نحن الداء وليسوا هُمْ فقط!



شاكر النابلسي
2006 / 7 / 2

-1-

كم من المرات قلنا أن العيب في العرب بالدرجة الأولى هو في تركيب المجتمع العربي، وليس دائماً بمن يحكم هذه المجتمعات. وعندما يرى الحكام شعوبهم متخلفة ومتزمتة ومتشددة، وتحكمها أعراف وتقاليد منذ مئات السنين من الصعب التخلي عنها، يستغلون ذلك في شعوبهم، مما يساعدهم على البقاء مدة أطول في حكمهم. وكنا في الماضي قد قلنا بأن القاء اللوم على أنظمة الحكم السياسية العربية القائمة ليس بالحكم المنصف أو باللوم المنصف دائماً. وأنه لولا وجود شعوب ذات رؤوس مهيئة ومصممة لمثل هذه القبعات السياسية، لما كنا قد لبسنا هذه القبعات منذ مئات السنين. وكما يقول المثل العربي (هالراس لهالطاقية).



-2-



أقول قولي هذا، بعد أن تبينت نتائج انتخابات الكويت التشريعية حيث لم تفز امرأة واحدة من ضمن عدد لا بأس به من المرشحات. وما كنا ننتظر من المجتمع الكويتي بين ليلة وضحاها، ومنذ أول انتخابات تشريعية تشارك فيها المرأة بثماني وعشرين مرشحة و195 ألف ناخبة وبنسبة 57 % من اجمالي عدد الناخبين، أن ينتخب المجتمع امرأة للبرلمان الكويتي. فما زال الطريق طويلاً. ولعل محاولات أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الصباح من تمرير قانون اعطاء الحقوق السياسية للمرأة الكويتية كان سابقاً بمسافات طويلة للوعي الاجتماعي، وللوعي السياسي الكويتي.



-3-



ولقد حدث الشيء ذاته في الأردن. فمنذ انتخابات 1987 التشريعية، اعطيت المرأة الأردنية حقها السياسي كاملاً، ولكن الانتخابات لم تقدم لنا أية سيدة لمجلس النواب الأردني، مما اضطر الدولة إلى تخصيص "كوتا" نسائية لمجلس النواب، بمعني فرض المرأة فرضاً سياسياً واجتماعياً على الحياة النيابية الأردنية.

وأنا اقترح على الحكومة الكويتية أن تفعل ما فعلته الحكومة الأردنية، حتى يعتاد المجتمع الكويتي على أن يرى المرأة الكويتية في مجلس النواب الكويتي نائبةً، وحتى تثبت المرأة الكويتية للناخب الكويتي جدارتها السياسية وشفافيتها وصدقها في أن تكون نائبة الأمة المخلصة والجريئة في مجلس الأمة.



-4-



وهناك مثال آخر يجب أن لا ننكره، وقد تعرّضنا له من قبل، وهو مسألة حق المرأة السعودية في قيادة السيارة. وقد شاهدنا كيف تجرأ محمد أبو زلفة وعبد الله بخاري وغيرهما من أعضاء مجلس الشوري السعودي وعرضا مذكرة بهذا الخصوص على مجلس الشورى، وكيف قوبلت هذه المذكرة بالاستنكار والتبرؤ منها. وكيف أن المجتمع السعودي كان برمته ضد هذه المذكرة، وضد أن يصدر قرار أو قانون بشأنها. وقال وزير الداخلية السعودية وقتها: "ليتفق المجتمع أولاً ، وبعدها سنرى".

وكانت السعودية دائماً المثال الواضح على تقدم الحكام وتخلف المجتمع، بدءاً من محاربة رجال الدين لادخال التليفون والراديو إلى الحياة السعودية في عهد المؤسس الراحل الملك عبد العزيز مروراً بمعارضة المجتمع بافتتاح محطة تلفزيون القصيم الذي تمَّ بعد منتصف الليل، تحاشياً لنقمة رجال الدين، وهيئات المجتمع، وانتهاء بموضوع قيادة المرأة السعودية للسيارة. وهي أمثلة حية، تدلُّ على مدى العمل المطلوب لتطوير المجتمعات العربية، وتغيير الكثير من الأفكار التي تتحكم في هذه المجتمعات.



-5-



لست حزيناً لأنه لم تنجح المرأة الكويتية في الانتخابات التشريعية. فمن المؤكد أنها ستنجح في الدورات القادمة. وفي حقيقة الأمر، فالمرأة الكويتية قد نجحت في هذه الانتخابات.

نحجت في أنها امتلكت الشجاعة الكافية لترشيح نفسها.

ونجحت في أنها لم تسمع لفتاوى رجال الدين الذين ارغموها على أن تنتخب ما يشير عليه زوجها. فانتخبت من تريد، ومن ترى فيه الخير لمستقبل الكويت، بعيداً عن وصاية العشيرة والأقارب والأزواج والأبناء.

ونجحت في أنها قدمت نفسها للمجتمع الكويتي كعنصر سياسي قادر على الدفاع عن مكتسبات هذا المجتمع. وقد سبق أن قدمت نفسها كأستاذة جامعية ومحامية وطبيبة وناشطة سياسية ومدافعة عن حقوق الانسان.



-6-



نتائج الانتخابات التشريعية هذا العام لم تكن في صالح المرأة الكويتية. فالانتخابات كمواسم الزراعة سنوات تأتي بالخير، وسنوات يكون فيها الناتج سيئاً أو مُمحِلاً. سنوات تأتي باليمين، وسنوات تأتي باليسار، وسنوات أخرى بالوسط، وذلك حسب المناخ وعوامل الطبيعة المختلفة الغامضة أحياناً. وهذا لا يعني أن نكف عن الزراعة والمشاركة في كل موسم. بل علينا أن نزرع ونشارك في كل في موسم. ونحاول، ونحاول ، ثم نحاول إلى ما لا نهاية، حتى يأتي الموسم غلالاً طيباًلصالح المستقبل والحداثة.

وهذا ما ينبغي على المرأة الكويتية أن تفعله في كل انتخابات بلدية أو تشريعية في الكويت. وكذلك الأمر في كل أنحاء العالم العربي.

لقد خسرت المرأة الكويتية انتخابات، ولم تخسر ثقة الشعب الكويتي ودعمه. والانتخابات القادمة بعد أربع سنوات ستكون شأناً آخر، فيما لو استطاعت المرأة الكويتية أن تعد نفسها الاعداد السياسي اللائق