غير الرشيد ضد تشغيل النساء لإعطاء الأولوية للرجال في الحصول على فرص العمل مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بين النساء وخاصة المتعلمات . فقد شهد العراق في الآونة الأخيرة انسحاب الدولة من بعض المفاصل الاقتصادية والخدمية والحد من التشغيل في الإدارة الحكومية وهو قطاع التشغيل المفضل والحامي لحقوق النساء مما أدى إلى تبلور ظاهرة خطيرة تتمثل في توافر رأس مال بشري مؤهل بين النساء يعاني من معدلات بطالة أعلى من المتوسط (بالمقابل تشكل النساء نسبة 13.9. % فقط من القوى العاملة ( ).
واسهم عامل آخر في إضعاف المرأة من الناحية الإقتصادية ، فقد ادى التمييز بينها وبين الرجل في الأجور حينما تعمل في القطاع الخاص الى انخفاض نسبي في دخل المرأة من العمل.
تواجه المرأة العراقية مجموعة من العقبات التي تؤثر سلبيا على دورها الاقتصادي والتنموي مما يقوض من فرص تحقيق تنمية مستدامة تؤدي فيها المرأة دور الشريك الحقيقي في التنمية والبناء من خلال مساواتها مع الرجل في الفرص الاقتصادية المتاحة وتسهيل وصولها إليها وتذليل العقبات التي تواجهها سواء كانت تشريعية أم قانونية أم اجتماعية أو غيرها من العقبات.
وحسب احصائيات وزارة التخطيط العراقية لعام 2018 تشكل المرأة نحو 49% مقابل 51% للرجال ، أي ان النساء يشكلن نصف المجتمع تقريبا، إلا أن النسبة بحد ذاتها لا تشكل قيمة إن لم يكن لها وزناً اجتماعياً وإقتصاديا وحتى سياساً. وبالرغم من أن المرأة العراقية أحرزت تقدما هاما في مجالات عديدة لعل في مقدمتها التعليم والعمل الاجتماعي وغيرها، إلا أن معدل نشاطها الاقتصادي ما يزال متدنيا.
تشكل النساء نسبة 6و54% من إجمالي الفئة المنتجة في العراق والذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 64 سنة وهو مايفرض تحديا جديدا للسياسة الاقتصادية تتمثل بضرورة توفير فرص عمل كافية للنساء ممن هم في سن العمل وتوفير البيئة الاقتصادية المناسبة لعمل المرأة بما في ذلك حصولها على استحقاقاتها من التقاعد والضمان الاجتماعي( ).
ونحاول هنا تحديد المساهمة الكمية المحتملة للمرأة العراقية في الاقتصاد الوطني العراقي، إذا ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة من 13.9 % في العام 2018 (السنة الأساس) إلى 40 %. فعلى الرغم من أن النساء يشكل 49 % من السكان في سن العمل، إلا أن معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة العراقية بنسبة 13.9% تعتبر مساهمة ضعيفة لا تتعدى 8.12 % في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي( ). وهذا يعادل 8.52 مليار دولار أمريكي.وعلى أساس بقاء جميع العناصر الأخرى ثابتة، وتمكنا من رفع معدل المشاركة إلى 40 %، فستكون مساهمة المرأة في الناتج المحلي الإجمالي 24.72 مليار -$-، أو 23.58 % من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي, أي ما يقرب ثلاثة أضعاف القيمة الحقيقية (8.52 مليار -$-)( ) مصدر لهذه الفقرة. ومع ذلك، فإن مثل هذه الزيادة سوف تتطلب زيادة في القدرة الاستيعابية للاقتصاد، أي زيادة في الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية والمادية وكذلك في قطاعي الإنتاج والخدمات، وعندها من المرجح أن تكون الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي أعلى بكثير خلال المدى المتوسط إلى المدى الطويل. ولكي يتحقق هذا، يجب وضع خطط اقتصادية مدروسة بشكل جيد.

ثالثأ، الوضع الاقتصادي للمرأة الريفية في العراق
يشير التقسيم النوعي للعمل بين الجنسين في الزراعة الى مساهمة المرأة الواضحة في جميع مراحله ولكن يتركز دورها في الأعمال اليدوية والتي تحتاج الى كثير من الصبر والتحمل مثل السقي و غربلة المحاصيل الزراعية وتحضين النباتات اذ تبلغ مساهمتها في هذه العمليات اكثر من الرجل.
ولا تحظى نسبة مشاركة المرأة الريفية في العمل المأجور إلا بنسبة قليلة 5،4% من مجموع النساء الريفيات و10،1% من مجموع النساء اما مشاركة النساء في الحضر فهي اكثر من ثلاثة اضعاف مشاركة النساء في الريف وان معدل النشاط الاقتصادي للنساء يبلغ 13،2% في الريف و13،6% في الحضر اما معدلات البطالة في الريف اقل من الحضر حسب نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق لسنة 2012( ).
والملاحظ ان القطاع الخاص هو القطاع السائد لأغلب المشتغلين حيث ترتفع نسبة مساهمة الرجال المشتغلين عن النساء المشتغلات لهذا القطاع. اما القطاع الحكومي فيأتي في المرتبة الثانية حيث بلغت نسبة النساء المشتغلات بالقطاع الحكومي 87،8% وبلغت نسبة الرجال المشتغلين في نفس القطاع 45،3% ويرجع ذلك الى تفضيل النساء العمل بالقطاع الحكومي لتوفر اجازات الأمومة لرعاية الاطفال حيث يعتبر القطاع الخاص غير مرغوب لدى النساء لذلك تعمل به نسبة ضئيلة من النساء قياساً الى الرجال ( ) . فقد لوحظ ان نسبة العاملات لدى الاسرة بدون اجر ترتفع نسبتهن في الريف ونظراً لكون هذا العمل ليس له عائد نقدي فان عمل المرأة بهذه النسبة المرتفعة في اعمال خاصة بالأسرة وبدون اجر نقدي يقلل من مردود ذلك العمل.
وتشير بيانات مسح شبكة معرفة العراق (IKN) لسنة 2011 إن توزيع الأفراد العاملين بعمر 15 سنة فأكثر يتوزعون على الأنشطة الاقتصادية بنسب متفاوتة بين ذكور وإناث إذ إن معدلات العاملين في الزراعة والصيد والغابات وصيد الأسماك ترتفع في الريف أكثر من الحضر حيث تصل نسبة الإناث العاملات في هذا القطاع إلى حوالي 81 % مقابل 27% للرجال في الريف وتقل بمستويات عالية في الحضر حيث إن نسبة العاملين في هذا القطاع من الإناث هي 4% مقابل 2% للذكور وبشكل عام يمكن القول إن الإناث تشكل القسم الأكبر من العاملين في هذا القطاع اذ تصل نسبة العمل فيها للإناث إلى 30% مقابل 10% للذكور( ).
وتعتبر مشاركة المرأة العراقية في النشاط الاقتصادي متدنية إذ لم تتجاوز 22% العام 2018 مقابل 78% للذكور، وهو مؤشر يدل على ارتفاع معدلات البطالة بين النساء في سن العمل وعلى ان فرص العمل تميل لصالح الرجال على حساب النساء ولهذا السبب ارتفعت البطالة بين النساء إلى 25% عام 2018 . إن الحقيقة التي لا ينبغي إغفالها هنا هي إن المرأة تعمل بمستويات عالية في الريف لكن عملها غير منظور بالحسابات المهنية والإنسانية والاقتصادية، لذا فأن مساهمتهن لاتندرج ضمن النشاط الاقتصادي الرسمي وقد انعكس هذا الغبن التأريخي في بخس مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي أما في الحضر فان الصورة مختلفة إلى حد كبير، فالحياة الحضرية، مع استمرار تأثير الثقافة التقليدية، تمثل بيئة أكثر انفتاحا وأقوى اعترافا بحقوق المرأة. كما إن فرص العمل المتاحة لها تتنوع فتصبح المرأة أكثر قدرة على الاختيار.
على الرغم من تزايد حضور النساء في مجالات النشاط البشري خارج نطاق الأسرة ولكن لازال يعانين من درجة الحرمان النسبي في توظيف قدراتهن في مجالات النشاط التقليدية التي مال الرجال للاحتفاظ بالدور الغالب فيها مثل النشاط الاقتصادي الرسمي والمؤسسات السياسية. اذ تمتلك النساء بحدود 2.3% من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في العراق، وهو ماينعكس سلبا على مشاركة النساء العاملات في العراق. أما في الاتحادات والجمعيات المهنية فلاتزيد مساهمة النساء العاملات في غرف التجارة واتحاد الصناعات واتحاد رجال الاعمال عن 3%.
تعاني النساء العاملات من انخفاض نسبي في عوائد العمل مقارنة بنظرائهن من الرجال ويزداد التفاوت في القطاع الخاص حيث يتسم التوظف في الدوائر الحكومية والقطاع العام بدرجة أعلى من احترام القيد القانوني على المساواة في عوائد العمل.
تشكل نسبة النساء العاملات في االاجهزة والدوائر الحكومية في العراق نحو 49.1% مقابل 26.9% للرجال في العام 2007 . في حين كانت نسبة النساء العاملات في القطاع الخاص 44% مقابل 66.2% للرجال . وهو يعكس ميل النساء للعمل في القطاع الحكومي لضمان دخل ثابت ومستقر والحصول على الرواتب التقاعدية على خلاف العمل في القطاع الخاص الذي يخلو من هاتين الميزتين وهو ما يشكل تحدي جديد للحكومة العراقية والذي يتمثل بكيفية توفير فرص العمل بالكم والنوع الذي يناسب النساء مع الإشارة إلى أن النساء في بعض القطاعات الاقتصادية كالتعليم والصحة يحظين بالنصيب الوافر من فرص العمل المتاحة فيهما. وهذا مايؤكده ارتفاع نسبة النساء العاملات في قطاع الخدمات وبالذات التعليم الى 23% مقابل4و5% للرجال( ).
وفي نفس السياق كشف أحدث تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، أن 8.3% من شريحة الشباب في العراق "أميّون"؛ لا يُجيدون القراءة ولا الكتابة.وأضاف تقرير الجهاز الإحصائي التابع لوزارة التخطيط العراقية أن "نسبة الأمية بين الشباب للفئة العمرية 15 إلى 29 سنة بلغت 8.3%"، مشيراً إلى أن "نسبة الذكور منها بلغت 6.5%، في حين شكّلت نسبة الإناث منها 10.2%".وبيّن أن "نسبة 32.5% من شباب الفئة العمرية 15 إلى 29 سنة ملتحقون بالتعليم حالياً، وشكّلت نسبة الالتحاق من الذكور 35.9%، مقابل 28.8% إناث". حسب موقع الخليج اون لاين. في حين أعلنت منظّمة "هيومن رايتس ووتش " في شهر أيلول العام 2018 أن 6 ملايين لا يُجيدون القراءة والكتابة، من أصل 38 مليون عراقي أي 21.05% من الشعب العراقي أميون( ).
وبحسب تقارير سابقة لوزارة التربية، فإن نسب الأمية في القرى والأرياف هي أعلى منها في المدن والمناطق الحضرية، ويعود ذلك لجملة أسباب اجتماعية وأخرى تتعلَّق بضعف الجانب التوعوي.
ان هذه النسب تعتبر مخيفة خاصة وان الامية في العراق كانت شبة معدومة في السنوات الماضية. ومن جهة اخرى كان العراق في العام 1976 يتصدّر بلدان المنطقة لجهة جودة التعليم، إذ إنّه كان قد فرض إلزامية التعليم وأنزل عقوبات صارمة في حقّ من لا يلتحق بالدراسة، فضلاً عن تنظيم حملة شاملة لمحو الأميّة انتهت بعد أربعة سنوات (سنة 1980) بإعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) نجاح العراق في مكافحة الأميّة.
واوضحت مسؤولة ملف المرأة في مجلس المفوضين ان "التقرير الحكومي الاخير الصادر من الجهاز المركزي للإحصاء، والذي اشار فيه الى تفشي نسبة الامية بين الفتيات بنسبة 10.2% خلال عام 2017 فما دون والذي يعتبر رقما كبيرا قياسا بأعداد الاناث في ظل هذ الظروف الموائمة لتفشي الامية بين اوساط النازحين والمشردين وفاقدي المعيل بفعل الحروب والاهمال الحكومي الذي تسبب بدمار الكثير من المؤسسات التعليمية والثقافية. هذا وترتفع نسبة الأمية بين النساء في العراق الى 19.5% مقابل 15% للرجال في العام 2008 وترتفع نسبة الأمية بين النساء العاملات إلى 30% . إن الأمية تبقي المرأة في وضع مهمش وتشكل أكبر عقبة تحول دون تغلب النساء على الفقر المدقع في عالم قائم على التكنولوجيا وزادت فيه الأهمية القصوى لمهارات القراءة والكتابة. علما أن النساء يمثلن ثلثي إجمالي عدد الأشخاص الأميين الراشدين في العالم المقدر عددهم بنحو ثمانمائة مليون شخص ( ).

هذا وقد أعلن البنك الدولي والحكومة العراقية والحكومة الكندية في 7 تشرين الأول 2018 عن تقديم منحة قدرها 1.95 مليون-$- لدعم جهود العراق الرامية إلى تعزيز وتنفيذ برامج تمكين المرأه اقتصاديا وسياسيا( ).

يتألف برنامج "المرأة والحماية الاجتماعية في العراق: نحو التمكين الاقتصادي" من قسمين متكاملين، أولهما سيسهم في إنشاء قدرة تشريعية ومؤسسية طويلة الأجل لتعميم منظور المساواة بين الجنسين، في حين يطبق القسم الثاني برامج ستدعم التمكين الاقتصادي والسياسي للمرأة في العراق، بما في ذلك برامج ريادة الأعمال للمرأة الفقيرة.
وتعقيبا على هذه المنحة، قال ساروج كومار جها، مدير دائرة المشرق بالبنك الدولي: "نحن متحمسون لإقامة شراكة مع حكومة كندا لدعم تمكين المرأة في العراق. ونحن ملتزمون بدعم المرأة في العراق وسنعمل بلا كلل لضمان حصول المرأه العراقيه على فرصة المشاركة الكاملة في جميع جوانب الحياة والإسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للعراق" ( ).

رابعاً،علاقة التنمية الإقتصادية-الإجتماعية بالسلام
يعتبر تعريف التنمية من التعريفات الصعبة لتشابك عناصره و اختلاط مفاهيمه فمفهوم التنمية يتجه دائماُ للتنمية الاقتصادية أو الاجتماعية, ورغم هذه الاختلافات فإن الهدف العام لأي عملية تنمية هو استقرار و تطور للدولة. وعرفت هيئة الأمم المتحدة عام 1956 على التنمية بأنها “العمليات التى بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالى والحكومة بتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدمها بأفضل ما يمكن”( ).
إن العلاقة بين مفهومي السلام والتنمية الإقتصادية-الإجتماعية علاقة تكاملية و ضرورية لاستقرار الدول وتحسين أدائها على مختلف الأصعدة. في حين يختلف البعض في ترتيبها أي من يأتي في المقدمة التنمية أم السلام، أم انهما عمليتان تحدثان بالتوازي ولا تخضعان لترتيب معين. و قد شارك هذا الرأي العديد ممكن شاركوا في الاستبيان الذي قام مركز جسور للدراسات و التنمية يإجرائه في بداية العام 2017( ). وقد اتفق أغلبية المشاركين بانه توجد علاقة وطيدة بين المفهومين. في حين علًق أحد المشاركين بأن ( السلام أساسًا ناتج عن التنمية، فكلما ارتفع معدل التنمية كان الشعب أكثر تحضرًا وقدرة على التعايش وتثبيت الأمن أو الابتعاد عن ارتكاب الجرائم ) و رأى مشارك آخر بأن (العلاقة بينهما طردية فكلما تحققت التنمية كلما تحقق السلام و ترسخ فى المجتمع و ابتعدت اسباب التناحر و الاختلاف). والجدير بالذكر بأن أكثر من مشارك ربط بين التنمية الاقتصادية تحديداً وعملية السلام فكانت وجهة نظر أحد المشاركين بأنه (كلما عم السلام في المجتمع زادت فرص التنمية على جميع الاصعدة وخاصة الصعيد الاقتصادي) ( ).

خامساً،علاقة المرأة العراقية ببناء السلام والتنمية الاقتصادية-الاجتماعية

تلعب المرأة في أغلب أماكن النزاع دوراً أساسياً في عملية إعادة البناء و قد تم التأكيد على هذا الدور في الإعلان الصادر من لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة بخصوص التمكين الاقتصادي للمرأة بتاريخ 26 سبتمبر 2013 ونص القرار على أهمية دور المرأة في إحلال السلام و قد شدد على أهمية التمكين الاقتصادي في سياسات الانتعاش الاقتصادي ” نعترف بأن التمكين الاقتصادي للمرأة يسهم إسهاما كبيرا في فعالية الأنشطة الاقتصادية والنمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد انتهاء النـزاع، ويؤدي إلى تحسين نوعية تدابير وسياسات الانتعاش الاقتصادي ونتائجها الاجتماعية وإلى تحقيق التنمية المستدامة؛ ونؤكد أهمية مراعاة المنظور الجنساني (أمراة أو رجل)، حسب الاقتضاء، عند الاضطلاع بالأنشطة الاقتصادية بعد انتهاء النـزاع” و كذلك أكد القرار على ضرورة تضمين التمكين الاقتصادي في مبادرات و برامج الامم المتحدة للانعاش الاقتصادي بعد انتهاء النزاعات"( ).
و اتفق غالبية المشاركين في الاستبيان على أهمية دور المرأة في عملية بناء السلام, حيث يتخطى دورها المشاركة في جهود منع النزاعات و توفير الدعم لمساندة مبادارات بناء السلام و المشاركة في الحوارات إلى دور هام و اساسي في عمليات التعمير و تحقيق الانعاش الاقتصادي اثناء وبعد انتهاء الصراع.
قام مجلس الوزارء العراقي بإقرار الخطة الوطنية لقرار مجلس الأمن 1325، الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في تشرين الأول العام 2000 . والذي يؤكد فيه على الدور الهام للمرأة في بناء السلام، والجهود الرامية إلى حفظ السلام والأمن وتعزيزهما. وليكون بذلك العراق أول بلد في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يتبنى خطة وطنية لتفعيل هذا القرار.
وقد وُضعت الخطة على ثلاث محاور جوهرية وهي المشاركة والوقاية والحماية. وفي شق المشاركة، دعت الخطة إلى “إشراك المرأة في مراحل صنع واتخاذ القرارات المتعلقة بمفاوضات وحل النزاعات” و ” تشكيل تحالفات نسائية لرصد الانتهاكات ضد المرأة في المدن التي تعاني من عمليات إرهابية ومواجهات عسكرية” و تضمن محور الحماية ” تطوير ستراتيجيات وسياسات وخطط عمل وطنية لمناهضة العنف داخل الاسرة عامة وضد المرأة خاصة وترسيخ ثقافة نبذ العنف بكل اشكاله” و ” العمل على نشر ثقافة السلام من خلال اقامة برامج تثقيفية للبنات والبنين في المدارس والجامعات ووسائل الاعلام” و كذلك أوردت نقطة مهمة وهي ”العمل على دمج مبادئ الحقوق الانسانية وقيم المساواة والعدالة ومقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج والمشاريع”. وقد أكد محور الوقاية على أهمية ” تحسين الظروف المعيشية للمرأة وضمان حقوقها و وصول الخدمات إليها” و كذلك على ضرورة ” توفير كوادر بشرية مؤهلة للتعامل مع حالات النساء المعنفات (اللاتي تعرضن للعنف)على كل المستويات الصحية والاجتماعية والتربوية والقانونية”( ).
وعلى الرغم من اعتماد الخطة من البرلمان العراقي و توفير الغطاء القانوني و الالزامي لها و تحديد ميزاية خاصة لتطبيق بنودها الا ان الرياح أتت بما لا تشتهي السفن و جاء تطبيق هذه الخطة مخيب للآمال العريضة التي صاحبت هذه المبادرة الرائدة وفي مقال نشره موقع ارفع صوتك حول نساء العراق وتحقيق السلام: خطة ممتازة ولكن “ حبر على ورق”؟! في حين رأت الأكاديمية والباحثة النسوية العراقية نهلة النداوي في تعليق لها على الخطة ” إن الأنشطة التي وضعتها الخطة لتحقيق أهدافها غير متلائمة مع الهدف. فقد جاءت عامة غير محددة بسقف زمني ولم تُحدّد الآليات الضرورية. وعلى سبيل المثال، بينما ركزت الأهداف على أهمية وجود المرأة في مواقع صنع القرار، لم تشر الخطة لا من قريب ولا من بعيد إلى أهمية زيادة مشاركة المرأة في اللجان التفاوضية على المستوى المحلي والدولي وأهمية وجود النساء في اللجان العليا للأحزاب”( ).

الخاتمة

وبتطبيق الفرضية الأولى على ماورد أعلاه نجد أنه لا توجد خطط اقتصادية ستراتجية موضوعة لمدة عشرة سنوات ولا حتى خطط اقتصادية خمسية تلائم وضع المرأة العراقية وتناسب بيئتها الاجتماعية من أجل صنع وبناء السلام ومن أجل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية-الاجتماعية المنشودة.
أما الفرضية الثانية فإن المؤسسات الإجتماعية - الإقتصادية في العراق لا توجد لديها أنظمة معلوماتية متطورة يعتمد عليها في حل المشاكل التي تواجه المرأة اثناء وبعد النزاعات المسلحة والتي لها علاقة مباشرة بتنمية وتطوير الدعائم الأساسية المساهمة في حل معظم مشاكل الإقتصاديات الوطنية من خلال اتخاذ القرارات الرشيدة التي تخص وضع المرأة العراقية والقضاء على البيروقراطية الإدارية والفساد الإداري المستشريان في العراق وكذلك التداخل في المهام الإدارية بين الوحدات التنظيمية المختلفة التي لها علاقة بإتخاذ القرارات الصائبة.

الاستنتاجات والتوصيات

الاستنتاجات
1. محاور بناء السلام
نرى من التجربة العراقية إن ادماج المرأة يتعدى كونها أحد الضحايا من هذه النزاعات و لكن كطرف فعال و مؤثر على محيطها. ولهذا فإن أي عملية صناعة سلام يجب ان تتضمن مشاركة المرأة و حمايتها و وقايتها.

2. صنع و بناء السلام
تركز أغلب الخطط والبرامج على المدى القصير وتقتصر في تخطيطها على صنع السلام دون التركيز على فترة ما بعد النزاع.

3. ثقافة السلام
إن أي حركة حقيقية لصنع السلام لابد من أن توضح معاني هذا المفهوم وارتباطه بتحقيق الرخاء والإستقرار.

4. إشراك المجتمع المدني
ومن التجربة العراقية نرى مدى أهمية دور منظمات المجتمع المدني في تنفيذ الخطة المرتقبة وذلك كسلطة ضاغطة و مستقلة عن اهواء و مصالح السياسيين.

التوصيات:
1. نقترح أن يضاف محور التمكين لمحاور بناء المرأة للسلام في ليبيا لتكون على الشكل التالي (التمكين الإجتماعي - الإقتصادي والحماية والوقاية ). وبذلك يشتمل محور التمكين بالاضافة لاشراك النساء في صنع القرار و القضاء والأمن بند خاص بالتعليم و بناء القدرات و التأهيل للانخراط في عملية بناء السلام و كذلك في عملية التنمية و إعادة البناء.

2. و بناء على ما ورد في الاستنتاج الثاني أعلاه نوصي بأنه لضمان فاعلية أي خطة أو مبادرة يجب أن تكون متضمنة لجدول زمني إلزامي لتنفيذها و أن تكون طويلة المدى وأن تشتمل على عملية الإنعاش و الاعمار بعد انتهاء النزاع و الحفاظ على السلام.

3. لابد من تأسيس مشروع لترسيخ ثقافة السلام كمشروع متعدد الجوانب مرتبط بالعديد من جوانب التنمية. وبالأخص التركيز على التوعية بأهمية التنمية الاقتصادية و فتح الباب للحوار الاقتصادي و كذلك الاهتمام بتمكين المرأة اقتصادياً على ضوء ما جاء في قرار لجنة السلام العالمية لانها من أكثر الاطراف تضررا في الحروب و النزاعات و هي من يعول عليها في عملية اعادة الاعمار و الانعاش.

4. ولابد أن تتعهد منظمات المجتمع المدني ليس فقط بتنفيذ بعض هذه الالتزامات بل بعملية رصد المخالفات والانتهاكات لعملية صنع السلام والضغط على صناع القرار لتحقيق بنود هذه الخطة. أن تحقيق هذا الهدف الانساني يحتاج لتوحيد الجهود و التغاضي عن المصالح و الانتماءات و هذه مسوؤلية كبيرة تستطيع نساء العراق وليبيا تكبدها في سبيل صنع مستقبل آمن و مستقر للأجيال القادمة.

المصادر:

1- بكين: احقاق حقوق المرأة, "منظمة العفو الدولية" - تاريخ النشر فبراير 2010..
2- دور المرأة في بناء السلام، 21/12/2012 . UNDP، لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة
3- http://3 bp.blogspot.com
4- دور المرأة في عمليات بناء السلام . رمز الوثيقة::
E/ESCWA/ECW/2017/TECHNICAL PAPER.5. 2017.
5- طريق المرأة الليبية نحو السلام ص7.Jusoor Center for Studies and Development.، لندن
6- التمكين الاقتصادي للمرأة وبناء السلام. ص5. لجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة.
7-إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في العام 1995.
8- ,https://irshadlearn.blogspot.com/2016/10/blog- post_87.html).
9- نبيل جعفر عبد الرضا، آليات التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية
الحوار المتمدن-العدد: 3584 - 2011 / 12 / 22 ، المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات.
10-نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم، الخسائر الناجمة عن ضعف مشاركة المرأة العراقية في النشاط الاقتصادي، الحوار المتمدن-العدد: 4773 - 2015 / 4 / 10..
11-وزارة التخطيط العراقية، الجهاز المركزي للإحصاء، 2012)
12- زينب شاكر السماك ، الأميّة في العراق: ناقوس خطر يطرق ابواب الشباب، 2018-0.).
13 -(www.worldbank.org/iq
14- وhttps://www.facebook.com/CanadaetIraq/
15-مركز جسور للدراسات و التنمية 2017، لندن.
16-صندوق النقد الدولي، إدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة وإدارة شؤون المالية العامة المرأة والعمل والاقتصاد: مكاسب الاقتصاد الكلي من المساواة بين الجنسين. إعداد مجموعة من الباحثين، أيلول 2013. SDN /13 /10.
17- مالك عبد الحسين أحمد، تمكين المرأة العراقية في مجالات التنمية. مجلة الإقتصادي الخليجي، العدد 23 لسنة 2012.
18- المساواة بين الجنسين – كفاح من أجل العدالة في عالم غير متساو. معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الإجتماعية (UNRISD) ومركز معلومات قراء الشرق الأوسط MERIC . 2006.
19- العراق، أحداث العام 2017، أريس مسينيس /غيتي ايمجز 2017.
Human Rights Wach.
20-IKNOWPOLITICS ، القرار 1325 ودور المرأة العراقية في السلام والأمان، أعداد : فريال ألكعبي.
21-مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان، ورشة عمل حول دور المرأة ببناء السلام، رام الله- دنيا الوطن، 3/9/2018.