ختان الإناث بين الفقه الإسلامي والقانون قراءة مقارنة



جمعه عباس بندي
2020 / 8 / 27

تمهيد :
من خلال قراءة المصادر والمراجع المتعلقة بهذا الموضوع (ختان الإناث أو الخَفْض) تبين : بان عملية الختان كانت من الشروط التي تسبق الزواج عند بعض الأمم والشعوب القديمة، وهناك من يربط بين اللفظتين ختن وختم -انقلاب الميم نونا – وقد يكون لهذا الامر علاقة بالعبد الهارب من سيده، وأصل الختان يرجع الى كتاب التوراة المنزل على سيدنا موسى - عليه السلام - ، حيث جاء فيه: بأن الله تعالى قد أمر سيدنا إبراهيم الخليل - عليه السلام - بأن يبتر غلفته وغلفة كل ذكر من نسله وعبيده كما جاء في سفر التكوين[ إصحاح 17 آيات 9 - 14] : (( واما انت فتحفظ عهدي، انت ونسلك من بعدك في اجيالهم، هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم، وبين نسلك من بعدك: يختن منكم كل ذكر، فتختنون في لحم غرلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم، ابن ثمانية ايام يختن منكم كل ذكر في اجيالكم: وليد البيت، والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك، يختن ختانا وليد بيتك والمبتاع بفضتك، فيكون عهدي في لحمكم عهدا ابديا، واما الذكر الاغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. انه قد نكث عهدي )).
علما كان سيدنا إبراهيم الخليل إبن تسعة وتسعين سنة عندما ختن نفسه كما جاء في نفس الإصحاح : (( فاخذ ابراهيم اسماعيل ابنه، وجميع ولدان بيته، وجميع المبتاعين بفضته، كل ذكر من اهل بيت ابراهيم، وختن لحم غرلتهم في ذلك اليوم عينه كما كلمه الله، وكان ابراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن في لحم غرلته، وكان اسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته، في ذلك اليوم عينه ختن ابراهيم واسماعيل ابنه، وكل رجال بيته ولدان البيت والمبتاعين بالفضة من ابن الغريب ختنوا معه)) ، لذا يعتبر اليهود والمسلمون عملية الختان من العلامات التي تمييزهم عن غيرهم من الملل والشرائع الى الآن ، ومن الجدير بالذكر تم الإشارة الى موضوع الختان في رسالة فيلبي [الإصحاح/3] من العهد الجديد، حيث جاءت فيها:((فنحن أهل الختان الحقيقي لأننا نعبد الله بالروح ونفتخر بالمسيح يسوع ولا نعتمد على أمور الجسد)).

تتضمن هذه القراءة الفقهية - القانونية : تعريف الختان، مع ذكر أهم أسبابه وأحكامه في الفقه الإسلامي، وموقف القانون الدولي من سلامة الأعضاء الجسدية للإنسان، مع بيان خلاصة القول في عملية ختان الإناث.

أولا: تعريف الختان:ِ

الختان في اللغة: هو القطع، وهو أسم لفعل الخاتن، ويسمى في حق الإناث خفضا(1) ، وفي الاصطلاح: هو قطع الجلدة التي تغطي حشفة العضو التناسلي للرجل(2)، وفي النساء: هو قطع الجلدة المستعلية من نواة الأنثى التي تكسو البنظر (3) .

ثانيا: أسباب الختان عند الفقهاء:

1- أسباب ختان الرجل:

العلة والسبب المباشر لختان الرجل يعود الى طهارته من قطرات البول، لأنه لا يمكن التخلص من هذه القطرات إلا من خلال عميلة الختان، لأن هذه القطرات ستكون سببا في نجاسة ثياب الإنسان وبدنه، وهذا الأمر سيكون سببا في نقض وضوءه ومن ثم صلاته، لذا كان إبن عباس – رضي الله عنهما – يشدد في أمره، وروي عنه: بأنه لا صلاة ولا حج إذا لم يكن الرجل مختن(4) ، لقوله تعالى:[وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ](5).

2- أسباب ختان الإناث:

أما الختان في حق النساء، فعلته: إنه يقلل من غلمتها- شهوتها - وهذا الأمر مطلوب لكمال المرأة، بمعنى أنه ليس من باب رفع أو إزالة الأذى(6).

ومما تقدم يتبين بأن السبب في ختان الرجل يعود الى طهارته من نجاسة البول، والطهارة من الأمور الضرورية لصحة الصلاة، والصلاة من أركان الإسلام، وهي واجبة على كل فرد مسلم، وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب-قاعدة أصولية- ومن هذا الباب يعتبر ختان الرجل سنة نبوية مؤكدة، أما بالنسبة الى النساء فالأمر يختلف، لان السبب هو أجتماعي والغاية من ختانهن هو بناء شخصية سوية متصفة بالكمال، لاتتبع أهواء النفس الأمارة بالسوء ونداءات الجسد، وذلك من خلال كبح وتقيد شهوتها عن طريق ختانهن، علما أن بناء الشخصية الكاملة والسوية مطلوبة للرجل والمرأة معاً.

ثالثا: حكم الختان في الفقه الإسلامي:

يقول الرسول الأكرم (محمد بن عبدالله)-صلى الله عليه وسلم-: ((الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب))(7)، وقول النبي لامرأة كانت تختن النساء في المدينة: ((لاتنهكي-أي لا تستأصلي- فإن ذلك أحظى –أطيب- للمرأة وأحب الى البعل))(8). أي الزوج.

بناء على هاتين الروايتين أختلف فقهاء المذاهب الإسلامية في مسألة حكم الختان للذكور والإناث إلى مجموعة من الأقوال:

1- في المذهب الجعفري: فإن الختان سنة للرجل، ومكرمة للمرأة، وليس واجب عليها(9).

2- في المذهب المالكي: فإن الختان –للرجال والنساء- سنة مؤكدة ومستحبة ويأثم تاركه(10).

3- في المذهب الحنفي: فإن الختان للرجال سنة وللنساء مكرمة(11)، وفي رواية اخرى: مستحب(12).

4- في المذهب الشافعي: فإن الختان واجب في حق الرجال والنساء(13).

5- في المذهب الحنبلي: فإن الختان واجب على الرجل، ومكرمة في حق النساء(14)، وفي رواية اخرى: فإن الختان واجب على الرجل والمرأة على حد سواء(15).

رابعاَ: موقف القانون الدولي من سلامة الأعضاء الجسدية للإنسان:

جوهر القانون هو الحفاظ على عملية التوازن في المجتمع والدولة، وتحقيق مبدأ العدل في الحقوق والالتزامات، ومن أولى مهمات القوانين سواء المحلية أم الدولية هو الحفاظ على حياة الانسان وسلامة أعضاء جسده من القطع أو التشويه، ومن أهم هذه النصوص الدولية في هذا المجال:

1- عدم جواز الاعتداء على حق الحياة، مع توفير كافة الظروف الجيدة لبقاء الطفل ونموه نمواً سليماً وصحياً ونفسياً وجسدياً (16).

2- وفي نص آخر: ((لكل فرد حق في الحياة والحرية، وفي الامان على شخصه))(17)، وعلى القانون المحلي أن يحمي هذه الحق، ولايجوز حرمان أحد من حمايته تعسفاً(18).

3- كما يحضر أي أن يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ظروف المعاملة أو العقوبة القاسية غير الانسانية(19).

ولا شك بأن عملية الختان وخاصة للنساء الصغيرات هو نوع من أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وكذلك هو اعتداء صارخ على سلامة أعضائها الجسدية.

خامساً: خلاصة القول في موضوع ختان الإناث:

مما سبق آنفا من أقوال المذاهب الفقهية: تتبين بأن حكم الختان محصور بين الواجب أو السنة أو الاستحباب، والراجح هو ما ذهب إليه كل من الجعفرية والحنفية، بأن: الختان سنة للرجال، ولا هو سنة ولا واجب بالنسبة للنساء، لأن السواد الأعظم للأمة الإسلامية لا يقومون بعملية ختان الإناث، والأمة في مجموعها معصومة أن تجتمع على خطأ أو ظلالة ، لذا تعتبر عملية ختان الإناث وخاصة الصغيرات جريمة ترتكب بحقهن، تحت مفاهيم خاطئة للدين، لأن عملية ختان النساء في الغالب عادة اجتماعية موجودة في بعض الأمم والشعوب قديماً وحديثاً.

والأحاديث النبوية الواردة بهذا الخصوص ضنية الثبوت وموضوعة، ولو كانت هذه الأحاديث صحيحة ومن شعائر الدين، لطبقها الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم- على أهله وبناته قبل أن يأمر تطبيقها على عامة المسلمين، علماً كان للنبي –صلى الله عليه وسلم- أربع بنات ولم يرد في سيرته أنهن أختتن(20)، ومن هذه المنطلق على كل إنسان واعي أن بقف بوجه هذا الاعتداء الجسيم بحق النساء، والذي سيكون من أكبر آثاره ونتائجه السلبية:

1- غرس انعدام الثقة في نفسية الضحية، وخاصة بينها وبين أهلها، وبذات بينها وبين أمها.

2- ستكون عملية الختان سبباً للعقد النفسية والأمراض النسائية للضحية.

3- خلق حالة من البرود العاطفي والجسدي عند الضحية.

4- تم ذكر لفظة الختان في التوارة صراحة في أكثر من موضع، كما جاء في الأنجيل ، ولم يتم ذكرها في القرأن الكريم، مع ذلك يتصور أغلب الناس بأن عملية الختان من الأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية.

5- أصل الختان يرجع الى التوارة - سفر التكوين - قصة سيدنا إبراهيم الخليل - عليه السلام -.

6- الختان الذي تحدث عنه التوراة هو للرجال وليست للإناث.

7- فقهاء المسلمين أستنبطوا أحكام عملية ختان الإناث من الأحاديث النبوية والتراث الديني وليس من القرأن الكريم.



الهوامش (المصادر والمراجع ):


1- لسان العرب: 9/ 47، تحفة المولود، ابن القيم الجوزية: 1/ 152، الصحاح تاج اللغة، اسماعيل الفارابي، دار العلم للملاين: 5/2107.

2- المجموع، النووي: 1/351.

3- مجموع الفتاوي، ابن تيمية:21/114.

4- المغني، ابن قدامة المقدسي: 1/115.

5- سورة المدثر/4.

6- الشرح الممتع:1/133-134.

7- رواه البخاري: 5889، ومسلم: 257.

8- رواه ابو داود: 5271، صححه الألباني.

9- فروع الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، دار المرتضى، بيروت، مجلد 4 : 4/1199، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، محمد باقر المجلسي، دار الكتب الإسلامية:21/66.

10-المعاني البديعة في معرفة أهل الشريعة، محمد بن عبدالله الحثيثي، دار الكتب العلمية، بيروت: 1/28.

11-الاختيار شرح المختار، الموصلي: 2/121.

12-نهاية المطلب في دراية المذهب، الجويني، دار المنهاج: 17/355، مزيد النعمة لجمع أقوال الأئمة، المحلي الشافعي:42، حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء، محمد بن احمد الفارقي، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1/107.

13-أختلاف الأئمة العلماء، يحيى بن هبيره الدهلي، دار الكتب العلمية، بيروت: 1/342

14- المعني، إبن قدامة: 1/70.

15-المعاني البديعة، المصدر السابق:1/28.

16-المادة 6 فقرة 2 من إتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989.

17-المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.

18-المادة 6 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.

19-المادة 37/أ من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989.

20-مواقف الإسلام من ختان الإناث، عبدالرحمن النجار، القاهرة، ط4، 1990: 7.