تفعيل قانون العنف الأسري من أجل عراق خالي من العنف



فؤاده العراقيه
2020 / 8 / 14

منذ بدأ الخليقة كان هناك ظلما وإنعداما للعدالة حيث نشأت على الفوارق الطبقية والاجتماعية والجنسية كسيطرة جنس معين على غيره وهناك ظروف عديدة حددت هذه السيطرة وكان للمرأة القسط الأكبر من إنعدام العدالة هذه فتعرضت خلال التاريخ لإنتهاكات عديدة نالت من ابداعها ومن تطورها وبمرور الزمن تقدمت بلدان وغيرت من قوانينها وتأخرت بلدان وبقيت على قوانينها الجائرة بحق المرأة وهناك قصص كثيرة لنساء متزوجات وغير متزوجات تتعرض يوميا هذه المظالم التي تُدرج من ضمن الجريمة ولا نستطيع تجريدها وحصرها بنطاق العنف الأسري فقط لكونها تصل أحيانا للقتل المشرعن حيث يُعطى الرجل الحق بقتل زوجته أو إحدى محارمه وفق المادة 409 من قانون العقوبات العراقي لمرتكبي جريمة القتل لغسل العار والذي لا يُعاقب الجاني وفقها أو يكون الحكم مخففا عليه ولا يتعدى الحبس لمدة ثلاث سنوات فقط أمام قتل إنسان ,هذه مادة من مواد كثيرة تُساهم في إزدياد الجريمة في المجتمع وتقف صفا لصف مع الرجل ضد المرأة وحالها حال قضية الزنا وكل انواع القتل المتعمد بحق النساء حيث يخرج المجرم مرفوع الرأس لكونه غسل بجريمته عار العشيرة, أمام هذا هناك قوانين تضمن له حريته في الاغتصاب والخيانة والقانون يضمن حق الجاني ويعاقب الضحية, والمذنب الذي يقتل ويغتصب حر طليق يمارس حياته ويكرر اعتداءاته دون أي رادع ,بحجة منع الرذيلة اصبحت المرأة هي الفريسة ليُلمّعوا برأسها وسام العشيرة ,وبهذه الحقوق تنتاسل الرذيلة في رؤوسهم لتنجب مزيدا من الرذائل ومن الدماء التي لا تروي عطشهم ,وتحت اسم القيم والأخلاق ضاعت الأخلاق ودُفنت المرأة بالحياة ,وباسم أنوثتها حرّموا عليها العقل والتفكير وغظوا النظر عن خيانات الرجل لها أو لم يعد تصرّفه هذا من ضمن الممنوعات والمؤشرات التي تدل على انه رجل غير صالح , بل بالعكس فخياناته تلك ستكون محط للتباهي برجولته واثبات لهويته ولهيمنته عليها لكونه تعّلم ان يكون الوصي على زوجته وأبنته , وأخته أو حتى والدته وبالرغم من فساد أخلاق البعض منهم فهذا لا يهم أمام فحولته التي تعوّد ان يكون بها الأسمى ,وكل ما يتعلق بعقود الزواج هي عبارة عن صك من القيود تكبل المرأة وتفسد أخلاق الرجل وتزيد من عنجهيته الفارغة التي أخذت تتوسع من خلال هذه القوانين التي إنعدمت العدالة بها رغم إن القانون نصّه دستور الدولة لدينا وبُنيَّ على اساس المساواة التامة وعدم التمييز الجنسي والطائفي والديني ولكنه مجرد حبر على ورق يغبن حق النساء ويضطهدهن.

قوانينا هذه استمرت لعقود دون أن تتغير مع تغيير الزمن رغم إن الحياة متغيرة دوما ولا تعرف السكون ,لكن مجتمعاتنا سكنت على قوانينها دون تغيير في الوقت الذي به غيرت دول العالم المتقدمة نُظمها مع تغيير الزمن ولمسنا تأثير هذا على تطور النساء في تلك البلدان وتقدمهن بكافة الميادين في حين نسائنا تزداد اعبائهن بصورة سلبية بحكم التغيرات التي طرأت على المجتمع من كثافة سكانية اجبرتها على الخروج للعمل ولكن بالرغم من تحرر المرأة اقتصاديا استمرت القيود تكبّلها وما حدث هو زيادة بواجباتها ونقصان بحقوقها لكونها خرجت للعمل خارج المنزل في حين إن عملها داخل المنزل استمر كما هو وأخذت تنفق على البيت حالها حال الرجل فكان عملها عبأ إضافيا عليها كونه لم ينقص عملها داخل المنزل .
وبالرغم من إن أهم شروط القانون هو أن يكون عادلا بين الناس بغض النظر عن الفروقات بينهم وأن لا يحكم بين الناس على اساس الجنس أو المذهب او الطائفة ولكننا نجد به ثغرات منافية لهذه الشروط, فالقانون الذي لا يحمي المواطن ولا يحفظ كرامته يكون فاسد لا محالة كما هو الحال في قانون الأحوال الشخصية العراقي والذي يعطي الحق لجنس دون الآخر دون أن يعطي أي اعتبار لعقل ومكانة كل منهما, ليكون التفضيل فيه على اساس جنسي فقط ,حيث يتجلى بوضوح التمييز المبني على اساس الجنس في قوانيننا والتي هي لا تختلف كثيرا عن القوانين في بقية البلدان العربية حيث جاء بها هدرا كبيرا لكرامة المرأة كإنسانة المفروض أن تكون حرّة ومكتملة بكيانها ولكن القانون اعتبرها تابعة للرجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى وما عليها سوى الطاعة دون أخذ أي اعتبار لعقلها الذي كُبّل بهذه القوانين التي لم ترحم انسانيتها
فمن حق الرجل أن يضربها تحت مسمى التأديب , فإن كان ضربا غير مبرحا لا يحق لها الشكوى ولا يهم أن يمسح بكرامتها الأرض وأن يضرب نفسيتها ويهينها بضرب غير مبرح وهذا حقه بتأديبها وكأنها طفلا, أما إذا كسر لها ضلعا أو قلع لها عين فمن حقها آنذاك الشكوى وبمقابل العوق الذي تسبب لها به لديها خيار وحيد وهو أن ترفع عليه دعوة تفريق ستكلّفها الكثير من المتاعب النفسية وتعجز بها أحيانا عن دفع اجور المحامي لكونها كانت تعمل داخل البيت بدون أي مقابل مما تضطر المرأة وتٌجبر للخضوع للأهل وللزوج المستبد الذي ارتكز على هذه القوانين التي تضمن حقوقه دونها.
وكذلك من حقه حبسها لنفس السبب’’التأديب’’وطردها أحيانا أخرى وتشريدها, وهناك حق آخر تسبب بمعاناة كبيرة للمرأة وهو حق الزوج بتطليق زوجته وقتما يشاء ودون سبب يُذكر,بل ومن حقه أن يطلبها لبيت الطاعة فيما لو رفضت هي الأستمرار, بيت الطاعة هو أكبر إهانةلها وكدليل على إعتبارها طفلة وعليها طاعة زوجها.
وكذلك حقه في الزواج من اربع نساء على زوجته وقتما ينتابه الملل منها وعليها الرضوخ او يكون مصيرها للشارع بلا مأوي وبلا حماية , وهذا الحق بمفرده تسبب في مشاكل وهوّات واسعة وكفيل بأن يشمئز له أي عقل سليم

من أجل كل هذه الحقوق يرفض بعض الرجال تعديل هذه المواد ويبررون رفضهم هذا بتشجيع النساء على الفساد ليضمنوا فسادهم برفضهم للتعديلات وليبقى فسادهم يعيث في الأرض وما وعليها سوى أن تستكين وتوأد أحلامها وطموحها
. ولهذا السبب نشهد إزدياد لحالات القتل والإغتصاب والإنتحار للفتيات هربا من جحيم الزوج وأحيانا هربا من ظلم الاب أو الأخ بالزواج ليكمل الزوج ظلمها وتعيش غالبية النساء بعد الزواج في سجن يحصرعقلها وكيانها ويجردها من كرامتها ويحد من ابداعها في حين يملك الزوج حريته المطلقة متحججا بالعمل وبقانون الإنفاق ليكون الانفاق له حجة يبرر بها افعاله وخياناته وتذمره وكأنه صاحب الفضل على زوجته ,حيث تبدأ الحكاية بعقد الزواج المبني على أساس السيادة, سيد ومسيود، البيع والشراء، وليس على أساس الشراكة والتكافؤ، فتضطر المرأة لبيع جسدها وخدماتها مقابل أن ينفق عليها الزوج ويتكفل هو بكسوتها وعلاجها وباكلها وبشربها، وبمقابل هذا عليها أن تتحمل تبعات هذا العقد ومن ضمنها حقه في ضربها فيما لو نكلت بالعقد الذي وثقوه وسجلوا به بضعة دنانير تحت مسمى المهر المتقدم الذي هو أثاث الزوجية وملحقاتها, والمهر المؤجل تستلمه عند أقرب الاجلين أو عند الميسرة ، تحصل عليهما فيما لو قرر الزوج تطليقها ,ومقابل كل هذا حصولها على شرف لقب المتزوجة لتتخلص من ملاحقة الأهل والمجتمع لها، فكل ما يتعلق بعقود الزواج هي عبارة عن صك من القيود تكبل المرأة وتفسد أخلاق الرجل وتزيد من عنجهيته الفارغة التي أخذت تتوسع من خلال هذه القوانين التي أعدمت العدالة في قانون من المفترض هي نصوص لدستور دولة بنيت على اساس المساواة التامة وعدم التمييز الجنسي والطائفي والديني ولكنه يغبن حق النساء ويضطهدهن.
كل ما جاء ذكره هنا هو منافيا لحقوق الإنسان .